محمود محمد نعسان (سوريا)
صدر حديثاً ديوان شعر الأول (لأنك استثناء) للشاعرة السورية الكوردية سلمى جمو، عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع – مصر، الواقع في 98 صفحة.
تمزج جمو الفلسفة مع الشعر، وتحبك علم النفس مع الكلمات لتخرّج لنا قصائد غزلية صوفية فلسفية مع محاولتها لتقريب علم النفس من النفس البشرية بطريقة عميقة ومدروسة وألفاظ جزلة ورصينة وجمل متناسقة وكأننا أمام خبرة أدبية وأصالة إبداعية، لا أمام باكورة أعمال تظهر على ساحة الأدب، وبرأيي أن الطريق معبد أمام الشاعرة إلى الشهرة والعالمية.
ولكن مما أثار تساؤلي وخلق عندي الارتباك في في فهم فكر الشاعرة؛ مسألة الألفاظ الجنسية ومآلاتها فما أن تقع عينك على الغلاف حتى تبدء عندك التساؤلات عن ما ورائيات الغايات عند جمو في اختيارها للوحة سلفادور دالي الذي كان قارئاً نهماً لكتب فرويد على غرار الشاعرة، وهو الأمر الذي انعكس على لوحاته وإيحاءاته الرمزية، ليس هذا فحسب بل هناك الكثير من النقاط التشابهية بين الشخصيتين؛ كلاهما يحب علم النفس، كلاهما لديه إيحاءات جنسية، كلاهما يحوم حول الاضطراب النفسي والنرجسية – ليس تبنياً، بل تطرقاً -.
لكن أكثر ما يُثير الحيرة والتساؤل عند القارئ؛ سبب استخدام جمو للإيحاءات الجنسية في ديوانها؛ إذ تقول جمو في أول قصيدة لها:
“واخلع نعليّ الوساوس زاجرها
فأنت في حرم جسدٍ مباركٍ
تغلغل فيه”
هكذا تهمد الشاعرة لولوج عالم الجنسانية، تبدء بالجسد وتنتقل إلى:
“وادخل مُصلى بدنها
متهجداً
ساجداً
متبتلاً”
والعجيب أن هذا المقطع في القصيدة الثانية، مما يزيل الضبابية عن لا وعي ورود هذه الألفاظ وسقوطها سهواً.
كل هذا يدخل في نطاق المفهوم إذا ما قُورن بما ورد في قصيدة “كوليمةٍ فاجرةٍ أنتِ” التي مجرد عنوانها مُحي بالطوام الإيحائية:
“من ينهال عليك وليمةٍ فاجرةً
يتحلل من صفيح جلدك الجهنمي
ليتيه في شاطئ بِكر”
هل نحن أمام ديوانٍ من الأدب الإيروتيكي -المُحشّم-؟ أم أن الشاعرة تلوك الألفاظ لتطبعها بقالبها؟
دعونا ننتقل إلى قصيدة أخرى بعنوان “أعجوبتي اللابريئة” التي تعلن الشاعرة فيها حربها الجنسية:
“لم أتعرف العشق إلا بك
غزوتُ أبداناً
ولم أجد أجمل من أطوارك المحظورة
ضاجعتُ رؤىً وأحلاماً
لكنك أكثرها واقعاً…
وتجلياً”.
الشاعرة لم تعرف العشق إلا عندما غزت الجسد!! وإذا استرسلنا فسنرى استمناء الفكر وفض عذرية المجهول، وسنرى أن الكتابة تشبه مضاجعة عجوز!! ألم يكن في محصلة الشاعرة من تشابيه غير الجسد والجنس؟
أما قصيدة الختام فهي “مجزرةً جسدٍ أم روح؟!” تحوي فكرة إنسانية نقية لكنها فاضحة بشكل غير مبرر إذ كان يجب أن يكون التركيز الأكبر على الروح لا الجسد وتضاريسه:
“تتتبعُ خريطة بدنها
باحثةً عن فجوات
انزلاقاتٍ
فتوحاتٍ آنية”
كأننا أمام حركة نسوية (جنسية) لا أمام منتج فكري أدبي!!
هل أرادت الكاتبة توصيل الفكرة عن طريق الألفاظ الجنسية؟
هل ما ورد في الديوان لا يمثل بشاعة أخلاقية؟
أليست الكاتبة تطرح واقعاً اجتماعياً معاصراً؟
لكن؛ أليس بوسع الكاتبة الإتيان بما هو أهم وأنفع مما جاء في النصوص؟