طيوب عربية

يوسف وزليخة

من أعمال التشكيلي العراقي سعد علي

ومرة سألت نفسي لماذا اشتهت زليخة النبي يوسف؟ لماذا فكرت وهي تشتهي وسط ما تشتهي وهي تحب وسط ما تحب؛ ان تترك على الارض ما يورطها في الاثم في اعماق الارض؟ لماذا فكرت ان تترك ما يدل على شهوة داخل شهوة لها صهيل كالفرس؛ لها بريق ساطع وخافت؛ هو خافت كأنه ساطع كالنجم التائه في كبد السماء؟ لماذا كانت في اندفاعها وتراجعها كالخير لا يمكن ان يدخل الى قلب شيطان؟ لماذا أغلقت وراءها الابواب؟ لماذا فكرت وهي تشتهي النبي يوسف ان تتعرى امامه كالنهدين في الصحراء يصيبهما القوس دون سبب في اقصى الصحراء؛ او كالظبيين يصيبهما النبل تاركا على الصحراء قبلتين او طعنتين؛ كل شيء ظهر دون سبب؛ دون شعور بالإثم قتل الصياد الظبي؛ دون سبب رأيت النهدين في الصحراء؛ دون سبب اعلنت زليخة الحرب؛ اعترفت انها استسلمت امام يوسف مثل الظبي وقد أحس بالنبل؛ صارت تكشف عن نهديها في العراء تطلب المطر؛ صارت كالصحراء تنتظر نزول المطر؛ لماذا فكرت في شهوتها الى درجة الشعور بالإثم؟ لماذا سقطت في البئر؟ لماذا كشفت عن جسدها وهي تطلب نزول المطر؟ لماذا ضاعت وسط الصحراء؟ لماذا سقطت وراء النفس الإمارة بالسوء؟ اي نظرة وسط نظرة؛ بل اي قبلة وسط قبلة؟ اي سهم وراء سهم اصاب قلبها؟؛ اي ظلم به احست إذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت؟ اي قوة وسط قوة خارقة احست بها؟ هي لا تعترف الا بقوتها؛ هي لا تعترف الا بسيادتها على الارض؛ هي لا تعترف الا بسيادتها على السماء؛ هي صاحبة الارض؛ هي من استولى على كامل السماء؛ نعم احست بما احست؛ نعم فكرت بما فكرت؛ قالت ما قالت؛ عاشت ما عاشت؛ حتى اعترفت امام الظبي؛ امام النهد ينتصب كالرمح في الصحراء بانها صارت لا تفكر الا في تحقيق نداء النهدين؛ او نداء العينين؛ لقد زيّن لها الشيطان طعم الماء في البئر؛ وقعت في المكروه؟ شربت من الماء؛ لم تفكر الا في طعم الماء وهي في اقصى الصحراء؛ فكرت انها قد تموت عطشا دون ان تصل الى العين في أقصى الصحراء؛ لم تعترف بان الشيطان هو من حرضها على ارتكاب الفعل؛ لم تعترف بان الرمح أصابها بين النهدين؛ نعم أصابها بين النهرين.

