يتضمن كتاب ألف ليلة وليلة مجموعة من القصص، وردت في جنوب وغرب آسيا، وحكايات من مصر، وتركيا والعراق واليونان. ترجمت الى العربية، وأضيفت إليها قصص أخرى، ويجمع مؤرخو التاريخ الأدبي أن هذه القصص الخرافية التي انتشرت في العالم، وترجمت الى كل اللغات بعد النسخة العربية هي من تأليف صاحبها” هزار أفسان” فإذا نقبنا في تاريخ الأدب العربي وجدنا أن أول اشارة الى كتاب ألف ليلة وليلة كانت في «مروج الزهد» للمسعودي، أي في منتصف القرن الرابع الهجري، وهو يسميه باسمه الفارسي «هزار أفسان» ويلخصه بأنه «خبر الملك، والوزير وابنته، وجاريتها، وهما شيرازاد ودينار زاد». حتى إذا جاء المقريزي مؤلف «الخطط» في القرن التاسع الهجري، ذكر ألف ليلة وليلة بوصفها أقاويل خيالية، وأحاديث عجيبة.. ونفهم من عبارات المسعودي والمقريزي ان ألف ليلة وليلة ظلت شائعة في أحاديث الناس وأذهانهم على حين لم يكن لها وجود في مدونات، الأدب العربي، كان يرويها الرواة شفاهة ويسمعها الناس بشغف ويتناقلونه، ويتمثلون بمغزى القصص وأبطالها ومواقفهم بل وأقوالهم. وقد تنامت هذه الحكايات مع الوقت وتفرعت وتعددت، وادخل فيها كل عصر أحداثه وأشخاصه وخيالاته، أي أن حياة هذا العمل السردي الكبير تواصلت وازدهرت بموازاة الصمت عنها الى حد انكارها في فصول الأدب العربي الجدير بهذا الاسم، أي المكتوب المتواتر. وهذه الازدواجية أي الرواج الشعبي من ناحية والانكار الرسمي من ناحية أخرى، تطرح مشكلة الانفصام. وهو داء بلغ أشده في بطش محكمة القاهرة سنة 1985 بنسخ هذا الكتاب وناشرها وطابعها..
ولقد تعددت نسخ كتاب ألف ليلة وليلة في عدت طبعات، وذلك في القرن العشرين ومنها:
النسخة الأولى والثّانية كُتبت في القرن الثّامن الميلاديّ، من عمل الفارسيّ هزار أفسان. النسخة الثّالثة كُتبت في القرن التّاسع الميلاديّ، والقصص فيها كما هي في ألف ليلة وليلة مع قصص أخرى. النّسخة الرّابعة كُتبت في القرن العاشر الميلاديّ، من عمل الجهشيريّ. النّسخة الخامسة كُتبت في القرن الثّاني عشر الميلاديّ، وهي سلسلة من الحكايات المصريّة. النّسخة السّادسة امتدت كتابتها حتى القرن السّادس عشر، والقصص فيها بقيت كما القصص السّابقة بالإضافة إلى قصص في الحملات الصّليبيّة، وقصص أخرى أتى بها المغول إلى الشّرق الأوسط.
-وكل هذا وسط اهتمام الآداب العالمية الفائق الحد لهذا الكتاب، واعتباره أحد أثمن ما جاءت به المخيلة الشرقية من روائع على مدى العصور.
1- اللؤلؤة: الليلة الثانية بعد الألف!!
” وكانت شهرزاد – في هذه المدة – قد خلفت من الملك ثلاثة أولاد ذكور، فلما فرغت من هذه الحكاية، قامت على قدميها، وقبلت الأرض بين يدي الملك، وقالت له: يا ملك الزمان، وفريد العصر والأوان، إني جاريتك، ولي ألف ليلة وليلة وأنا أحدثك بحديث السابقين، ومواعظ المتقدمين، فهل لي في جنابك من طمع حتى أتمنى عليك أمنية!! فقال لها الملك: تمني تعطي يا شهرزاد!! فصاحت على الدادات والطواشية، وقالت لهم: هاتوا أولادي، فجاؤوا لها بهم مسرعين – وهم ثلاثة أولاد ذكور – واحد منهم يمشي، وواحد يحبي، وواحد يرضع. فلما جاؤوا بهم أخذتهم ووضعتهم قُدام الملك، وقبلت الأرض، وقالت: يا ملك الزمان: إن هؤلاء أولادك، وقد تمنيت عليك أن تعتقني من القتل إكراماً لهؤلاء الأطفال، فإنك إن قتلتني يصير هؤلاء الأطفال من غير أم، ولا يجدون من يحسن تربيتهم من النساء! فعند ذلك بكى الملك وضم أولاده إلى صدره …”
2- المحارة:
– هكذا تُصور مخطوطة “ألف ليلة وليلة” في صيغتها التراثية، الليلة الثانية بعد الألف.
– كثير من المؤلفين المحدثين، فكروا في هذا – من جانبهم – فابتدعوا حكايات جديدة يمكن أن تكون امتداداً لليالي الألف السابقة. غير أن الختام الشعبي يبقى مهماً ودالاً على طبائع الرجال – بمن فيهم الملوك – والنساء – بمن فيهن الحسان – وطبائع العصر عامة.
– لقد توسلت شهرزاد للعفو عنها (بعدم قتلها) بأسباب تربوية (من أجل الأطفال)، ولوحت أمام الملك بأنهم ثلاثة ذكور (!!) وكررت هذا مرتين؛ فقدمت البرهان للملك أن أولاده الذكور هم الامتداد الطبيعي الذي لابد أن يحسن التعامل معه.
– في الختام: أمر شهريار بإقامة الأفراح، وتعليق الزينات والأضواء، والأعلام على نفقته الخاصة في عاصمته أربعين يوماً متصلة، والنص على أن ذلك كان على نفقته يحمل دلالة معاكسة، وهي أن زمن الحكام الظالمين مثل شهريار، إنما كانت تقام الزينات على نفقة التجار والشعب بوجه عام.
– اللؤلؤة من الصفحة الأخيرة من “ألف ليلة وليلة” – الطبعة الأولى – مقابلة وتصحيح الشيخ (محمد قِطة العدوي) – مطبعة بولاق – 1252هـ – نسخة مصورة عنها نشرتها مكتبة المثنى ببغداد.
– المحارة من كتاب: “فنون الأدب” – دار الكتب الثقافية –الكويت – الطبعة الثانية – 1978 – ص163 وما بعده