طيوب عربية

نملة ضائعة

من أعمال المصور أسامة محمد
من أعمال المصور أسامة محمد

ومرّة خطر لي أنّك جزء لا يتجزأ من تلك الطّيور التي تسكن في تلك الغابات الكثيفة؛ و تحديدا وسط تلك الأشجار العارية من أوراق الصّنوبر وقد تحرّرت من أغصانها؛ هي أشجار ذات أفنان ترقص فرحا وتغنّي حزنا وقد طارت أوراقها الصّفراء في السّماء كأنّها جزء من السّماء؛ تتشبّث إحداهنّ دون سبب بالذكرى تجلس دون مبرّر في أقصى أطلال الذّكرى؛ كم كانت مصرّة على أنّها أرملة لا ترتدي إلاّ السّواد ولا تحبّ إلاّ السّواد؛ وقد جرت العادة أن تخرج “ذات الغصنين” أوّل كلّ فجر في موكب جنائزيّ مع أولئك الأرامل يندبن ويبكين مع هبوب أوّل رياح الخريف؛ تبحث النّادبات والباكيات منهنّ عن أضغاث أحلام وسط أحلام لا يمكن أن تتحقّق؛ تسلّقت إحداهنّ أغصان الذّكرى تصعد فوق ذلك التّمثال العظيم يحمل نصبا تذكاريا كتب عليه اسم” الجنديّ المجهول” لا يوجد ما يشير إلى اسمه أو مدينته أو تاريخ ميلاده؛ لم أعترف أمام الجميع وقد جاءوا من كلّ حدب وصوب يحيون تلك الذكرى بعد الذّكرى الأولى أو النّظرة الأولى؛ مازلت أرى أصابعه الرقيقة تدغدغ جسدي؛ تدعوني إلى معركة بريّة حاسمة فوق الفراش؛ هو موجود في كلّ مكان لا ينتمي إلى زمان؛ لا يمكن أن أختزل بطولته في مكان واحد أو زمان واحد؛ نظرة واحدة كانت تكفي حتّى أعترف له بحبّي؛ لقد احتلّت تلك الذّكرى وسط الذّكرى مساحة داخل مساحة كبيرة في فناء حيّ أثريّ عتيق وقد أطلق عليه ” حيّ الحريّة” كلّ العشّاق تجمّعوا هنا كالطّيور فجرا يراقبون تلك الحدود الوهميّة الفاصلة بين عاشقين يسكنان في دولتين واقعتين بين تمثالين؛ كلّ العشّاق يشبهون الطّيور وقد هجرت تلك السّماء؛ كلّ العشّاق هوايتهم المفضّلة أن ينحتوا على موسيقى هادئة أجسادهم العارية من النّشوة وهم يبحثون عن تحقيق النّشوة؛ كلّ التّماثيل التي أقيمت في تلك السّاحات على هيئة أجساد بشريّة فارغة من النّشوة؛ يحتضن التّمثال بعد سقوطه في أوّل المعركة جسدي يستقطر فرحا نابعا من تجاعيد الحزن ينشر بظلاله في تلك السّاحات العامّة؛ يختزل النّصب التّذكاريّ أمجاد معركة حاسمة صمد فيها عاشقان أو جنديان رفضا إلقاء السّلاح ولم يعترفا بسقوط المدينة إطلاقا دون مقاومة تذكر؛ رفض الجنديان وهما يرفعان نفس السّلاح وهو نظرة واحدة الاستسلام؛ رفضا إلقاء ما تبقى من ذخيرة فتّاكة على أطلال البيوت الواقعة في الضّواحي الشماليّة؛ هؤلاء العشّاق جنس من أجناس الطّيور الصّخريّة لا يعبدون الأصنام و لكنّهم يتقرّبون منها بحثا عن مخلّفات الذّكرى الأولى بعد اندلاع شرارة الحرب الأولى من النّظرة الأولى وقد جمعت بين عاشقين أو طائرين تائهين كما النّجوم تائهة في السّماء؛ حقّا خلّفت تلك الحرب الكارثيّة دمارا فادحا على الأرض أين تحصّن جنودي للدفاع عن بيتي الذي يفتح على الجبهة الواقعة بين العينين السّوداوين؛ بعد انتهاء القصف العنيف على عدّة مواقع بريّة حسّاسة منها جسدي؛ ظهرت عدّة إصابات بالغة الخطورة؛ لقد سقط عدّة جنود من المرتزقة على الخدّين في تلك الغارات أثناء القصف الذي استهدف مواقع حسّاسة وقد طالت أسلحة الدّمار الشّامل قوافل من الطّيور تجاوزت الحدود المعترف بها؛ انتهكت سطوح منازلي؛ حطّت فوق أشجار حديقتي؛ كانت تغنّي فوق سطوح تلك الحانات التي فتحت أبوابها تستقبل بفرح جنونيّ وهميّ ما بقي من فلول تلك الطّيور التي رفضت بدورها أن تستسلم بسهولة إلى هؤلاء الجنود يسرقون من شرفات البيوت المجاورة أجمل ما تركت عيناك من ذكريات نشرتها صباحا مع أدباشي المبلّلة بالمطر؛ رغم ذلك مازالت حجرتي تحتفظ بعطر الملوك؛ يتسلّل النّعاس إلى نافذتي؛ يسرق هواء خفيفا كالنّداء؛ حبيبي لم يبق في حانتي كأس أتسلّى به؛ لم يعد هناك نبيذ أصنع منه نشوة؛ اختفى حرف النّداء؛ دمّر جنودك وقد تسلّلوا فجرا إلى عيوني بقايا فرح يتخلّله حزن كالوشم في الحانات؛ تخترق نظراتك أبواب الشرفات النّاعسة أغلقت الفرح في وجهي بعد انتهاء الفرح ؛ بعد تجدّد الاشتباكات بين العاشقين ليلا وضعت اسطولي البريّ في حالة استنفار قصوى؛ استسلم دون أن أدري عدّة جنود؛ فرّوا من جبهات القتال وقد تعرضت كلّ الحانات إلى القصف بين منتهى الحربين أو منتهى النّظرتين الجاثمتين فوق الصّخرتين المتعاقبتين؛ رفعوا أعلاما بيضاء؛ نكسوا نظراتهم؛ وقد سقطت كما تسقط السّماء في البحر؛ هم في الأغلب حسب هيأتهم من صفوف جنودي الذين غامروا بالدّخول في تلك المعركة وسط المعركة بأسلحة تقليديّة؛ تعتمد أساسا على المباغتة والمراوغة؛ الجميع رفعوا شعارهم المقدّس” ما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل” عبروا بصعوبة كبيرة صحراء فاصلة بين جسدين معلقين كالرّمحين وقد اخترقا مياه نهر وسط نهر يقع بين مضيقين جبليّين تسيل منه نظرتان أو دمعتان كالشّهد المذاب؛ شدّتني إليك عينان عذبتان عسليّتان تترقرقان على المقلتين أسفل الشّفتين الوعرتين العالقتين بين مرتفعين