   فكرت طويلا من قتل الظبيين؟؛ من أصابني بنظرتين؟؛ من رماني برمحين؟؛ من تركني بين نهرين؟ من تركني بين نخلتين؟ اذن من أعطاني حبا بين قبلتين؟؛ من تركني بعد نظرتين؟ من دفعني الى نظرتين اثنتين؟ من دفعني الى ان أغرق بين نهرين لا ثالث لهما الا شعوري بالإثم بعد ارتكاب الاثم؟ ترى من اغواها بان تأكل التمر من النخلتين؟ من اغواها بما اغواها؟ ما الذي دفعها الى ان تخون عزيز مصر؟ هل ذلك الاثم يدل على الاثم؟ هل ذلك الحب يدل على الحب؟ قالت بعد ان ذبلت ازهار الخريف على وجهها: لست بآثمة لأني وقعت في تلك البئر العميقة؛ اي في تلك التي تقولون انها معصية؛ هل الوقوع في حب رجل خرافي الحسن هو كما ترون من أكبر الكبائر؟ اعرف ان يوسف دفعه إخوته الى اعماق البئر؛ هم على حقد؛ تظاهروا بان الذئب قتله؛ تظاهروا بالبكاء؛ اما انا فقد كنت على حب؛ نعم كنت على طهارة؛ لم افكر ان الذئب الماكر في تلك الصحراء يمكن ان يفترس حبا يقع بين النهدين؛ فكرت فقط أن يوسف لم يأكله الذئب؛ بل اكله وحش بري قالوا: هو من سلالة الحب البري؛ قلت: ذلك الوحش الابدي هو الذي دفعني الى السقوط في تلك البئر؛ لم اتوقع وانا اهاجم الذئب؛ ان اقع في حب ماكر لا يعيش الا مع الذئاب وسط الذئاب؛ لم اتوقع وانا اهاجمك اني سأسقط في الحب كما يسقط التمر من النخلتين؛  تظاهرت امام حاشيتي باني اشتريتك من سوق العبيد؛ لم اتوقع اني سأصبح من عبيدك؛ من امر بإنقاذك من البئر؟ من امر بإنقاذك من العبودية؟ لم أفكر في الثمن الذي سأدفعه مقابل عبوديتي لك؛ اعطتني تلك العبودية احساسا غامضا بالحب يتخلله أكثر من حب لا ثمن له؛ أخطأ سيدك “مالك” حين باعك بثمن بخس؛ رفضت الثمن؛ طلبت ثمنا اخر؛ طلبت حبا اخر بلا ثمن؛ أليس الحب في اعماق البئر هو الذي دفعني الى السقوط في البئر؟ نعم سقطت عليك بين نهدين او بين بئرين؛ نحن خلقنا حتى نسقط في نفس البئر؛ حتى نسقط في نفس الاثم؛ الم يسقط ادم وحواء بأمر ألهى ادت اليه تفاحة حمراء لونها يسر الناظرين؟؛ لماذا سقطت تلك التفاحة من تلك الشجرة؟ من اعطاها الأمر بالسقوط؟ الم نسقط نحن كذلك بتفويض إلهي وراء حب قذف بنا في اعماق البئر؟ ألم يطلب سيدنا ادم من ربه ان يغفر له ما سولته به نفسه من اثم؟؛ الم يستجب رب السماوات والارض الى دعواتهما؟ الم يبعث ادم الى الدنيا حتى يكفر عن ذنب ارتكبه؟ الم ترفض حواء الهبوط دون ادم؟ من اعطى الامر بأن نسقط في البئر؟ لماذا لا نبعث الى الدنيا حتى نحقق حبا لم نتحصل عليه تحت نفس الشجرة؟ كرهت ان أقع في غواية بأمر من النهدين تحت تلك الشجرة؛ كرهت ابليس؛ انت اغويتني بسقوطك في البئر؟ اغواني الماء العذب في اعماق البئر؛ ولذلك سقطت فيه؛ لم أفكر بعد السقوط؛ بعد الحب؛ كيف اصعد خارج البئر؟ أردت أن أبقي معك في البئر الى الابد؛ حتى يفنى الجسد؛ حتى تصعد الروح؛ حتى تقوم الساعة بعد تلك الساعة؛ أردت ان احقق شهوتي؛ أردت أن احقق في الحب معجزة لا اعرفها؛ اردت ان ابلغ في الحب ما بلغه الانبياء؛ فكرت كيف أسقط فقط؟ لا يهمني الصعود؛ لا يهمني الا السقوط في صهيل تلك النشوة حتى لو كانت في اعماق الارض؛ نعم لقد نادتني الارض؛ استسلمت من اول نظرة الى سيدنا يوسف؛ لا أستطيع امام صهيل ذلك الحصان المجازي ان ارفض الركوب؛ جربت الركوب؛ سقطت أكثر من مرة؛ لكن أجمل لحظات السقوط كانت حين عثرت على البئر؛ لماذا خرجت من البئر دون اذن مني؟ لماذا لم تبق معي في تلك البئر تشرب معي من نفس البئر؟

