نورالدين بن بلقاسم ناجي (تونس)
ذهبت الى الحديقة كنت على موعد مع الذكرى؛ كل الذكريات تجلس هنا؛ كنت على موعد مع حب تركته مع تلك الازهار؛ مع تلك الاوراق؛ ينبت الحب كما تنبت الازهار؛ تحتاج الازهار الى من يقطفها؛ تحتاج الانثى من يحبها؛ فكرت انه بعدد الازهار في الارض؛ بعدد النجوم في السماء؛ احبك…تركت كل العشاق أمام أبواب حديقتك؛ عددهم لا يحصى؛ هم بعدد النجوم، هم بعدد الازهار؛ فكرت إنهم صاروا يعبدون الازهار؛ صاروا على طريقتهم يعبدون ما لا أعبد؛ صاروا يحبون عندما أحبك؛ صاروا ينظرون الي بدهشة عندما التقي بك؛ عندما اقبلك؛ كلهم جلسوا هنا؛ احتراما لنا؛ احتراما لتلك القبلة او النظرة؛ كلهم كانوا يصلون.. يسبحون تحت تلك الشجرة. لماذا تأخرت في صلاتك معي؟ لماذا رفضت ان تسقي الاشجار معي؟ لماذا.. لماذا تفيد السبب؛ وانت خرجت على الحب دون سبب؛ خرجت عن سائر العشاق تبحث في صلاتك؛ في حبك؛ عن سبب لا يدل على سبب بعينه. حتى هجرتني دون سبب؛ حتى في لغتنا تفيد ما هو مستبعد الوقوع؛ ليس مستبعدا ان نلتقي؛ ليس مستبعدا ما هو مستبعد في الحب؛ كل شيء ممكن؛ كل شيء مباح؛ كل شيء حلال؛ ما عدا تلك الشجرة لا تلمسها فإنها حرام عليك؛ ما عدا تلك الانثى حلال عليك؛ عفوا حرام عليك؛ لا تقبلها؛ ابتعد عن ابليس؛ لكن لا تبتعد عني؛ ابليس اغوته الشجرة؛ فقطف منها تفاحة؛ اما انا؛ فقد اغوتني نظراتك الى السماء؛ ولذلك قطفت من حديقتك اكثر من تفاحة اكثر من قبلة؛ انت من اعطيتني اكثر من قبلة بل اكثر من تفاحة؛ لا تلمني قطفت من حديقتك اكثر من زهرة؛ وقعت في الحب من اول نظرة؛ نعم وقعت في الاثم من اول قبلة؛ ضع قبلتي فوق قبلتك؛ لا استطيع الانتظار؛ امتلأت الحديقة بالعشاق؛ جاؤوا للصلاة؛ هم يحافظون على الصلاة في وقتها؛ هم يحافظون على الذكرى في اوقاتها؛ تركوا في حديقة العشاق صلاتهم؛ تركوا كتابهم المقدس؛ تركوا دينهم وعادوا الى ديننا؛ تركوا معتقداتهم؛ تركوا ازهارهم؛ تركوا اصنامهم؛ تركوا الهتهم تبكي؛ انتبهت الى ان صلاتهم تبدأ مع الخريف وتنتهي مع الشتاء؛ نحن نطلب في الصلاة نزول المطر وهم يطلبون في صلاتهم نزول الحب؛ الحب مثل الماء يسقي كل شيء؛ اذهلتني تصرفاتهم… صلاتهم…دعاؤهم… لا يشربون مثلنا الماء؛ لا يأكلون مثلنا الطعام؛ لا يفكرون مثلنا؛ لا يشربون الا من انهار عذبة كالحب؛ هو نهر واحد في اقصى الجبل؛ له باب واحد لا يدخل منه الا الصائمون؛ هو نهر واحد في اقصى الجنة؛ لا يشرب منه الا العاشقون.
تألمت لان صلاتي تبدأ مع كل ربيع ثم تنتهي مع كل خريف؛ انت مثل امطار الخريف؛ انت مثل ازهار الربيع؛ فكرت في الصلاة مثلهم؛ صلواتهم عشر؛ خمس صلوات في النهار وخمس صلوات في الليل؛ تألمت لأنك تأتي مع الخريف وتذهب مع الربيع؛ لماذا تركت النشوة تغادر جسدي؟ نشوتك اقوى من رحيق الازهار؛ تبدا نشوتك مع طلوع الاحلام الى اقصى الجبال؛ نشوتك لا تنتهي مع الفصول؛ انت فوق كل الفصول؛ عندما يشتد البرد في الشتاء ارتدي ما تركت من احلام وسط احلام؛ افكر في شخص تركته ينام تحت تلك الشجرة؛ تركته يعد الازهار؛ تركته يعد ايام الشتاء؛ تركته يعد ايام الحب؛ تركته يعد القصص؛ افكر في نشوة تركتها لا تنام؛ كنت لا انام الا مع قصتي؛ كنت لا انهض الا مع قصتك؛ مرت قصتك امام فنان تشكيلي؛ اختار الفنان المجهول قصتي؛ اختار دون سبب واضح ان يجلس تحت تلك الشجرة؛ اختار ان يراقب تلك الذكرى؛ جاءني شعور ما انه يعرف قصتي؛ لماذا اختار ان يجلس تحت تلك الشجرة بالذات؟ لماذا اختار ذلك الحب بالذات؛ هل أخبرته الشجرة بقصة حبنا لذلك تعمد ان يجلس هناك؟ لماذا علق اللوحة على اليمين حيث كنت تجلس؛ حيث كنت ولم تكن؟ لماذا تسلق اغصان الشجرة بهدوء؟ لماذا كان يراقب حبي لك بعنف؟ الم تكن تحب تسلق الاشجار بهدوء يتخلله بعص العنف؟ الم تكن تسرق مني اول قبلة بهدوء؟ الم تكن تسرق مني أكثر من قبلتين بعنف؟ الم تكن تحبني ان اصعد معك الى الاعلى الى قمة الشجرة؛ الى قمة الحب؛ انت لا تحب الصعود الا الى القمة؛ انت لا تحب الصعود الا الى قمم الجبال؛ الم تكن في حبك لا تستطيع العيش الا في اعلى الجبال؟ الم تكن تريد الحب على طريقة ذلك الفنان العبقري؛ يترك الاشياء ترسم نفسها بنفسها؛ يترك الانثى تختار أن ترسم نفسها حتى تنسى نفسها؛ ترك الفنان اللوحة تقول ما تقول؛ ترسم ما ترسم وتغني للحياة ما تغني؛ ترك الفنان الريشة؛ سئم كل الالوان والاشكال؛ سئم الحياة نفسها؛ سئم تقليد الاشياء؛ سئم عبادة الاصنام؛ انت من هرب الى حديقتي؛ الى شجرتي؛ انت تبحث عن حب يرسم نفسه بنفسه؛ ترك الفنان اللوحة؛ ترك الفنان جسدي يتعرى امام النهر قليلا؛ تركني وذهب الى الجبال؛ ترك نشوتي؛ ترك ازهاري الى بقية العشاق؛ ترك ما ترك؛ لكنه لم يترك تلك الانثى الى الابد؛ لن يترك الحديقة الى الابد؛ عفوا لن يترك الحب الى الابد؛ مازال ينتظر عودتي؛ مازال ينتظر دمعتي؛ مازال يحب أنفاس سيجارتي؛ مازال لم يرسم؛ مازال الفجر؛ مازال الحب مع الفجر.