أعلى الخدّين مثل زهرتين بريّتين تفتّحتا بين صخرتين عظيمتين؛ أخيرا وصلت إليك بعد مسير على الأقدام دام على مسافة فاصلة بين فجرين من النّشوة؛ تتخلّل ذلك نظرة أو نظرتان عموديّتان عابرتان؛ كسّرت بعد صلاتين فجرّيتين كأسين ارتفعا بين جبلين شاهقين يفصلان بين نظرتين أفقيّتين عاشقتين سماويّتين فاصلتين بين حربين طاحنتين يخترقهما سنان سيف واقع بين قبلتين سقطتا على الخدّين الثّلجيّين؛ حبيبي نحن وقد عشنا منذ الأزل طائرين في عمرين متفاوتين مازلنا على حبّ أو طهارة؛ نحن نستعدّ مثل كلّ العشّاق إلى أداء طقوس صلاة الحبّ في عيد الحبّ بين وقتين أو نظرتين عابرتين وقد طرقت باب حجرتي؛ نعم فتحت خزانتي بسهام لحظ ما لهنّ دواء؛ بعد صلاة الحبّ استحوذت نظراتك على كامل السّماء؛ تغمرني أنفاسك بقوّة و تدفعني بعنف إلى عناق السّيفين الواقعين في فناء هضبتين أفقيّتين؛ فجأة اندفعت تحت شعور بالنّشوة إلى دخول الحرب؛ جرّبت في حربي أو كأسي أو حبّي أو صلاتي كلّ أسلحتي البيضاء؛ دخلت كلّ جبهات القتال؛ تعرّى جسدي أمام السّيفين فوق جبلين؛ احتدمت المعارك البريّة بيننا في الخطّوط الأماميّة؛ تقدّم الجنود يحملون العتاد وقد اندلعت الحرب بين العاشقين؛ لا رجوع إلى الوراء؛ تشابكت العيون عند مجرى النّهر يفيض بين الخدّين النّحليّين؛ تبارزت العيون؛ التقت السّيوف على رموش العيون عند منتهى جبل يدعى ” جبل العصافير”؛ سقط على منتهى خدودي أو حدودي الغربيّة معك عدد من الجنود؛ ماتوا كما تموت فراخ الطيور جوعا وعطشا؛ لماذا عندما التفّت السّاق بالسّاق والتقت العين بالعين تركتهم يبالغون في تعذيبي وقد فكّروا حتّى في قتلي؟ عاثوا فسادا في البساتين الخضراء؛ قطفوا كلّ ثمار تركتها على جسدي؛ نهبوا نشوتي؛ جرفوا كلّ نخلي؛ استباحوا كلّ أرضي؛ أطردوا قطعاني؛ لم يعد هناك بين الخدّين مرعى آمن؛ لم يعد بين العينين في أقصى الجبلين مجال للمقاومة؛ أصاب النّعاس أغناما ترعى بهدوء فوق الجبلين قرب ملتقى النّهرين؛ اخترق صمت كثيف جبهات القتال؛ خيّم حزن عميق على بيوت في الضواحي الغربيّة في تلك الغابة الذّهبية؛ حطّت أسراب الطّيور فوق سطوح الحانات؛ لم يعد هناك كأس يتحرّر بها هؤلاء العبيد؛ أغلقت الحانة أبوابها أمام العاشقين أو السّاهرين؛ اخترقت نظرتك المبهمة طرقات بريّة في جسدي؛ اغتال العبيد نشوتي وسط غياب نشوتي؛ بدت نظراتك شامخة في الفضاء كأنّها جنديّ مجهول يرفض منطق الهزيمة والاستسلام؛ رفضت العقوبات الصّادرة في حقّي؛ حاولت جاهدة خرق قرارات الحصار ضدّي برّا وبحرا وجوّا؛ لم أطلب في حبّك مساعدات أجنبيّة؛ فتحت حدودي على مصرعيها؛ أعطيت الأوامر بالهجوم على حجرتي فجرا وقد أعلنت الولاء لك في تلك الحرب الكارثيّة؛ لم تكن الهزيمة متوقّعة من مجرد نظرة بريّة واحدة تخترق البراري شرقا؛ خسرت في تلك الفيافي غربا كلّ عتادي؛ ضاعت نظراتي؛ صعدت نشوتي؛ دخلت من أجل تحرير العبيد من اضطهاد السيّد كلّ الحانات؛ تسلّقت وأنا في ساحة التّحرير بعد النّظرة الأولى أو الكأس الأولى تمثال ذلك الجنديّ المجهول شاهرا سلاحه في الهواء يعتدي على جسدي؛ رفض الجنديّ المجهول الاستسلام من نظرة أولى؛ طوّقته بالسّلاسل؛ استدرجته بعيوني؛ استنزفت طاقته في ملاحقتي من ساحة الى ساحة أخرى؛ انتقلت الحرب بين العاشقين داخل الأحياء؛ صارت وسط الشّوارع؛ بدأت حرب الشّوارع بين العاشقين؛ تظاهرت في تلك الحرب أنّي مسعفة أحمل راية بيضاء أعالج الجرحى في الميدان وتحديدا فوق الغطاء الأرضيّ وذلك من جرّاء القصف المرّكز و المتواصل يستهدف عدة مدن استراتيجية تمتدّ على تخوم مملكتي الواقعة بين نهدين صحراويّين؛ لم أطالب بالانفصال أو التّمرّد على منظومة الحكم الاستبداديّ؛ لم أرفض مبادئ الحكم المطلق في دولتك وقد توسّعت جيوشك غربا بين العينين؛ بسط جنودك نفوذهم شرقا بين الخدّين؛ كم رفضت في تلك المفاوضات المباشرة على فراشي اللّيليّ الاعتراف المزيّف بالحكم الذّاتي المزيّف؛ أردت أن أعيش تحت سلطتك؛ أرعى مصالحك؛ وقد انضممت في تلك الحرب الطّويلة إلى تلك الجبهة المناهضة للعبوديّة طواعيّة؛ نعم استسلمت إلى عينيك مباشرة؛ لم أتحمّل شدّة الضربات أو الطلقات تخترق جسدي؛ كان القصف الجويّ عنيفا موجّها يستهدف قطع الامدادات؛ تعرّضت خيوط الكهرباء والاتّصال إلى التّدمير؛ صرت أعيش في ظلام دامس بحيث لا تستطيع أنثى دون سلاح تبحث عن سلاح تحقيق فائدة ترجى من حرب هي خاسرة فيها لا محالة؛ حقّا لا تستطيع أنثى دون حبّ وهي تبحث عن الحبّ الفوز بالحبّ؛ لا تستطيع تلك الأنثى وقد سقطت في حبّك من نظرة واحدة أو رصاصة واحدة صدّ أيّ هجوم تنفذّه بمفردها؛ هي في أقصى الحالات في وضع دفاعيّ يسمح لها بتحقيق الحدّ الأدنى من المكاسب وهو الخروج بأخفّ الأضرار من فوق ذلك الفراش الصّحراويّ يحتفظ بنشوتي المحاصرة من كلّ الجهات وقد ماتت كلّ الجهات؛ بعد أنباء مؤكدة تشير إلى هزيمتي وقد سقطت أسيرة من نظرة واحدة دخلت معك في مفاوضات دون