   بعد ان تم انتشالك بصعوبة من حب ازلي وقع بك في اعماق البئر؛ اكتشفت ان من انقذك كان مجرد عابر سبيل؛ قالوا لي بعد الحاح: هو يدعى” مالك”؛ وقد كرهت “مالك” لأنه سبقني الى ذلك الحب؛ سبقني الى نداء الارض تطلب الحب؛ سبقني الى نداء السماء تطلب النجدة: انا نبي الله؛ انا نبي الله؛ من أعطاه الامر بأن يسير بقافلته جنوبا ولا ينحرف شمالا؟ من أرشده الى طريق البئر؟ من أرشده الى سقوط حبك من السماء الى الارض؟؛ الا يلتقي العشاق على الارض صدفة؟ الا تلتقي الاصوات في السماء صدفة؛ ليست كل الاشياء تسقط من السماء صدفة؛ انا لم التق بك صدفة؛ انا التي إمرته بان يجلب الماء من تلك البئر؛ انا التي إمرته بأن يغامر بالنزول الى البئر حتى ينقذني من عطش وقعت فيه؛ حتى ينقذني من حب وقعت فيه؛ الا يخلف الحب في الارض العطش؟ نعم تلقى مني أكثر من امر بالمرور امام تلك البئر شرقا؛ لم أعرف كيف اختلط الشرق بالغرب؛ كنت اسمع عدة اصوات تتجمع كالعفاريت في قاع البئر؛ نعم كنت اسمع صوتك دون ان اراك؛ نعم كنت ارى عدة اصوات تناديني؛ انا نبي الله…انا…. لم أستطع ان ارفض حبا وعدتني به تلك الاصوات؛ المهم أنى انتشلتك من تلك العفاريت؛ لكن انا تلك الانثى التي لا تعرف لماذا وقعت في حب سقط بها في بئر عميقة كالمجاز؟، لست بحاجة إلى التفكير هل ذلك المجاز هو مجاز عقلي؟ في الحب أكثر من مجاز لا يدل على مجاز، وقعت في تلك الاستعارة التصريحية؛ لم أفكر في طرفي الاستعارة، لم أصرح بحبي لك؛ فكرت وسط البئر في المستعار منه؛ فكرت فقط أن الحب هو لفظ بليغ؛ فكرت ان الحب هو من أصل الاهي؛ بحثت عن الجناس؛ فإذا بي أغرق في ذلك الطباق؛ هكذا روت زليخة قصة حبها للأنبياء؛ قالت: جاءني امر من السماء؛ جاءني نور قذفته الالهة في صدري؛ لم اقاوم الامر؛ فكرت فقط من كان يخاطبني من السماء؟؛ نعم من كان يخاطبني بأمر إلهي…؟ كان على هيأة ضمير غائب مستتر تقديره في الأغلب ضمير “هو” فكرت  في نداء السماء؛ فكرت واطلت التفكير هل يمكن ان اغتصبك امام اولئك النسوة يقطعن أصابعهن اعجابا بك امام النار؛ لم اتحمل النظر اليهن يندبن فراقهن لك؛ اصابتني الغيرة؛ نفضت على عيونهن حفنات من التراب؛ القيت عليك اكثر من غطاء؛ اخترقت بفرسك ذلك الغطاء؛ هن دون ان يشعرن زدن في البكاء والصياح يطلبن الوصول اليك؛ رفضت اوامرهن؛ رفصت تحقيق نشوتهن؛ اردتك لي فقط؛ اردتك وحدي اختلي بك وحدي تحت الغطاء؛ احداهن بلغ بها الغرور حتى فكرت في قتلي؛ حتى فكرت في ذبحي؛ لم اعطيهن الفرصة؛ سقطت معك في البئر خلسة؛ اردت ان ابقى هناك حتى أظهر معك الى الوجود مرة اخرى بخلسة؛ نصبن خياما بيضا امام البئر؛ انتظرن زمنا حتى نخرج الى الوجود؛ طال انتظارهن؛ اصابهن ما أصابني من العطش؛ نعم أصابهن ما أصابني من الرمح اختار ان يقع بين النهدين؛ سئمن البقاء في الصحراء دون تمر ودون حليب؛ لم يقاومن مثلي البقاء تحت النخلتين؛  بعد زمن لا يدل على زمن قلت في نفسي: اي قوة دفعتها الى ذلك الفراش؛ اي حب دفعها الى الحب، اي نداء دفعها الى تحقيق ذلك النداء؛ اي قوة دفعتها الى ارتداء تلك الملابس التي لا تدل على وجود ملابس؛ من خلع ملابسها؟ من اعطاها شكل امرأة لا تشبه سائر النساء؛ هي اغرته بنظراتها؛ ؛هي أعطته حبا لا تعرفه؛ هي أعطته كل ما تملك؛ لم تفكر انها ملكة فوق عرش مصر؛ لم تفكر ان مصر هي هبة النيل؛ نسيت امام الحب كل ذلك المجاز؛ تنازلت عن كل الاصنام؛ لم تفكر الا في تحقيق رغبتها؛ لم تفكر كيف اغلقت على يوسف سبعة ابواب؛ فكرت انه يمكن ان يهرب؛ فكرت انه قد يتعرض الى الخطف؛ أمرت كل جنودها بان يشددوا عليه الحراسة؛ هي تخشى أشد ما تخشى ان تهرب منها تلك اللذة المستعصية التي احست بها؛ احكمت غلق كل المنافذ البرية؛ هددت جنودها بالقتل لو انسحبوا من المداخل؛  ترى من اعطاها احساسا غريبا بان يوسف يمكن ان يهرب الى هؤلاء النسوة حتى يخفف من اوجاعهن؟ نعم يمكن ان يرفض لمسها كما تريد؛ نعم يمكن ان يرفض معاشرتها او مضاجعتها كما تريد؛ من أوحى لها بفكرة اغتصاب ذلك الرجل المجازي؟؛ جرت العادة ان الرجل هو الذي يفكر في اغتصاب المرأة؛ لكن ما حدث امر غير متوقع؛ امرأة تطالب بحقها في اغتصاب ذلك الرجل الخرافي؛ هو من اعطاها اسرار البلاغة؛ هو من اعطاها بديع اللفظ والمعنى؛ هو من اغواها بنظراته الى السماء والنجوم؛ هو من قال لها انا لا يمكن ان اعبد الا الذي خلقني؛ ادهشها تفكيره؛ شعرت امامه بالإهانة لأنها تعبد الاصنام؛ صارت امامه في ورطة؛ همست وغمزت بالحب؛ لكنه تجاهلها؛ امتنع، تمنع؛ رفض دعوتها الى ان  يعبد كما هي تعبد تلك النار؛ كل شيء في تصورها يرتبط بالنار؛ لم تفكر من أشعل النار؟ لم تفهم من فتح الابواب؟ لم تفهم كيف هرب يوسف من احضانها؟ لم تفهم كيف وجدت نفسها امام عزيز مصر؟؛ لم تعرف من خانها؟ من وشى بها الى عزيز مصر؟ انهارت بالبكاء صاحت في وجه السماء؛ ثارت غضبا لان الالهة فضحتها؛ شكت بها الى الارض؛ عصف بها الزلزال؛ تظاهرت امام “بوتيفار” بان يوسف انقلابي؛ دبر خطة حتى يغتصبها؛ نعم دبر خطة حتى يسلب منه عرش مصر؛ أتقنت الدور؛ صمت يوسف من الدهشة؛ لا حجة له حتى يدفع عن نفسه التهمة؛ حقا ان كيدهن لعظيم؛ تمتم بكلمات ارتعدت لها السماء؛ سجد على الارض؛ جاءه صوت يقول له؛ لا شاهد امامك الا ذلك الصبي في المهد؛ بكى دون ان تنزل دموعه حين سمع الصبي يقول الحقيقة امام عزيز مصر ؛ نعم تكلم الصبي قال ما شاهده: ان زليخة تحرشت بيوسف؛ ان زليخة طلبت يوسف الى الفراش؛ هددته بالقتل؛ صمت الجميع امام تلك المعجزة؛ لم يرفضوا المعجزة؛ لم يصدقوا ان الصبي يتكلم؛ أصابهم الذعر؛ فر كل الجنود؛ لم يبق الا يوسف يمسح بيديه على جبين ذلك الصبي الذي اختفى امامه دون ان يعلم أين ذهب؟