عاشور الأطرش
لم ننتبه يومًا إلى سواد السّبّورة في الفصل فقد كانت أصابع الحجر الجيري الأبيض تًلاشي ذلك السّواد. كانت السّبّورة ساحة تدور عليها معركة بين الجهل والمعرفة، بين سوادٍ مطلٍّ وبياضٍ قافزٍ بجلوة الكلمة إلى غاية الفهم.
لم ننتبه إلى ذلك الواقف بين السّواد والعقول الغضّة التي تترقّب عالمًا واسعًا داخل مستطيل أخرس. كان الواقف ينشق الغبار دون مقاومة، بل دون أن يدري. كانت نشوة العطاء بلا ثمن في تلك الّلحظة رغم أنّه سيدفعه بعد تلك الّلحظة. لم يكن يخطر له ثمنًا فقد كان الفصل غاية لفارسٍ يحمل بين أصابعه النّور والأمل.
وسواء سطعت شمس تلك الأيّام أم خجلت؛ كانت السّبّورة على حالها تعكس رغم أنفها، فقد كانت حدقات النّاظرين مشحونة على مدار الحصص، لم تفتر نضائدها أو يخبو نورها على ذلك البساط الأملس المقابل.
بين غيمٍ يقطر في الطّريق منهمرًا تارة، ووئيدًا تارة، وبين صفير ريحٍ مدوّية أو ساكنة هادئة؛ كانت الرّحلة ذهابًا وجيئة بسرابيل ونعالٍ تقذف حالة الفقر على رصيفها، فهمهمات الصّغار زقزقة تشاكس كلّ شيء إلاّ طريقها إلى مبنًى مُلتقًى من كلّ صوب.
ذات صباح مرّر الصّبية أناملهم على ألحاظهم متفحّصين من ربكة الدّهشة وطغيان المفاجأة تلك الأصابع الملوّنة في غاية الغرابة المشعّة بالشّغف.. كان ذلك يوم امتحان.
مع الأيّام وكما هى الأيّام تًعوّدُ على مراءٍ كانت غريبة ليبدو بعد ذلك إلفها، عَبَرَ الزّمن إلى مساحة أخرى بذلك الصّبيّ، غير أنّ هذه المرّة هو مَنْ يقف بين السّبّورة وسنابل الآمال.
4/6/2020م
-1- انطباع عن مرحلة التّلمذة الابتدائيّة.