شروط؛ رفضت الاعتراف بحقوقي؛ منها إقامة دولة ذات حدود وسيادة؛ دولة لها نفوذ قويّ منزوعة السّلاح لا يسكن فيها إلا العشّاق؛ لقد رفضت أيضا أهمّ حقّ وهو تحرير العشّاق من عبوديّتهم؛  وقّعت مرغمة  على تلك الاتفاقيّة المجحفة في حقّ كلّ عاشق اختار أن يسكن في أرضي طواعيّة؛ رفضت قاعدة الاستيطان؛ لا حقّ لك في احتلال أرضي ونهب خيراتي؛ لا حقّ لك أن تحرمني من تلك النّظرة الواقعة على حدودي ومنتهى خدودي؛ لم تعترف بخيولي؛ سلبت حقوقي وقتلت جنودي؛ أنت تستغلّ نقاط ضعفي على الأرض وقد وقعت في حبّك إلى الأبد؛ مازالت عند منتهى النّهرين لا تملك في حربها أو حبّها إلاّ أن تدافع عن بصمات حبّك في  كبد السّماء؛ تضخّمت نظراتك داخل ما بقي من نظراتك تجلس على تلك المقاعد الأماميّة من الذّكرى وسط الذّكرى  وقد سقطت سيوفك تغتال عيوني مع أوّل رذاذ المطر في الصّباح الباكر؛ هو مطر غزير يسقي الزّرع والضّرع؛ أنت غامرت على وجه الخطأ بالرّجوع إلى أقصى أرضي تستقبل في الحدود الوهميّة حزني وسط حزني وفرحي وسط فرحي؛ قد يكون تشابك نظراتك وهي تفترس جسدي قد تركت جرحا وسط جرح ما على أديم الأرض؛ تغريك زخّات المطر على آخر الرّصيف؛ تناديك: تعال إذا شئت شجري؛ تذوّق ثمارا ناضجة فوق جسدي؛ في هذا الوقت المبكّر خطر لي أنّ أقلامك الحمراء والسّوداء ربّما تركت رسما ما على تلك النّقطة بعد آخر نقطة في الأرض وقد خلعت ملابسها فوق تلك الجبال العالية؛ لحظة بلحظة وهمسة بهمسة سمعت أغنية تقول” قول يا زمان ارجع يا زمان” بدأ عتابي لك؛ فقدتك حبيبي بين نظرتين فجريّتين صافيتين كما فقدت أيضا في تلك الهضاب وقد اعشوشبت أبقارا كانت ترعى بطمأنينة؛ لم يعد هناك عشب أو مرعى وقد أصابني القحط والجفاف والكلأ؛ أغرتني نظرات تتمايل مع تلك الأغصان متثاقلة من كثرة الثّمار تدلّت أرضا تريد التّخلّص من تلك الأشجار العالية الواقعة بين التّلّتين الجنوبيّتين؛ شاهدتها أمام مجرى العين بين الخدّين تعزف مع العصافير عدّة ألحان وسط ألحان؛ ارتفعت “ذات الخدين” بنظراتها؛ تسلّقت كلّ الجبال؛ استهدف القصف مناطق حمراء محضورة في جسدي صعب اختراقها؛ منع على العشّاق الجولان بحريّة؛ وفي أقصى الحالات أنت مطالب بالحصول على إذن خاص من السّلطة الرّسميّة؛ تعلّقت نظراتك في السّماء بنظراتي في الأرض كمثل تلك الثّمار النّاضجة اصفرت واحمرت تتعلّق في أغصانها؛ تشابكت الأصابع كما تتشابك الأغصان مع الرّياح وقد كشفت شجرة التّفاح بعد هجوم النّمل عليها عن نهدين عذريّين من سلالة إفريقيّة؛ بصعوبة قاومت نداء النّفس الأمارة بالسّوء تدعوني إلى تسلّق الشّجرة المباركة حتّى أقطف ثمارها المحرّمة في كتابنا المقدّس؛ لم تغويني بنهديها يسقطان كما تسقط الثّمار وقد حان قطافها؛ رغم ذلك تعلّق قلبي بها وهي تميل ذات اليمين وذات الشّمال؛ لم أستسلم إلى النّداء خلف النّداء وقد جاءتني عدّة أصوات من اتّجاهات مختلفة تأمرني بضرورة تسلّق الشّجرة لأنّها لم تعد تقوى على فراقك وسط فراقك؛ طلبت منك نظرة أعطيتها نظرتين؛ طلبت منك قبلة حجبت عنها قبلتين؛ استغفرت ربّي؛ لعنت الشّيطان وهو يقفز إلى ذهني يحاصرني من مكان إلى مكان؛ يغريني بعصيان أمر ربّي وقد خلقني من تراب، واصلت الشّجرة الملعونة الرّقص والغناء؛ تناديك تعال إذا شئت ثماري أو أطياري؛ استسلمت إلى دبيب النّمل يدغدغها من مفاصلها وقد احتلّ أماكن حسّاسة جدا من جسدها؛ لم ترفض أيضا هجوم الطّيور عليها ينهب بعنف ثمارها؛ لم تكتف الطيّور بأرضي؛ اخترقت الحقول المجاورة لأرضي؛ هي لا تعترف بالحدود الوهميّة بين عاشقين نزل عليها الوحي كالأنبياء من نظرة واحدة؛ احتلّت” شحرة الطّيور” كلّ الأراضي المحصّنة… الفارغة من النّشوة وقد وعدني طائر غريب الألوان بتحقيق النّشوة وسط النّشوة في وقت قياسيّ؛ لم أقاوم هجوم الطّيور التي استباحت شرفتي وفتحت أبواب حجرتي؛ عاثت في الأنهار و الأشجار فسادا؛ سرقت كلّ نظرة أو كلّ ثمرة تعلقت بغصنها؛ طاردت كلّ نشوة سقطت من فراشي؛ قتلت كلّ نملة اعتدت على شرفي؛ ادّعت الطّيور أنّها صاحبة الأرض؛ ادّعت أنّها صاحبة الثّمار؛ هي صاحبة الحقّ قبل غيرها في النّشوة لأنّها اكتشفت قبل غيرها مكان النّشوة في جسدي؛ قاومت هجوم الدّيدان تكتسح سنابل القمح تميل وقد أخذها الرّيح إلى فراشي؛ هي تتلذّذ بتفاصيل فراشي يتعرّى بمفعول أقوى دواوير من الريّاح الرّمليّة العاتية هبّت من الشّمال وقد استأصلت من فراش نومي دون شفقة كلّ الأحلام وقد نبتت دون إذن منّي فوق تلك المرتفعات من التّلال وسط التّلال كما تنبت تلك الأعشاب الشّوكيّة العالقة بين الأنهار في المنحدرات؛ رفضت الطيّور مغادرة الأشجار؛ تفطّنت إلى كلّ الحيل التي استعملها صاحب الأرض حتّى يمنع تسلّلها ويقاوم هجومها؛ لكنّه بعد عدّة مفاوضات رفض أن يعترف بحق تلك الثّمار وقد سقطت أرضا في عاشق واحد يحتويها أو يضمّها إلى صدره برفق و دفء طفوليّ لأنّها لم تعد تتحمّل ضربات الريّاح وقصف الرعود.