؛ بعد رياح عاصفة وجفاف قتل الضرع والزرع سجنت زليخة يوسف عشر سنوات؛ لأنه فضحها؛ لم يستر عورتها؛ لقد مات “بوتيفار” من القهر؛ اصابته حمى؛ عادت تعبد النار من جديد؛ هي من امرت بتعذيبه؛ هي من نكلت به؛ ارادت ان تسمع صريخه وهو يعتصر ألما من اجلها؛ هي من وضعته في السجن؛ هي من أمرت اقوى الجلادين بان يتفنن في تعذيبه؛ طلبت ان ينتزع منه ولو بالقوة  الاعتراف بحبها؛ طلبت منه ان يعطيها اعتذارا رسميا امام اهل مصر؛ هو من أهان عزيز مصر؛ هو من قتله؛ هي من أعطته ذلك السوط؛ هي من أمرت بجلده مائة جلدة؛ رفضت اقتراح الجلاد بالتخفيف من العقوبة؛ امرته بأن ينزل به اقصى العقوبة؛ وماهي عقوبة اقصى الحب او اقصى الاعتراف بالحب؟؛ أعطته السوط؛  أمرت بجلده حتى يعود إلى دينها؛ حتى يعود إلى فراشها؛ فشل الجلاد في مهمته؛ لم تكن الضربات موجعة؛ اكتشفت زليخة خيانة الجلاد؛ لقد تعاطف مع يوسف؛ لم تشعر بان يوسف يتألم مثلما هي تتألم  ؛ لم يفهم الجلاد بان الاحساس بالألم  بينهما مشترك؛ أحدهما يمكن ان يتكلم نيابة عن الاخر؛ لم يفهم بان الاحساس بالحب بينهما واحد؛ ها هو يتظاهر بأنه يضرب يوسف بأقصى قوته؛ لم تشعر زليخة بالألم؛  لم تشعر زليخة بان  الجلاد  كان يضربها؛ طلبت ضربات اقوى من ذلك؛ طلبت ان تحس بالألم قبل اي يحس يوسف بالألم؛ الم يكن الجسد واحدا ؟ لم يعترف يوسف بالحب؛ لم يعترف بآلهتها؛ لم يطلب مثلها مزيدا من الضربات؛ لم يطلب مثلها مزيدا من الألم لأنه يحبها؛ فكرت ان تغتصبه امام ذلك الجلاد؛ امام ذلك الالم الذي تحس به؛ بدأت تنفذ ما احست به؛ لم ترفض الاوامر؛ لم تدخل في عصيان مدني؛ وجدت نفسها تتورط في حب احد الانبياء؛ وجدت نفسها امام الفراش؛ امام الجلاد؛ وعدته بالعرش لكنه رفض ذلك العرش؛ وجدت نفسها امام تحقيق النداء مباشرة؛ لم تفكر ان النشوة يمكن ان تخترق تلك الابواب؛ اغلقت عليها كل الابواب؛ لم تفكر ان النبي يوسف يستطيع أن يخترق تلك المنافذ؛ لم تفكر انه نبي مأمور من الله بطاعته؛  فكرت فقط انه رجل شهواني يمكن ان يستسلم بسهولة امام اجمل نساء مصر؛ من امر الابواب بان تفتح؟ من سهل عليه عملية الهروب؟ هذا الامر حيرني؛ لم يشاهدني الحراس وانا اغلق الابواب؛ لم تشاهدني الا نفسي التي دعتني الى السقوط في البئر؛ لم اسمع بان النفس تخون النفس؛ عاقبت كل الحراس لأنهم لم يعترفوا بمن فتح الابواب؟؛ لم يصدق “بوتيفار” أنى خنت عزيز مصر مع عبد من عبيده؛ لم يصدق انه هو من اشترى ذلك العبد الذي سلب عقلي وروحي؛ لم يصدق انه هو وحده من يتحمل مسؤولية تلك الخيانة؛ هو من جلب لي ذلك العبد؛ هو من جلب لي ذلك الحب؛ هل يمكن ان ارفض ذلك الحب؛ لا يمكن ان ارفض اوامر “بوتيفار” هو حاكم مستبد؛ كم شنق من جنود رفضوا خدمته؟ كان يشنق كل من يرفض اوامره؛ وقد خشيت ان تكون شانقي؛ لذلك نفذت اوامرك؛ لن ارفض امرا طلبه مني عزيز مصر؛ هو من أعطاني الامر بذلك الحب؛ هو من أعطاني كل حروف النداء؛ هو من علمني تصريف الفعل في صيغة الامر؛ هو من وضع امامي حروف النداء؛ هو من اعطاني كل حروف التعجب؛ لماذا رفض يوسف ان يستجيب الى كل أفعال الامر؟