بعد عام من استيلاء بريطانيا على قناة السويس … قررت ايطاليا وفي غمرة تنافس الدول الأوروبية على احتلال واستعمار اجزاء من افريقيا … قررت ان تقوم بمغامرة هي الأخرى وبحثت لها عن ضحية في تلك القارة الغنية بالموارد … واختارت ان تكون الحبشة (أثيوبيا) هي ميدان مغامرتها العسكرية … فهي بلد يعج بالقوميات والقبائل المتنافرة المتصارعة وذات التسليح البدائي … كما ان السيطرة عليها يتيح لأبناء روما التمدد وتعزيز السيطرة على البحر الأحمر … ويمنح احفاد الإمبراطورية الرومانية دورا جديدا …وامجادا جديدة …أو هكذا خيل لهم.
ففي شهر مارس من عام 1896 قام الإيطاليون بغزو الحبشة بجيش قوامه 20 ألف جندي مدججين بأحدث الأسلحة، بقيادة الجنرال صاحب الشهرة الكبيرة في هذا الوقت، باراتيري، الحاصل لتوه على وسام جديد من روما، كانت الحسابات على الورق تشير الى مغامرة مضمونة النتائج … جيش أوروبي حديث بقيادة جنرال خبير … يواجه حفنة من القبائل الأفريقية البدائية الفقيرة والمتناحرة فيما بينها …ولكن … كثيرا ما تأتي الرياح بما لا تذكره حسابات الجنرالات والمستشارين…أو تشتهيه أنفسهم.
الاستخفاف بالعدو والثقة الزائدة على النفس لطالما كانت سببا في هزيمة اقوى الجيوش … ففي غمرة استعجالهم للنصر… أهمل قادة الجيش الايطالي أمرين …الأول … طبيعة المناخ الصحراوي القاتل لمنطقة عدوة شمال البلاد، فارتدى الجنود اللباس الشتوي الثقيل، وهو المعتاد لساحة القتال في أوروبا، غير أنه كان الكارثة للجنود الذين سيقاتلون في أدغال إفريقيا حيث درجة الحرارة المرتفعة.
والثاني … قدرة القبائل والقوميات على التوحد عند الشعور بالخطر الخارجي …ليتفاجأ الايطاليين بجيش جرار قوامه مئة ألف إثيوبي من مختلف الأعراق والمناطق في انتظارهم، ومع أول يوم من أيام المعركة سقط من الجيش الإيطالي 4 آلاف جندي قتيلا، وهي الخسارة الكبرى لقوى أوروبا الاستعمارية، فيما قُتل جنرالان وأسر الثالث. انتهت المعركة بهزيمة كاملة لجيش الغزاة وبالاستيلاء على عتادتهم وأسر جنودهم.
المعركة التي عرفت باسم “عدوة ” وهي المنطقة التي جرت بها انتهت بهزيمة كاملة للجيش الايطالي ودفعت روما للجلوس على مائدة التفاوض مع الجانب الإثيوبي الذي فرض شروطه كاملة …فاعترفت ايطاليا باستقلال الحبشة التام، بعد أن دفعت لها مبلغًا يقدر بخمسة ملايين دولار ذهبًا.
دخلت هذه المعركة التاريخ تلك المعركة كونها احدى أعظم المعارك بين إفريقيا وأوروبا، وشكلت وقتها صدمة كبيرة للرأي العام الأوروبي وللطبقة السياسية الحاكمة هناك، وأسقطت العديد من المعتقدات الواهية بشأن ضعف قدرات القارة السمراء في التصدي للقوى الاستعمارية البيضاء، فضلًا عن إلحاق الهزيمة بها وتجريدها من عتادها وقواتها.… ولا زالت شعوب القارة السمراء تحتفل في مارس من كل عام بأول هزيمة لدولة اوروبية حديثة امام شعب افريقي فقير.
_______________________________________
*** الصورة هي للنساء الحبشيات اللاتي شاركن في المعركة بقيادة الإمبراطورة تايتو بيتول. شاركت عشرات الالاف من النساء في دعم المقاتلين بتحضير الماء والطعام ومعالجة الجرحى والاسناد المعنوي.