    قبل أن تغادر الطيور جسدي وقد قطفت كلّ ثماري وعرّت كلّ أشجاري وعدتني بأنّها ستعود في الرّبيع القادم؛ أجهشت بكاء وقد نبت الخريف على جسدي؛ انتزع كلّ أزهاري؛ استأصل كلّ أعشابي؛ سرق كلّ نشوتي؛ أنا سقطت بين يديك كما تسقط حبّات الرّمان؛ هي من فتحت شبابيك غرفتها ترقص مع عصفور الصّباح بين أغنيتين متقطّعين أو أنشودتين ناعستين تجمعان من جسدي أشلاء النّشوة دون شعور قويّ بشدّة النّشوة تحت تأثير النّشوة تصعد مع صعود الفجر يغتال بقايا النّوم وسط النّوم في فراشي؛ هي تصرّ أن تستقبلك استقبال الملوك في موكب الملوك.

    قبل العاصفة أوّل العاصفة تخلّت الأبقار في المرعى دون موعد سابق عن المرعى؛ هناك فوق هضبة العصافير و تحديدا على مسافة فاصلة بين نظرتين أو قبلتين؛ في قمّة بين الجبلين رأيتك غربا تصلّي مع الأزهار وسط الأزهار وقد تركت” صلاة الأزهار” في شرفتي شميما حلوا؛ كم رفضت صلاتك بعد صلاتك المزعومة؛ كم قطفت تلك الأزهار العالقة بين الشّرفتين لأنّها دفعتك إلى الوقوع في الشّرك؛ لقد دعوتها برفق أن تنام في حجرتي وسط حجرتي تحتوي نعاسي وسط نعاسي؛ لقد تبلّلت الشّبابيك بالمطر تطلب نزول المطر؛ يزداد الشّوق لك بعد غياب المطر؛ لم أعد أفكّر متى تسلّلت إلى فراشي؟؛ أنت فتحت خزانتي؛ أنت نشرت أدباشي؛ أنت ملأت فراشي نشوة؛ بعد خروج الذكرى من تلك الرّفوف وسط الرّفوف بدأت صلاتي؛ بعد غيابك وسط غيابك عنّي انطفأت شموعي؛ ترمّلت ورودي؛ جفّ الدّمع من خدودي؛ كسّرت كؤوسي؛ عادت طيوري؛ كنت على اعتقاد راسخ أنّك رّبما تركت في تلك الممرّات السّاكنة أو الجدران النّائمة بصمات ما تأخذني إلى حبّ ما واقع بين قريتين نائيتين على الخدّين؛ أرى بصمات عينيك في كلّ مكان؛ تأخذني تفاصيل يديك إلى كلّ زمان وسط زمان حيث لم يعد هناك زمان يدلّ على زمان محدّد؛ أنت غرست على الخدّين بين المفترقين نخلتين باسقتين وارفتين؛ يا اللّه جاءني الحبّ أوّل الحبّ كالمخاض أوّل المخاض وأنا فتاة عذراء أشتهي التّمر يسّاقط كالدّمع مدرارا تحت جذع تلك النّخلة الواقعة بين النّهرين؛ قلت يا ويلي ما كنت فاجرة أو عاهرة أرفض نداء ربي؛ من علّم ذلك الصبيّ في المهد أن يتكلّم في المهد؟ قال النبيّ: نعم العاشقة أنت….أنت من سلالة مريم العذراء وقد جاءها المخاض تحت جذع النّخلة؛ كانت مؤمنة طاهرة على حبّ لا يعرفه إلاّ من كان نبيّا من سلالة نبيّ؛ أنت معجزة المسيح بن مريم؛ ما ارتكبت إثما عصيّا؛ ربّاه لم يلمسني بشر؛ قد سترت عورتي وحافظت على نشوتي؛ كيف وقع المكروه؟ يا حسرتاه هذا فعل من المنكر؟ أنت أنكرت حبّي؛ لم تعترف أنّي أملك في الحبّ معجزة من ربي؛ عدت إلى جذع النّخلة أتوسّل ربّي أن يغفر لي سوءتي؛ وقعت في حبّ حلال محلّل؛ ربّي ما حرّمت على بشر ضعيف مثلي أن يقع في حبّ من نظرة واحدة؛ بعد النّظرة وسط النّظرة أو القبلة وسط القبلة سقط من تلك النّخلة تمر لذيذ؛ سقط من تلك العين دمع غزير؛ أنت تركت تحت النّخلة أو النّخلتين؛ تحت الخدّ أو الخدّين  تمرة…أو تمرتين…نظرة أو نظرتين؛ دمعة أو دمعتين؛ وقد أخذتني إلى حبّ ضائع وسط تمر ضائع؛ أنت في الحبّ كالتّمر الضّائع في غابات النّخل الضّائعة؛ لم تترك إلاّ النّوى وقد أخذت الحبّ كلّه أو التّمر كلّه؛ يكفي أنّي وجدت بعد تلك النّظرة أجود التّمر لا يسقط إلاّ بعد مكابدة ومعاناة تاركا في لساني طلاوة وفي عيني حلاوة؛ أنت من تركني أرسم على الرّصيف الخلفيّ للذكرى وراء الذكرى بعد اختفاء الذكرى نظرة …نظرتين. لوحة…لوحتين؛ أشعر أنّ نظراتك تخترق كلّ الأبواب؛ أنت من كسّر زجاج نافذتي؛ أنت من فتح في غرفتي أكثر من ثقب تتسلّل منه رائحة العشّاق وهم يخرجون فجرا إلى الصلاة وراء الصّلاة؛ أنت من أخذني إلى كوكب آخر لا يعيش فيه إلاّ العشّاق؛ هناك تحت النّخل الضّائع تفتّحت أحلامي وسط أحلامي في العيش معك كما تعيش شقائق النّعمان؛ أشعر أنّي أبحث  في أشجار حديقتك عن حبّ أضعته في  أغصان حديقتك؛ لقد خسرت سباق الطّيور تحلّق وراء نظراتك؛ قد ألتقي بمعطفك وسط معطفك أو ببصماتك وسط بصماتك؛ أنت قاتلي؛ نعم قتلتني من نظرة واحدة؛ كم سدّدت إلى جسدي يتعرّى بين نخلتين من طعنات؟ كم انهزمت في سباق الخيول تعدو وراء العيون؟ أنت من علّمني ركوب الخيول وتسلّق الجبال؛ أنت من أجبرني في الحبّ استجابة إلى نداء ذات العيون إلى القتال بالسّيوف؛ كم سقط في معركتي من جنود؟ كم انسحب من جنديّ رفض القتال؟ لا يوجد في الحبّ إلاّ منطق الاستسلام؛ كم أخذت في الحرب الأولى أو النّظرة الأولى من الأسرى والرّهائن؟ لماذا سلبت منّي كلّ الحقوق المعترف بها بين العشّاق؟؛ أنت تعرف أنّ من حقّ الأسير أن يعود إلى أرضه سالما بعد انتهاء المعارك على الميدان؛ لماذا رفضت بعد استسلام ذات العيون أو ذات السّيوف عودتي قبل عودتي إليك؟ أنا اخترت عن قصد أو دون قصد الاستسلام وسط تلك الممرّات الضيّقة تأخذني بين شفتيك وسط شفتيك؛ وقد وقعت في الحرب أسيرة بين يديك؛ تجاهلت إعطاء الأوامر إلى جنودي بإعلان بدء المقاومة المسلّحة ضدّ جيوشك الغاشمة تغزوا ترابي المقدّس و تنتهك حدود فراشي فاتحا ذراعيه لك؛ لقد ساعدتك في احتلال أرضي؛ أعطيتك كلّ الأسرار العسكريّة الخاصّة بترسانة أسلحتي؛ أنت لم تعترف بتلك الحدود الوهميّة الفاصلة  بين أرضي و أرضك أو بين الدّولتين الجارتين الواقعتين غرب الصّحراء في أطراف الصّحراء؛ شعارك في الحرب دولة واحدة؛ نظرة واحدة؛ أنت من رفع أعلام النّّصر فوق النّهدين؛ نعم ساعدتك في احتلال أجزاء كبيرة من جسدي؛ أنا الآن أعيش تحت مخلّفات ذلك الاحتلال وقد فقدت كلّ حقوقي؛ أرجوك أطلّق سراح هؤلاء الرهائن؛ هم لا ذنب لهم سوى أنّهم شاركوا في الدّفاع عن حدودي الشّرقيّة؛ أنت أجبرت جيوشك بعد معارك طاحنة بين النّهرين على احتلال دولتي الواقعة بين النّهرين؛ أنت أجبرتهم تحت وطأة التّعذيب على إدانة الاعتراف بحقّي في احتلال أرضك الواقعة بين الخدّين السّاحليّين وقد التحم الجيشان في معركة واحدة أخذتني إلى حبّ واحد من نظرة واحدة؛ لم يصمد في تلك المعركة إلاّ جنديّ واحد؛ رفص نزع سلاحه إلاّ بالقوّة؛ بعد احتدام المعارك عاث هؤلاء الجنود فسادا في أرضي؛ اغتصبوا أبواب قصري؛ أطردوا أبقاري وقد كانت ترعى آمنة ومطمئنّة؛ أنت نشرت الرّعب في تلك العصافير وقد هربت إلى نهر العصافير؛ أنت آخر جنديّ رفع السلاّح في وجهي؛ أنت آخر جنديّ رفض تطبيق أوامري؛ أنت آخر جنديّ شارك في الحرب بحثا عنّي؛ أنت من علّمني صعود الجبال؛ أنت من علمّني صعود الشّرفات؛ أنت من اختفى وراء شجرة الطيّور؛ كم خسرت من مدن تقع على حدود أرضك؟ كم خسرت من أنهار مياهها عذبة واقعة بين العينين غربا؟ كم فشلت في صعود قمّة الجبال فوق أقصى الجبال؟ كنت دائما أسقط مستسلمة في ذلك الممرّ الضيّق يحتوي على نظرتين عموديّتين؛ نعم سقطت بعد نظرة أو نظرتين كما يسقط رذاذ المطر في البحر؛ نعم سقطت كما يسقط السّيف في الصّحراء؛ ألم تترك في قلبي عدّة بصمات تدينك؟ ألم تترك في شفتي وسط شفتي عدّة جروح عميقة تثبت صحّة اعترافاتي؟