؛ لماذا رفض كل حروف الاستفهام التي وضعتها امامه؛ لم افكر انه عبد؛ لم افكر انه من تلك الحروف المبهمة؛ فكرت انه ربما كان بحاجة إلى اسم واحد هو اسم “زليخة” اسم علم  لا يقبل التنوين؛ هو ممنوع من الصرف؛ يختلف عن  بقية الاسماء: منها ماهو معرب ومنها ماهو مبني؛ لقد  رفضت” زليخة ” كل الاسماء التي اعترضتها في القصر؛ كانت لا تعترف على صعيد العلامات الاعتباطية الا بوجود اسم واحد يقوم مقام الفعل؛ هي لا تعترف الا  باسم يوسف؛ لم تفكر ان هذا الاسم سيرفض كل افعالها؛ سيرفض ركوب الخيل معها؛ ارادت ان تعلمه الرماية؛ لكنه رماها بسهم؛ ثم تركها تبحث عن مخلفات ذلك السهم فوق النهد في تلك الصحراء لها طلع نضيد؛ ارادت ان تختلي بالسهم يقع فوق مرمى النهد وحدها؛ ارادت ان تختلي بالتمر وحدها؛ نعم ارادت الاسم والمسمى وحدها؛ ارادت ان تعطيه كل أفعال الامر؛ لكنه رفض تصريف الأفعال في الامر؛ تمرد الفعل على الفاعل؛ لم تفكر ان يوسف سيرفض كل حروف النداء؛ نعم سيرفض كل حروف التعجب؛ لم تفكر انه نبي معصوم من الوقوع في الخطا؛ هي وقعت في كل الاخطاء؛ هي وقعت في حب وراءه خطيئة؛ وراءه نبي لا يرفض امر الله؛ هي لا تعلم أن الوقوع في حب الانبياء من المحرمات؛ هي لا ترى انها خالفت الهتها؛ هي ترى ما لا ترى؛ هي رات انها وقعت في حب على طريقة الانبياء لا بد أن تحققه؛ العين بالعين والسهم بالسهم والبادئ اظلم؛ لم تفكر من اعطاها الرمح؟ من اعطاها القوس؟ من سدد السهم بين النهدين؟ لم تكن تعرف ان يوسف من الانبياء؛ ما ذنبها حين وقعت في الحب من نظرتين؟ ؛ هي لا تستطيع ان ترفض ذلك الحب؛ لا تستطيع ان ترفض ذلك الرمح يقترب من النشوة في النهدين يفترشان الارض ويلتحفان السماء؛ اذا رفضته لعنتها الالهة التي تسكن بين تمثالين؛ هي تقترب من الالهة التي منحتها ذلك الحب؛ هي تقترب من تلك الاصنام التي وعدتها بتحقيق النداء قبل وصول النهرين؛ لم تجد المنادى عليه؛ لم تجد من أشار اليها بذلك الشخص يتعبد قرب النهر؛ وجدت نفسها تعبد الماء امام النهر؛ تعبد النار امام  النار؛ وجدت ان كل الكهنة يكذبون؛ لم يستطع احدهم ان يسدد الرمح في الموقد؛ لم يستطع احدهم ان يطفئ النار؛ وعدوها بتحقيق الحب؛ لكنهم عجزوا عن تحقيق الحب يسري كما يسري الماء في الصحراء؛ وعدوها بسيول من المطر؛ وعدوها بانها ستحكم مصر حتى ينزل الخير ؛ نعم وعدوها لكنهم لم يستطيعوا تنفيذ الامر؛ كم  ادعى هؤلاء الكهنة بانهم أصحاب الحق في الارض؟ هم من أنقذوا يوسف من عذاب النار؟ كم قالوا لها ان يوسف سيقبل قدميها؛ كم حاولوا اقناعها بان يوسف عبد من عبيدها؟ كم طلبوا منه تحقيق المعجزات؟ كم قالوا انهم يملكون القدرة على جعل يوسف خاتما بين اصابعها؟ كم قالوا ولم يفعلوا؟ كم قالوا لها انه ساحر من السحرة؟؛ هو ساحر مجنون؛ كم اعترفت لهم انها بحاجة إلى ذلك السحر؟ كم قالت لهم انها بحاجة إلى ذلك الحب يظهر اول ما يظهر على هيئة عبد؟ كم حاولوا اقناعها بأن الهتهم ترفض حرية العبيد؟ هي من يعطي الماء والنار؛ هي من يعطي أصعب الاشياء حتى الحب؛ كم انتظرت وخاب انتظارها؛ قالت: لماذا أعطيت امرا بتعذيبي؟ لماذا لم تفكر أنى احبك….. لماذا لم تفكر أنى جزء من الالهة…..

