الطيوب
أقام المركز الليبي للدراسات الثقافية في إطار موسم (الإثنين الثقافي) لعام 2021م حلقة نقاش حول نقد المنهج في الدرس الثقافي مساء يوم الإثنين 29 نوفمبر بمكتبة مسعود الرابطي بالمدينة القديمة طرابلس وذلك بحضور لفيف من الكتّاب والمثقفين، وقد تناول الشاعر والكاتب “صالح قادربوه” موضوعه باعادة النظر في مجموعة من الالتباسات المتعلقة بمسار الدراسات الثقافية المنكبة على تحليل الظواهر واستكشاف كيفية توليد المعنى ونشره والتنازع عليه وربطه بأنظمة القوة والتحكم وكيفية إنتاجه من المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن تشكيل أو ظرف اجتماعي معين ما يعني أن الثقافي مادة ومعنى، وأشار قادربوه إلى أنه نتاج قابل للسيطرة حتى وإن حاول التمرد أو التملص وهو ما لا يتحدد فقط في الإطار الفلسفي الموجه لمنطق هذه الدراسات وشرح مبادئها ومنطلقاتها وتفسير حركتها.
كما أضاف أنه على صعيد تورط المباحث الثقافية الكبرى التي صدّرتها تلك الدراسات في نظم مثالية من الهيمنة التي جاءت على ركام هيمنات آنفة كان ومازال المقترح النظريث لتمريرها في هيئة مناهج متنوعة وهو حسب رؤية قادربوه أخطر ما في هذه العمليات المعرفية المتجانسة مع السلطة وأشدها قوة وصمودا.
وتابع موضحا أن أبرز انتقاد مؤسس يوجه إلى مناهج الدرس في الظاهرة الثقافية بتنوعاتها هو كونها جميعا تقوم على أساس المثال حتى وإن كان تفاعلها التحليلي صارما أو محايدا فتظل نتائجها تقدم الموضوعة المعنية بالبحث في شكل سلطة اجتماعية أو سياسية ترفعها إلى أن تكون صورة ذات اكتفاء منهجي يتيح البناء عليه لا نقضه وأكد أن النقض هنا لا يأتي كذريعة نقدية بل كحالة سؤال حادة تقطع مع وعي لتعود لمساءلته أو نقاشه ومن ثم تقديمه في الخصائص التي يلتقي فيها الشعبي بالفلسفي.
ولفت في المقابل أن هنالك عدة نماذج حاولت من عمل الدرس الثقافي تقديم رؤية حيوية للظواهر كنقاش الاستهلاك الثقافي والأنماط الاجتماعية الثقافية وإرث ما بعد الثورة التكنولوجية لكن المنهج يصطدم بالغائية والتوجيه وينحاز لحالات ثورية عبرها يتك تقييم النتاج الإنساني شكلا ومضمونا، الأمر الذي يجعل تقصّد المثال عائقا في حالات كثيرة بدلا من كون فكرة البحث المستمر في الحركة المستمرة للوجود الخاص والعام والنظم ونقائضها ما يعد ذريعة المنهج ودمه ودافعه.
وأكد قادربوه بأن ما يتصل بنقد مناهج الدرس الثقافي هو الإحاطة النظرية بالموروث قديما وحديثا ما جعلها تتحول إلى تيار إجراء أكثر من كونها جزءاً عضوياً مهماً من الظاهرة نفسها، لا تناقش في تفاعلية بشكل دائم بل تتقصى وتتقصد وتنزع إلى الاستحواذ العلمي على وعي هذه الظاهرة وآفاقها وحتى إخفاقاتها.
واختتم قادربوه ورقته أن الدراسات الثقافية تبقى قيمة وحية معرفية إذا ظلت حريصة على تفسير الوجود الإنساني وذلك بإنتاج الفلسفة الجديدة، بدءاً بصورة الإنسان وحركته وصورة موته وتحلله أيضاً، لكن لا عبر استعمال وسائط الوعي الإنساني التكنولوجية بل بشراكتها، فقد تقدم السينما مثلاً تفسيرا فلسفيا تقدمياً لحضور الإنسان بنهج السرد الثقافي القابل للإضافة دوما، بعيداً عن توهم الخصوصية العرقية والطبقية والنفسية، في تنوع نماذجها المنحازة للنظام التداولي والمنشقة عنه.
ثم أعقب ذلك فتح المجال أمام الحضور اللذين شاركوا بأرائهم وملاحظاتهم ووجهات نظرهم إزاء هذا النقاش.