    أثناء نزهتي على الكورنيش السّاحليّ عثرت على خاتم ضائع يدلّ على حبّ وسط حبّ ضائع…فكّرت أنّ ذلك الخاتم ربّما تعمّد أن يتركه أحد العشّاق أرضا على الرّصيف وسط الرّصيف؛ هو حبّ وسط حبّ ينتظر من يحتضنه أو من يضمّه كأنّه يضمّ إليه إشارات ضائعة تأخذه إلى حبيبة ضائعة دون عشّ تنتظر عشّا واقعا بين عينين دافئتين؛ هو في أقصى الحالات عشّ يحمل حبّا وسط حبّ يناهز في ثمرته وهو عالق في شجرته ما أضعته وأنا أتنزّه بين عينيك من تفاح و رمّان؛ كم أضعت على الأرض من حبات حمراء وصفراء في لون الذّهب…نادرا ما تضيّع الأنثى قلادة من لجين صفراء ونادرا أيضا ما تضيّع أوّل رجل أحبّته أو أعطاها حبّا دون أن تشعر بأنّها تورّطت فعلا في حبّه إلى الأبد؛ لم تشغلني تلك الأنثى وقد أضاعت في طريق عودتها من الذكرى أساورها الذهبيّة بقدر ما شغلني ذلك الرّجل المجازيّ الذي افترش البحر والتحف السّماء حبّا اصفار كالذهب والفضّة؛ هو من رمقني بنظرة واختفى كما تختفي النّجوم؛ نعم اختفى كما تختفي العيون عندما تكون متنقّبة ترفض الاستسلام إلى قارئها بسهولة؛ شدّني مؤلّف الكتاب؛ أردت أن أسرق هدوءه وسط البحيرات؛ نعم أردت أن أسرق دخان سجائره يغتال كلّ بياض ترك في تلك الصفحات؛ أردت أن أختزل صمت تلك الصفحات الطويلة؛ فكرت أن أصل إلى قلم الكتابة؛ أردت أن أصل إلى تلك الجزيرة الواقعة بين حرفين عالقين بين ساكنين؛ أردت أن أسبق الأحداث قبل وقوع الأحداث؛ أردت ان أكون الشّخصيّة الرئيسيّة قبل أن تبدأ في مغامرة الكتابة وأنت تراود عيني كأنّك تراود حرفي؛ هو يملك غرورا أحتاج إليه بوصفي أنثى ترفض الاستسلام؛ لا تردّ السلام وترفض الكلام؛ كم جرحني حين تعمّد عن قصد أن يخفي عنوان الكتاب وقد وضعه وراء معطفه الرماديّ؛ ها هو يتسلّى بالنّظر إلى تلك الشّرفات العالية تفتح ذراعيها على فناء تلك الغابة الذّهبيّة تمتدّ وراء بيوت صفراء تناثرت في الضّواحي؛ تستقبل بحماس-رغم ما أصابها من نعاس- طيور الصباح وقد أخذها حنين خفيف إلى قطرات النبيذ تفيض في تلك الحانات وقد أغلقت أبوابها أمام هؤلاء السّاهرين يفهمون خواتيم القصص من بداياتها وغالبا ما يرفضون الاعتراف بنهاياتها لأنّها غير متوقّعة؛ نعم مازلت أبحث عن تفاصيل الحبّ في ذلك الكتاب الشّهير؛ لم أعرف اسم مؤلفّه وقد شدّني إصرار الكاتب على إخفاء الخاتم وقد وجدته من أوّل نظرة؛ أتذكّر أوّل صفحة؛ أي أوّل نظرة بدأت تسقط من عينيك كأنّها كانت نظرة جنيّة عالقة بين الصّخور وسط الصّخور؛ مازال الكاتب يبحث عن تفاصيل الإهداء؛ إلى التي…كما قال أحد الكتّاب: “كان يمكن أن تكون حبيبتي” ترى من ستكون الفائزة الأولى بذلك الإهداء؟ ماذا كنت تقصد حين قلت:” إلى التي كانت تعشق ولا تحبّ…” يحمل الإهداء عدّة نظرات وسط نظرات تسلّلت إلى جسدي تبحث عن أوّل نشوة وسط آخر نشوة لا يفهمها إلاّ العشّاق وسط عنف أنا في أشدّ الحاجة إليه؛ هل فكّرت أنّي أحتاج وأنا أبحث عن خاتم ضائع أو حبّ ضائع إلى العنف بعد غياب وسط غيابك عنّي؛ أنا قرأت الكتاب قبل أن أفتحه؟ هل عرفت أنّي كنت أهمّ شخصيّة تحدثت عنها في ذلك الكتاب؟ هل أدركت أنّ السّرد لن يتقدّم وسط الحكاية إلاّ بتقدّم النّظرات تتشابك بيننا كما تتشابك الأصابع تسرق تلك النّشوة تعبر ذلك الفراش؛ تدكّ الغطاء؛ ترفع ذلك النّقاب الذي وضعته على صفحات الكتاب يرفض الاستسلام إلى قارئه؛ كم تعطّل سرد الأحداث بيننا؛ كم من شخصيّات لا تملك أيّ انتماء عرقلت ذلك اللّقاء؟ كم من أنثى أرادت أن تفوز بذلك الإهداء؛ لم استطع حين نظرت إليك تحديد الزّمان وسط المكان؛ لم أفكّر وأنا أكتب تلك القصّة أنّي نسيت تحديد الزّمان؛ لم أفكّر أنّ المكان كان ضروريّا جدا حتّى نلتقي وسط القصّة في أوّل صفحة من أول نظرة قبل أن تبدأ القصّة؛ وقد أعجبتني صورة الغلاف الخارجيّ وقد رسمها فنّان عربيّ مجهول لأنّها تحمل لونا واحدا يدلّّ على حبّ واحد لا يملكه إلاّ قارئ واحد؛ ليس كلّ من عثر على ذلك الخاتم هو عاشق؛ ليس كلّ من اشترى ذلك الكتاب هو قارئ؛ هناك حسب تصوّري قارئ واحد؛ يستدعي في قصّته كاتبا واحدا؛ نعم هناك عاشق واحد سيظهر اسمه في صفحة ما من صفحات الذكرى أو في كلمة واحدة من كلمات ذلك الكتاب وقد رفضت أن أشتريه بالمال لأنّ الحبّ الذي يحمله في صفحاته يشبه حبّي لك؛ هو حبّ لا يقدّر بثمن؛ وقد كرهت بائعة الكتب حدّدت ثمن ذلك الكتاب بمبلغ زهيد لا يساوي حبّي لك؛ أزعجني أنّ كلّ كتاب في آخر صفحة يحمل علامة مزعجة تدلّ على ثمن الحبّ في ذلك الكتاب؛ شعرت بإهانة لأنّ كلّ الكتب تحمل تلك العلامة؛ أخيرا لماذا وافق الكاتب على بيع الخاتم؟ لماذا لم يبحث عن صاحبة الخاتم؟ من حدّد له ثمن البيع والشراء؟ لماذا باع شخصيّاته بسهولة؟ كم استغرق قلمه من وقت خارج الوقت وهو يكتب قصّة حبّ خارج الوقت المخصّص إلى تلك الذكرى لا يمكن أن تتحقّق إلاّ بأعجوبة؟ بصعوبة اختار الكاتب الشّخصيّات الرّئيسيّة؛ وحين بدأ يكتب رفض البطل الرّئيسي موضوع قصّته؛ رفض أن يعيش قصّة حبّ فاشلة؛ كما رفضت سائر الشّخوص الاعتراف بمغامرتي أو قصّي أو خاتمي؛ الجميع لا يريدون قراءة القصص؛ الجميع يريدون الأغاني الصّاخبة في الغرف الليليّة الصّاخبة بالمجون والطرب؛ الجميع اعتزلوا قرار الحبّ من ابتسامة واحدة؛ الجميع فكّروا  أن يعيشوا خارج المكان والزّمان؛ كل الأحداث متمرّدة على الواقع تبحث عن حبّ من نظرة واحدة؛ لم يبق أمام الكاتب وقد تمرّد على موضوع الكتابة إلاّ أن يتحدّث مع شخصيّات ثانويّة استجابت تحت القهر والقمع إلى موضوع السّرد أحاديّ الجانب؛ حتّى الرّاوي لا يعرف الحقيقة في غياب الحقيقة؛ متى بدأت تكتب؟ متى وجد الخاتم حتّى يندفع خاطبا الحرف السّاكن عالقا بين همزتين اثنتين؟ متى بدأت الكتابة خاطبا راغبا في همزة واقعة بين حرفين ساكنين؟ يستعمل ذلك الكاتب في السّرد الخطاب الميتاسرديّ وقد اختار أن يضع ذلك الخاتم في إصبعي؛ هو يمعن في استعمال خطاب الشّخصيّة دون التّفكير في مصير تلك الشّخصيّة لا تحمل أيّ انتماء أو مذهب أو عقيدة؛ هي في الأقرب من تلك الشّخصيات الهامشيّة تعيش في واقع مهمّش… لا فرصة لها حتّى تحقّق مطالبها المتنوّعة إلاّ باختيار السّرد القائم على تعدّد الأصوات في ذلك الكتاب الذي يدافع في جزء كبير منه عن الحريّات المفقودة؛ خرجت كلّ الشّخصيّات الهامشيّة عن لحظة التّبئير من الخارج؛ رفضت بوصفي قارئة تتصفّح الأوراق الانخراط في تلك الواقعيّة التّخييليّة أو التّسجيليّة؛ رفع القارئ في مظاهرة صاخبة شعارات تندّد بتدهور الأوضاع؛ نعم لقد خرج القارئ في احتجاجاته وشعاراته عن سيطرة الكاتب؛ رفضت تبنّي شعار السّرد أو الحبّ من نظرة واحدة بين الكاتب والقارئ؛ لم يتمكّن الكاتب من إخماد أصوات الشّخصيّات الثّائرة على الوضع الرّاهن؛ أصبحت الشّخصيّة الثّانويّة في غياب الشّخصيّة الرئيسيّة في غنّى عن ذلك الكاتب يدّعي الحياد؛ صارت تتحدّث عن نفسها بنفسها؛ رفضت أسلوب الكاتب الذي اختار أسلوب الحوار الباطنيّ؛ لا يوجد حوار مباشر؛ استعملت الشّخصيات في مظاهرتها الأخيرة أسلوب الحوار الحرّ المباشر؛ أخيرا اضطرّ الكاتب حتّى يواجه ذلك القارئ المندغم مع ذلك الكاتب أن يستعمل مفهوم التّبئير من الدّاخل؛ نعم هو مضطرّ أن يفعل ذلك حتّى يتحكّم في الأوضاع قبل أن تخرج الأوضاع نهائيّا عن سيطرته؛ اضطرّ الكاتب بعد تعنّت السّرد القصصيّ أن يكتب قصّة دون شخصيّات؛ تجرّدت من الأحداث ورفضت الاستسلام في مكان وزمان محدّدين.