  بعد دهر شاخت زليخة وقد اشتعل راسها شيبا مرت امام قصر بين النهدين؛ بين النخلتين اعترضت موكب يوسف؛ وقد مر امامها كالبرق الخاطف؛ صاح عزيز مصر توقفوا؛ توقفوا ايها الجنود…انظر في طلب هذه المرأة؛ التقت العين بالعين؛ التفت الساق بالساق؛ اقترن الحاجب بالحاجب وصل السهم الى العينين اخترق أرضا تقع بين النهدين؛ قالت له بعد دهر: انت يوسف نبي الله؛ هل تستطيع ان تجعل كل حياتي فجرا؟ لقد اسلمت الى رب العالمين؛ لقد اخذ الله بصري بما اغويتك؛ بما افتريت عليك ظلما؛ صرت أراك ولا اراك؛ هل ترفع عني الاذى؛ هل تعيد الي البصر حتى اراك؛ انبهر يوسف بما شاهد؛ رفع يديه بعد الصلاة؛ طلب بحرقة ولوعة ان يرفع الله الاذى عن زليخة؛ جاء نور خاطف غيّر لون الارض والسماء؛ فجأة عادت زليخة كلسان الشمعة في صفاء الدمعة؛ عادت كما كانت؛ في سالف عهدها؛ ارتدت حجابا ابيض وطارت على فرس يمتطيه يوسف في اقصى الجنة؛ بين نهرين؛ بين نخلتين؛ بين دمعتين. 

مقالات ذات علاقة

الردهة رقم 6 أو حكاية طبيب دخل المستشفى مديرا وخرج منه مجنونا

المشرف العام

شيرين أبو عاقلة وميزان الشعب الصادق

المشرف العام

أدب الطفل.. والذكاء الاصطناعي

حسين عبروس (الجزائر)

اترك تعليق