الفنان الدكتور بشير حمودة من مواليد المدينة القديمة بطرابلس العام 1948، ولعله بسبب موقع الرأس انتقى مرسمه داخل سراية القناصل ويحدها جنوبًا زنقة الفرنسيس وغربًا قوس ماركوس أوروليوس وشمالًا جامع سيدي عبدالوهاب، ومن خلف الجامع مدخل ميناء طرابلس…
الدكتور الفنان بشير حمودة تدرج في مجال الفن من الهواية الى دراسة تواصلت حتى المرحلة الجامعية في إيطاليا، ثم دراسة أكاديمية فنية عليا، إلى أن أصبح أستاذًا بكلية الفنون الجميلة بجامعة الفاتح.
ذاكرة جمالية طرابلسية…
يصفه الناقد والفنان التشكيلي الأستاذ على الزويك بأنه: «ذاكرة جمالية طرابلسية معبرة بصدق وحميمية عن المكان وأهله عبر لوحاته، إنه ذاكرة وجدانية ملتصقة بالجميل المطمئن الباعث على السرور، حتى لو كان هذا السرور عابرًا. أحيانًا كثيرة كان يهرب من مهامه الاجتماعية ليخلو بفنه، إنه فنان، مزيج من الخجل والحزن، حزن ورثه الفنانون فى بلادنا لغياب التوثيق لسير المبدعين».
فنان بتحرك مع الكون بهدوء…
قال عنه شيخ هذا الفن، الأستاذ علي قانة: «إنه فنان مطمئن النفس يتحرك الكون حوله فينساب معه في صعوده وهبوطه يراقب ويعمل، يتكلم بهدوء ويجمع من اللحظات ألوانها. وكان منذ نشأته الأولى يصوغ أعماله بهدوء ورويّة، ترعرع وعاش طفولة حبيبة بصحبة والده الذي كان عاشقًا للطبيعة وجمال اللحظة، يبحث عنها برفقة ابنه فى بساتين تاجوراء وشطوطها بجوار سيدي الأندلسي، أو عند سيدي عامر، بين غابات الزيتون وأشجار النخيل. كان هذا أول الدروس وكانت رفقة وريادة ارتوى فيها بلون الأرض وحمل ألوان سعف النخيل وأشجار الزيتون في أعماق صدره. وكان اهتمامه باللون هو البعد الأفقي والشامل لتتبع خلجاته، واستمر إلى أن أصبح اللون سمحًا واتحد بالسلوك اليومي للرسام وأصبحت وحدة الفارس والجواد ووحدة الحياة والإحساس والعمل.
إبراز جمال البسمة وإطلالة الأمل في استحياء صارخ…
الجمال الأنثوي الطرابلسي، تمكن من إبرازه عبر زيه التقليدي القديم. وعلى الرغم من أن «الفراشية» الطرابلسية تخفي جميع المعالم، ولا نرى سوى «نصف من لواحظها»؛ فإنها كانت كفيلة بإبراز جمال البسمة وإطلالة الأمل فى استحياء صارخ. ولعل من أبرز لوحاته الذكية، تلك اللوحة الجميلة، التي تبرز طبقات متراكمة من أنماط العمارة والحضارة في مسيرة ألفي عام. تعكس أنه كلما ازدادت تراكمها وارتفاعها اختفى بين طبقاتها صانعوها، فتردم مثلما قيل، حتى أبسط أشكال الحياة التي جاءت لتدعمها، غياب أي أثر للزهر أو الطير أو الشجر. إنه تاريخ محفور على الجدران وفي ردهات المنازل والأزقة يحمل بين طياته آمال وآلام من سكنوا الديار.