     فكرت لماذا قمع الكاتب حريّتي في اختيار الضّمير الذي ينسجم مع اختياراتي في سرد الأحداث وقد فضّلت ضمير الأنا المتكلّم المفرد على ضمير الغائب الهو في وصف مشاعري؟ لماذا رفض الكاتب إعطاء حريّة يبحث عنها الأشخاص في التّعبير عن طموحاتهم المشروعة؟ لماذا رفص الرّاوي المحايد في ظاهر اللّعبة السّرديّة أسلوب الحوار في معالجة الأزمة المتفاقمة؟ هل يساعد السّرد الذي يتخلّله الوصف في الكشف عن حبّي الضائع؟ أنا أرفض تلك” الحبكة السّرديّة” واصلت قراءة الكتاب وقد اخترت له عنوان” نملة ضائعة” هي نملة ضائعة فوق الرّصيف تبحث مثلي عن حبّ ضائع وجدته صدفة في تلك الممرّات الضيّقة…. مثل الخبز الضّائع؛ لقد وقعت في قصّة غرام مدمّرة بطلها شخص لا يدلّ على شخص قرأت عنه في كتاب لا يحمل اسم كاتبه؛ يقول البطل أنا أبحث عن جسد ضائع في صفحات وسط كتاب ضائع وقد عرض الكتاب للبيع وسط مجموعة من الكتب القديمة…

      واصلت القراءة؛ يقول الرّاوي: قد ألتقي بعطر ازهارك أثناء بحثي عن شيء آخر؛ قد أجد في الأرض ما أضعته في السّماء؛ كم أضعت وأنا أرفع بصري إلى السّماء من نظرات حلّقت كما تحلّق أسراب الحمام؟ كم أضعت وأنا أسير في الأرض من قبلات وسط قبلات؟ كم وجدت من نقود ضائعة تدلّ على حبّ ضائع في التّراب؟ كم وجدت من أقلام سوداء لا تكتب وقد جفّ حبرها؟ كم وجدت من أقدام مبتورة لا تدلّ على أقدامك السّمراء؟ كم وجدت من أرقام ليست في وضع استخدام؟ هل حقّا مات أصحابها؟ كلّ النّقود الضّائعة لم تأخذني إلى ذلك الحبّ الضّائع؛ وقد صارت مع الوقت نقودا مزيّفة تدلّ على حبّ مزيّف؟ كم وجدت من عنوان لا يدل على عنوانك؟ كم وجدت من ورقة دون عنوان؟ كم وجدت من أشخاص دون أحلام؟ كم وجدت من أزهار بريّة دون أسماء؟ لا يمكن أن أجد حبّا أنا أضعت صاحبه؟ لا يمكن أن أتفاوض على حبّ أنت صانعه؛ أنت صنعت العشق وأنا صنعت الحبّ؛ ألا يمكن أن أجد رقما ضائعا انت سرقته من محفظتي؟ كلّ العشّاق يتركون أرقامهم على الرّصيف؛ كلّ العشّاق لا يتركون أحلامهم؛ كنت دائما أرجع النّقود إلى أصحابها؛ ألا يمكن أن ترجع لي حبّا أضعته في الطّريق؟ ألا يمكن أن تأخذني إلى حبّ انت كاتبه؟ كم مرّة أضعت نقودك؟ كم مرّة اضعت وجهك؟؛ المهمّ خرجت أبحث عن شيء ثمين؛ شيء يقترب من الحبّ ولا يبتعد عنه.

   قال الرّاوي: غير بعيد انتبهت إلى نملة ضائعة تشقّ بصعوبة طريقها؛ هي أمام هدف واضح تريد تحقيقه؛ هي تجمع القوت؛ هي تجمع الحبّ؛ خطر لي أنّ النّملة تعرف مكان وجودك؛ تعرف رقمك وعنوانك؛ تابعت معها السّير وقد خرجت من غيرانها نحو هدف بدا لي محدّدا لكنّه لم يكن هدفا في غياب هدف واضح المعالم؛ إذا سألتني النّملة لماذا تلتصقين بالأرض تتبعين خطواتي؟ حقّا لماذا تقلّدين حركاتي؟ كنت بالتّأكيد سأجيبها: خرجت أبحث عن حبّ ضائع؛ ألم تخرجي أيضا بدافع الحبّ بحثا عن خبز ضائع أو حبّ ضائع؛ دعينا نبحث معا عن ذلك الخوف الغامض يأخذنا إلى نفس القصّة أو نفس الكاتب؛ بدافع الخوف وسط الخوف على مصير صغارك من الوقوع في الجوع شتاء خرجت وقد حددت هدفك بوضوح؛ أما أنا فقد خرجت بدافع نفس الخوف يقودك إلى نفس الحبّ أو من تحبّ؛ حقّا تلك النّملة هي أملي الوحيد؛ أغوتني طريقتها في الحبّ؛ طريقتها في البحث؛ هي تشبه في رحلتها بين الشّتاء والصّيف بحثا عن القوت؛ رحلتي بين نظرتين وراء ثمرتين هزّهما غصن يجمع بين عاشقين منفردين وقد قطفا من عنقود العنب حبّتين سقطتا سقوط نظرتين عاشقتين أبديّتين؛ تذوّقت من العنقود حبتين؛ أخذت من عينيك نظرتين عنقوديّتين سقطتا سقوط ثمرتين شهيّتين على النّهدين؛ تركتتني أجني أكثر من نظرتين؛ جعلتني تحت تلك الشّحرة أشتهي سقوط أكثر من ثمرتين؛ جعلتني أطلب أكثر من حبّ لا يدلّ على حبّ؛ فكّرت أنّ تلك النّملة لم تخرج من غيرانها عبثا؛ بل خرجت تبحث معي عن بصمات رجل صحراوي؛ رجل اختفى في اعماق الأرض؛ رجل مرّت قافلته من هنا ذات يوم؛ خرجت مع تلك النّملة الضائعة بين هضبتين أبحث عن بقايا حب صحراويّ؛ لا دليل لي في تلك الصّحراء إلاّ تلك النّملة؛ لم ترفض مساعدتي؛ لم يسأل احدنا الآخر لماذا خرجت مبكّرا؟ كنت أعرف أنّ الخروج في طلب الرّزق باكرا يعطيك الرّزق باكرا؛ كنت أعرف أنّ الخروج في طلب الحبّ بعد صلاة الحبّ باكرا قد يعطيني الحبّ باكرا؛ يخرج الحبّ باكرا مع خروج الملائكة توزّع الأرزاق باكرا؟ كلّ العشّاق يخرجون في طلب الحبّ باكرا؛ ألم تدخل النّشوة إلى جسدي باكرا؟ ألا تخرج الأرواح مع خروج الاجساد باكرا؟ لماذا تركت النّملة حبّها؟ لماذا تركت صغارها في أعماق الجبّ؟ ألم تخرج بحثا عن حبّات القوت؟ يشبه البحث عن القوت في الأرض البحث عن الحبّ في السّماء؛ حينئذ فكرت لماذا أنا عدت؟ لماذا أنت خرجت؟ لماذا غادرت الرّوح جسدي؟ لماذا هجرت الطّيور في السّماء شرفتي؟ لماذا تبحث عن القوت فراشي؟ تحتاج النّملة إلى الخبز وأنا أحتاج إلى الحبّ؛ تتشابه القصّتان في رحلتهما وراء زهرة القوت؛ كلانا على طهارة؛ خرجنا معا نبحث معا عن زهرة بريّة، اسمها زهرة القوت؛ او زهرة الحبّ؛ النّملة تحتاج إلى الخروج في الصّيف حتّى ترتاح في الشّتاء؛ وأنا أحتاج إلى الخروج بين أوّل الصّيف وآخر الشّتاء؛ قد نلتقي صيفا أو شتاء؛ قد نلتقي مع حبّ آخر؛  الأصل في قد مع فعل مضارع أن تفيد الشّكّ؛ وأنا لا أشكّ أنّي بدأت أشكّ أنّك خرجت ولم تعد؛ من حقّي أن أجمع ما بقي من قمح تناثر في الصّحراء، من حقّي أن أجني ما بقي في أشجارك من ثمار؛ من حقّي أن أحصد ما بقي في عينيك من نظرات؛ من حقّي أن أتمسّك بما بقي في فراشك من احلام؛ من حقي أن أجمع ما بقي من حبّ تناثر مع الأيّام؛ تناثر مع الأزهار؛ من حقّي أن أحميك من عواصف الصّحراء؛ يأتي الحبّ مع عواصف الصّحراء؛ تمشي قافلتي مع الصّحراء جنوبا وقد تصل إلى غرب الصّحراء؛ هناك مناطق وعرة تسكنها الأفاعي والعقارب؛ قد أجازف بدخولها؛ تحتاج الأنثى من يجازف من أجلها؛ كيف لا أجازف من أجلك شرقا وغربا؟ النّملة الضعيفة تغامر من أجل صغارها؛ ألا أغامر أنا أيضا من أجل حبّنا؟

