نشوى زكريا الغرياني
أحياناً أتسائل: هل أنا بخير؟ مع كل تلك الأيام الصعبة، مع كل تلك المشاعر الباردة التي تحوم حولي؛ باحثةً عن أي نافذة تدخل بها إلى بقايا قلبي، مع كل أولئك الأشخاص الذين لا يعرفون شيءً عن الأحلام، الذين يجولون العالم ممسكين بمطارق حديدية يطرقون بها أحلام المساكين مثلي.
أأنا بخير؟، مع عدم ثقتي بك، مع عدم قدرتي على حُبك، مع عدم قدرتي على الإيمان بك، أأنا بخير؟
أتعلم.. بالأمس زارت قلبي الخالة عاصفة، عصفت مشاعر قلبي بشدة، ثم ذهبت، ليأتي العم مطر زائراً لعيناي، ليهطل بشدة، وبقوة كبيرة، متصنعاً أنه فاعلاً شيء جيد، إلا أنه لا يعلم أنه بذلك يجعل مني أضعف فأضعف، لكن لا بأس، فأنا أعتقد أن هطول المطر أفضل من بقاءه متجمعاً في السماء صانعاً غيوماً سوداء تحوم ذهاباً وإياباً فوق رأسي، زارعة شعوراً بالوحدة، والخوف، وكل ماهو بائس.
أه.. قبل أن أنسى، لقد مررت اليوم صباحاً بالمقهى الذي كُنا نزوره سابقاً، أخذت فنجان قهوة ساخن، وجلست على الطاولة العتيقة بجانب النافذة، كم كان منظر المطر من تلك النافذة جميل، رغم أنه يؤلم قلبي أحياناً، رأيت العمة إليزابيث مع أبنها، يبدوا أنهما قد تصالحا أخيراً، بعد عِراك دام سبع سنوات، رأيت كلب العم جوزيف صاحب المقهى أيضاً، لقد عاد أخيراً، لكنه كان مصاباً في كوعه، وعندما سألت العم جوزيف عن ذلك، قال أنه يعتقد بأن كلبه قد تشاجر مع أحد كلاب الحي قبيل عودته، فهو دائماً ما يتشاجر مع باقي الكلاب، كلبٌ همجي، لا يهم، المهم الأن هو أن كل شيء عاد لمجراه الطبيعي.
طبخت اليوم للغداء أرز، لكنه أحترق في النهاية، لكن.. لا تقلق، فأنا قد طلبت بيتزا من المطعم المجاور، تعلم أنني أحب الطعام كثيراً.
لا أعلم ما أكتب لك حقاً، هل أحفزك وأعطيك بعض الطاقة الإيجابية؟ لكنني أكثر شخص سلبي على وجه الكرة الأرضية، لا أعرف حتى كيف يتم تحفيز الناس بالطاقة الإيجابية، فأنا يتم تحفيزي بكل ما هو سلبي، مثلاً زهرة ميتة، لوحة سوداوية، أو حتى عند سماع صوت أم تبكي على أبنتها التي ماتت بدون مبررات.
على سيرة المبررات، هل من مبرر يجعلني أكرهك، أم أنني أنا هي من تكره كل شيء؟، لكنني لا أجد أي مبرر يجعل مني شخصاً سلبياً يكرهك ولا يملك أي ذرة ثقة بك، لا بأس، فذلك غير مهم، غير مهم مثل احتراق الأرز، غير مهم مثل إصابة كلب العم جوزيف، غير مهم مثل هطول المطر من عيناي، أو مثل عصوف مشاعر قلبي، غير مهم، أنه فقط وبكل بساطة غير مهم.
لن أقول لك أي جمل وداعية أو أي من هذه الدراما المبالغ بها، فقط عش بسلام يا أنا.
مِنْ أنا؟
أقفلت رسالتها بالشمع الأحمر كلون بؤبؤ عيناها بعد هطول المطر منهما، ووضعتها في صندوق البريد، لتعود لقرأتها مرة أخرى بعد يوم، أو ربما بعد يومين، لا أعلم.. ربما ستقرأها مساءً، فهي لا تهتم بشيء، هذه ليست كلماتي، بل هي كلماتها، هي من قالت أنها لا تهتم بشيء، رغم أنني على يقين بأنها تهتم حتى بالنملة التي تمشي على تربة حديقتها، ربما هي خائفة من الاعتراف فقط، أو ربما خائفة من نظرة الناس لها، فكما تعلمون؛ الناس دائماً ما ينظرون إلى ما نحب بكل طمع أحياناً، وبكل استصغار أحياناً أخرى، وكم تؤلمنا تلك النظرات التي تعتلي وجوههم عندما يستهزئون ويستهينون بما نحب، والأكثر ألماً من ذلك هو عندما تعلوا وجوههم تلك النظرات عندما يعلمون عن أحلامنا وإرادتنا، عن أيامنا وساعاتنا ودقائقنا، عندما يعلمون عن لحظات حياتنا، لكن لا بأس.. فذلك غير مهم.