    تحتاج النّملة من يساعدها على رفع الأثقال؛ لم أدّخر وسعا في مساعدتها؛ هي تتظاهر رغم ضعفها بالقوّة؛ أحتاج إلى قوّتك حتّى أتجاوز ضعفي أو فراغي على فراشك الرمليّ، هي تكره الهزيمة أمام صغارها؛ ألا أحتاج أنا أيضا إلى مساعدتك؛ ألا أحتاج إلى قوّتها حتّى أواجه ضعفي في تلك الصّحراء القاحلة؟ أكره الهزيمة أمامك؛ أبحث فيك عن انتصار ساحق؛ عفوا عن حبّ صحراويّ ساحق؛ كم هزمتني؟ في الحبّ أكثر من هزيمة؛ لا توجد إلاّ الهزيمة؛ مرّ أمامي ثعلب صحراويّ يطارد غزالا بريّا؛ رفض الغزال الاستسلام؛ أعطى كلّ سرعته؛ أعطى كلّ حبّه وسط حبّه؛ فرّ هاربا من الحبّ حتّى الموت؛ قاوم بصعوبة احتيال الثّعلب الصّحراويّ عليه؛ اختار الغزال حتّى ينجو بنفسه أن يقطع عدة مسالك بريّة ملتوية؛ استنزف الغزال عن قصد طاقة الثّعلب؛ جرّه الى العدو؛ خارت قواه؛ أحسّ الثّعلب الماكر بطعم الهزيمة؛ فكّرت أنّ الحبّ غزال شارد؛ فكّرت أنّ خطواتك تركت في الصّحراء أثرا كالجرح، أو أثرا كالرّسم في أعلى الشّرفات لا يدلّ على تلك الشّرفات،؛ فكّرت أنّ الثّعلب الصّحراويّ افترس كلّ ما أملك من ذكرى لا تدلّ على ذكرى، فكّرت أنّك في الحبّ أو في الحرب عدو يجب الانتصار عليه؛ فكّرت أنّ الثّعلب مازال يطارد الغزال ينطّ على النّهدين المنتصبين؛ لن تدعني وشأني؛ لابدّ أن تأخذ بثأرك منّي؛ تريد الأنثى من يثأر لحبّها؛ تريد حبيبها حيّا او ميّتا؛ أنت رجل صحراويّ يرفض الاستسلام أمامي؛ يرفض أن يعطي سلاحه وحصانه بسهولة أمام  انثى ضعيفة؛ مازالت تكتشف على طريقة الأطفال براءة الأطفال، أعجبتك ” ذات الرّمحين” مرّت على مفترقين صحراويّين؛ تبحث ذات العينين عن حبّ بدويّ لا يظهر إلاّ في الصّحراء القاحلة؛ يختفي وسط كثبان الرّمال، يختفي في تلك الفيافي، حيث لا عشب ولا مرعى، فكّرت أنّ الحبّ نبتة صحراويّة تصبر على شرب الماء؛  فكّرت لماذا تجرّدت اليابسة من ملابسها؟ لماذا كشفت الأرض عن نهديها؟ أرى أفعى تخترق هضاب وتضاريس رمليّة، أرى نهدين معلّقين في السّماء، أرى ذلك الرّاعي الصّحراويّ يحلب تلك النّاقة، أرى ذلك الذئب يترصّد الرّاعي، أرى ذلك الرّاعي دون حبّ يطلب الحبّ من السّماء، قاوم نداء الأفعى بحذر؛ صعدت أطراف الهضبة بهدوء أراقب كثبان الرّمل تغريني

باردة كالأمواج، لماذا كشفت الصّحراء عن عورتها؟ لم أرفض ما طلبه الرّاعي، لم أرفض نظراتك؛ لم أرفض دعوتك إلى الفراش؛ عفوا لم أرفض دعوتك إلى الحبّ قرب البئر العميقة في الصّحراء العميقة؛ شربت من تلك المياه الجوفيّة؛ الحبّ من سلالة الماء يتدفّق من تلك العيون الجوفيّة؛ لم أرفض دخول خيولك إلى أرضي؛ لم أرفض سباق الخيول بيننا؛ توسّع السّباق بين العاشقين يمتطيان نفس الحصان يبحث عن تحقيق أحلام داخل أحلام فوق أرضي؛ لم أرفض دخول ناقتك إلى المرعى؛ أعطيتها كلّ العشب والماء؛ أعطيتها كلّ الحبّ؛ صارت تحبّ ما أحبّ و ترفض ما أرفض؛ لكنّها امتنعت بشدّة… رفضت… أن تأخذني إلى أرضك فوق أرضك؛ هي تأخذ ولا تعطي؛ هي تحبّ وترفض أن ترى ما تحبّ؛ ترفض حزني؛ هي ناقة حسّاسة؛ فكّرت أنّ ناقتك عاشقة مجنونة؛ أنت هجرتها؛ أنت تخلّيت عن حبّها؛ هي تستبيح حدود أرضك؛ وهل يوجد بين العشّاق أرض لها حدود؟ هي تشرب من أنهارك؛ لم أعلن عليها الحرب لأنّها كسّرت بيض نعامتي؛ كنت متسامحة معها؛ دللتها؛ غازلتها؛ أعطيتها هودجي؛ أعطيتها مزماري؛ كانت تنظر إليّ بإعجاب؛ كانت تحبّني باستغراب؛ صارت تغنّي؛ امتطيت على ظهرها أبحث عن بصمات يديك في الصّحراء؛ تركت النّملة وحدها؛ تركتها في رحلة الشّتاء والصّيف؛ تركت لها ما تبحث عنه؛ لكنّها لم تترك لي أثرا يدلّ على حبّك لي؛ صارت قريبة منّي بعيدة عنك؛ صارت مثلي لا تفكّر مثلي؛ هي لا تفكّر إلاّ في حبّها إلى الأبد؛ هي تفكّر في حبّها لك إلى الأبد؛ ومن أهوال الرّحلة الغامضة في جنوب الصّحراء؛ عقارب صفراء اللّون؛ لها أقران كالكباش؛ شنّت العقارب عليّ أكثر من هجوم وحشيّ؛ لم تستسلم؛ لم أفكّر في قتلها؛ أعجبني إصرارها على الثّأر من قاتلها؛ لم تفكّر في الدّفاع عن حقّها في الحياة؛ المهمّ أنّ تكسب المعركة البريّة لأنّي دخلت أرضها دون إذن؛ هدّدت أمنها القوميّ؛ هي تريد أن تدافع عن أرضها؛ هي تريد أن تتمسّك بحبّها؛ هي تريد أن تبسط كلّ سيادتها عل الأرض؛ أمّا أنا فقد فقدت معك كلّ سيادتي؛ فقدت كلّ ارضي؛ فقدت كلّ نشوتي؛ لا أستطيع مهاجمتك؛ لا أستطيع أن أتخلّى عن حبّي لك؛ تعاملت مع تلك العقارب اللسّاعة بحذر شديد؛ تجنّبت أهوال غيرانها؛ تجنّبت الدّخول معها في معركة خاسرة؛ كلّ معارك الحقّ في انتزاع الأرض من أصحابها خاسرة؛ كلّ معارك الحبّ معك خاسرة؛ صرت لا أتحمّل مزيدا من الخسائر معك؛ هي لا تفكّر أنّها اذا لسعتني في هذه الصّحراء ستقتلني؛ وأنا خرجت حتّى لا أموت؛ حتّى لا أفقد حبّا أنا بحاجة إليه؛ ولكن فكّرت لماذا أرادت العقارب مهاجمتي؟ لماذا لم تفكّر أنّي أحتاج إليها حتّى تدلّني على غيرانك الصّحراويّة؛ أنت من درّبها على الهجوم؛ هي تحمل كلّ صفاتك؛ تمارس نفس أفعالك معي؛ كانت عنيدة؛ تحتاج الأنثى الى رجل عنيد لا يلقي سلاحه من أوّل نظرة؛ تحتاج الأنثى إلى رجل عنيد ينتزع منها السّيادة على الأرض بقوّة؛ أرفض استسلامك بسرعة على فراشي؛ أرفض نداء خيولك تعدو بسرعة؛ لا أحتاج إلى حبّ سريع؛ أحتاج إلى حبّ صحراويّ بقوّة الرّياح في السّماء: أحتاج إلى نشوة داخل نشوة بقوّة الأمواج في الصّحراء؛ لطمتني دواوير رمليّة؛ أخذت كلّ العقارب؛ أخذت كلّ ذكرياتي معك؛ غير بعيد شدّ انتباهي أنّ النّملة لم تستسلم أمام الرّياح؛ لم تعط قوت صغارها؛ شدّ انتباهي أنّ النّاقة أعطت كلّ شيء؛ هي تعطي ولا تعطي؛ كأنّها ناقة البسوس؛ لماذا منعوها من المرعى؟ لماذا منعوها من تحقيق حبّها؟ لماذا منعتني من دخول صحرائك؟ لماذا رفضت أن أدخل أرضك؟ صحيح أعجبني أن ناقتك تصبر على الماء؛ هي تصبر على فراق من تحبّ؛ لكنّي لم أعد أصبر على فراق أصابعك؛ تتحرّك على جسدي مثل دبيب النّمل؛ تحرّكت نحوها؛ صحيح أنّي لم أعد أصبر على غياب وسط غيابك؛ لم أعد أصبر على عطش وسط صحرائك؛ لم أعد أتحمّل  فراقا وسط فراقك؛ دخلت النّملة إلى جحرها آمنة مطمئنة؛ دخلت إلى خيمتك؛ دخلت إلى عمر اطول من عمرنا؛ دخلت إلى تحقيق نشوة في غياب نشوتك؛ اهتزّت أركان الخيمة؛ عصفت بها الرّياح من كل جانب؛ تركتني بعد غياب وسط الغياب أبحث عن حبّ وسط الحبّ دون أن أحقّق الحبّ؛ تركتني بعد غيبة؛ بعد غيمة دون قصّة أبحث عن قصّة خارج القصّة نفسها؛ تركتني في السّرد دون سرد أبحث في الوصف داخل الوصف عن مدينة مفتوحة دون أبواب؛ عن كاتب يحتلّ تلك المدينة تحت جناح الظلام؛ أبحث عن صحراء دون حدود؛ فيها نخل وعنب وخمر؛ افترست طيور الصّحراء في الفجر  جسدي؛ رفض الغراب فوق البئر استقبال قافلتي؛ تجاهل نشوتي؛ رفض صلاتي؛ لم يكترث إلى بكائي في تلك الصّحراء؛ انتهز لصوص الطريق الفرصة؛ نهبوا متاعي؛ أخذوا كلّ فضّتي؛ منعوا الماء عن جنودي؛ أطلقوا حصانك وقد عاث في أرضي فسادا؛ انتهك جسدي؛ أنهكني ركوب الحصان مساء؛ عدت أدراج الرّياح إلى ركوب هودج تركته فوق ناقتك تطوي الرّمال؛ تختزل المسافات البعيدة بحثا عنك.

   أشار الكاتب وقد تخلّص من كلّ الشّخصيات وتمرّد على المكان والزّمان ورفص إسناد عنوان إلى قصّة تتخلّلها قصّة وسط قصّة إلى أنّ من معاني الأداة ” إلاّ” أن تفيد الاستثناء؛ ألم تكن في رحلتك تدافع عن السّاخطين والمقهورين؛ ذلك المستثنى منه؟  ألم تكن نظراتك التي كانت تسقط من تلك الشّحرة وارفة الظلال والأغصان مثل الثّمار هي الاستثناء؟ ألم يكن القفز بين الأزمنة في السّرد هو ما عطّل نموّ الأحداث؟ ألم يكن خطاب الشّخصية تنسلخ عن الكاتب أقوى من الكاتب الفعليّ؟ ألم تكن “ذات الرّمحين” وقد وقعت بين نظرتين قاطعتين كالسّيفين هي أداة الاستثناء؟ بحثت عن المستثنى؛ لم أجد إلاّ تلك النّملة الصّحراويّة تقرأ بانتباه تفاصيل قصّتي؛ وحين طلبت من الكاتب الفعليّ أن يعرّف بنفسه انسحب من الأحداث تاركا القصّة دون أحداث؛ تابعت النّملة قراءة القصّة وقد أخذها نعاس خفيف عندما علمت أن الحرب بين العاشقين انتهت بمقتل العاشقين من نظرة واحدة؛ دخلت إلى خيمة العزاء؛ لم أجد إلاّ نفسي تعاتب نفسي؛ لم أجد إلاّ الطيّور فوق أشجاري؛ هذا حزني يعاتب حزني؛ هذا فرحي يأخذ فرحي؛ لم أجد إلاّ حبّي يملأ حبّي؛ لم أجد إلاّ فجري يملأ فجري؛ حرف الحاء من الحبّ وحرف الباء من البعد وحين تلتقي الحاء مع الباء في فراش واحد لا أفكّر أنّي أبتعد عنك؛ أضمّ كلّ حروفك؛ تقع الهمزة بين حرفين ساكنين؛ تسكن العاشقة بين حرفين طويلين؛ أضمّ مخارج الحروف وأبدأ في قراءة ما تخفي في شفتيك؛ أضمّ إلى جسدي حرفين ساكنين أو متحركين؛ ويأخذني خيالي إلى جنّة وراء الصّحراء؛ يهرب على حرفي السّكون؛ لا أجد همزة الوصل؛ أحلس بين حرفين؛ لم أجد فجرك؛ أضعت ناقتك من جديد؛ أضعت طريق عودتك .

     فكّرت أنّ النّملة مخطئة؛ لا يمكن أن تجد قوتها هنا؛ بين حرفين ساكنين؛ هي لا  تبحث عنك إلاّ بين حرفين متحرّكين؛ اخذتني إلى هذا الحرف السّاكن إلى الأبد على وجه الخطأ؛ كلّ العشّاق يخطؤون أثناء الكتابة؛ لا يمكن بوصفي قارئة أن أجدك  في تلك الأرض القاحلة؛ لا يمكن لتلك الأرض أن تحبل من مجرد نظرة عابرة؛ لا يمكن أن تلد لأنّها جسد عاقر فارغ من النّشوة؛ لم يعترف الكاتب الوجوديّ يخوض معركة الوجود بأنّ الانثى يمكن تحبل من نظرة واحدة؛ الحبّ لا يسكن  في الصّحراء؛ حتّى تلك البئر العميقة التي فكّرت أن اسقط فيها جفّت عينها من الماء؛ جفّت من الحبّ؛ هي لا تدلّ عابر السّبيل إلى “ذات العينين” خرجت إلى العين ترد ماء من العين وسط العين؛ أنت أصبت عيني؛ أنت اعتديت على جرّتي وقد أخذت الماء من جرّتي؛ أنت لا تشرب إلاّ من مياه العيون الجوفيّة؛ أنت لا تشرب المياه الرّاكدة في المستنقعات الرّاكدة؛ انت تعرف “ذات العينين” وأنا أعرف “ذات النّهرين” لا تحبل إلاّ بعد سقوط السّيفين؛ أنت في الحرب عدّوي؛ وأنا في الحبّ رهينة؛ أرجوك خلّصني؛ أرجوك حرّرني انا فقط؛ لا يمكن أن اجدك إلاّ هناك؛ أنت بالتّأكيد تجلس هنا و هناك.

مدينة بنقردان جنوب- تونس

مقالات ذات علاقة

تزهو بك الأعوام

المشرف العام

عبد الله رضوان.. الشغفُ الأبيضُ بالقصيدة

المشرف العام

كورونا يهدد صناعة نشر الكتاب !

مهند سليمان

اترك تعليق