السقيفة الليبية (حوار/ حنان علي كابو)
تأتي ليلى النيهوم الكاتبة والمترجمة والتشكيلية والفوتوغرافية والشاعرة أيضا إلى الشعر بحزنها الشفيف، بعزلتها التي تكاد أن تكون وطنا آخر.. بوحدتها المفرطة في الإنشغال.. تنغمس فيها فترتدي اللغة، ويعلو نحيب الروح في صدى القصائد.. مؤخرا أعلنت عن مجموعتها الشعرية الأولى الصادرة عن دار الجابر.. والتي حملت عنوان “بمنعطف من شارع DEWOLF” حول الشعر حضوره.. سطوته.. كان هذا الحوار…
> بمنعطف من شارع DeWolf… ما الذي يميز هذه القصيدة لتحمل عنوان تجربتك الشعرية الأولى؟
● تجيب: العنوان متاهة.. غابة مظلمة متشابكة الاشجار مساربها لا تحتمل نملة.،كان للمجموعة عنوان اخر ادرك تماماً بأهميته ودلالته محلياً غير انه يأخذ معنى اخر غير لائق في دولة شقيقة قد يكون كتابي في معرضها ذات يوم. ترددت فيه وغلب ترددي الأزلي. ذات يوم برز لنا ذئب في شارع “دي وولف” الذي انعطف منه عادة الى شارع “شو “في عودتي للبيت وكان اغلبه بساتين حمضيات شاسعة الامتداد يحلو لي تأمله ويسكن روحي عبير زهره. فكانت المفارقة ان قفز الذئب امام عربتنا قاطعاً الطريق الى الجهة اخر بكامل هيبته وموفور عنفوانه. ذئب في ديوولف في لحظة التفكير في ڤرجينيا وولف بالذات – كنتُ لتوي قد انهيت قراءة كتاباً حول حياتها الملتبسة – وعصف ذهني كان يلفني وقصيدة تعتمل ونحن نمر ببستان ماندرين! سكنتني تلك اللحظة وكانت تلحُ علي. وخرجت وانا احاول ايجاد عنوان بديل لمجموعتي الجديدة التي صدرت هذا العام عن دار الجابر – بنغازي تزامناً مع معرض القاهرة للكتاب. هو ليس عنوان لأي من قصائدي وفيما تراءى لي ليس من الضرورة ان يكون كذلك. لربما هَوّم هنا وهناك طي قصيدة DeWolf بين ثناياها لتلتقطه اهميته ومفارقته عنواناً لمجموعتي.
> بدأت في كتابة الشعر ونشره منذ سنوات طويلة.هل الشعر حالة تلبس ام…؟
● ياحنان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وفي اشتغالي محررة ومترجمة ثقافية بمجلة الثقافة العربية كنت جئت الى عالم حلمت به طويلاً وعشته في مخيلتي. الكتابة الشعر الرسم. الرسم الذي كان قبل الكتابة وهو في يقيني كتابة من نوع اخر. في تلك الأونة بدأت في تنقيح محاولتي لكتابة القصة القصيرة ولكنها ابداً ما كانت ترضيني فقد كنت اكتبها مقتضبة قصيرة جداً وفائضة بلغة تركيبية صعبة ومغرقة في الشعرية…
كان الشعر يلبد لي في المنعطفات يلون رؤيتي للعالم وتعاملي معه. اللغة مدخل للشعر وانا كنت قارئة نهمة استعذب الكلمات واتوقف احياناً للحظات امام تعبير ممتع في الروايات المترجمة والعربية – لكُتاب ومترجمين اشاوس لغوياً – التي كنت امضي فيها كل وقتي منذ عرفت -صغيرة جداً- طريقي الى القراءة. وكنت اعشق تدوير كل ماهو بليغ من الشعر والنثر في ذهني. انا قارئة ذهنية وبصرية ولست سمعية او صوتية…
اذاً كان الشعر يتسرب ويأخذ بناصية القلم. وكان الشعر يفصح عن وجهه خجولاً بين كبار كانوا من حولي. ولكنني كنت ادرك في قرارة نفسي ان لدي قبسه وان لدي منهج ما فيه. لا يهم نسقه وموسيقاه لا يهم قافيته ولا نثره. هو مزق روحي ونجواي في هذا العالم. فكان ان بدأت النشر في مجلةالفصول الاربعة والبيت وتحايلت على الأمر. اختبئت بمعنى ما. كان على الشعر ان يخرج للوجود وكان على ليلى ان تراقب من بعيد ولا تكون في الواجهة ولذلك قصة ربما نحكيها في حوار قادم.
> كتبت قصائد باللغتين العربية والإنجليزية ايهما الأقرب لليلى وما الخصوصية التي تحملها كلتا اللغتين؟
● اللغة الانجليزية التي درستها ودرست آدابها كانت ذلك الباب السحري الذي اخذني الى عوالم اخرى. عشت حياتي العملية ادور بين اللغتين وانقلهما الى بعضهما البعض عبر الترجمة…
ذهنياً ولاشعورياً كان قاموسي الذاتي يتوسع ويختلج بينهما وكانت ثمة لغة شعرية نثرية تنشأ داخلي. ادركت ذلك فيما اكتبه عندما كنت اعود اليه متأملة لتنهمر على ادراكي مناحية ومنابعه…
كانت قصيدتي باللغة الانجليزية تخرج قصيرة وفي منتهى المعنى على شكل (هايكو ) في قمة جزالته وايماضته من الطبيعة. الهايكو كان اول ملهاتي في اللغة الانجليزية لقربه من ذاتي المحبة للطبيعة والتي لا تمر فيها مرور عابر. وكنت اشارك به وبشكل يومي مكثف في احدى المجلات الإلكترونية في بدايات الألفية. 2001/2002…
ثم اخذ القلم يمد خطاه في ارخبيل اللغة وًاتسعت عبارة القصيدة منذ أن تم اختياري لأكون اول كاتب من ليبيا يشارك في برنامج الكتاب العالميين العريق بجامعة آيوا الامريكية عام 2005. كان هذا يحدث بالتوازي مع تنامي شعرية اللغة العربية لدي وتوسعي نحو النفس الطويل في نصوصي العربية…
اغلب نصوصي القديمة هي الآن بين ضائع ومبعثر هنا وهناك وخامد في مخطوطات داخلة في سبات. وهي قطع تراكبية مني ادور بينها في فلك اللغتين…
عشقي للشعرية العربية لا ينافسه الا عشقي للغة الانجليزية حين تكون شعراً فلها ذائقة خاصة. لعلني في الانجليزية والتعبير بها شعرياً انا اكثر جرأة وتوغل في بوح الذات. في العربية انحو جهة الحزن الشفيف ووجع العالم والاستغراب البليغ والهجاء ايضاً.. فذلك موروثنا الشعري العربي الخالص بسبب واقعنا المرير وما يلف لفه.
> تحصلت على الترتيب الثاني في جائزة الشعر بمكتبة مقاطعة فرزنو، ما الذي تراهن عليه ليلى عندما دفعت بنصوصها للمشاركة وفي كتابة الشعر أيضا؟
● كانت مصادفة وفي ذات الوقت ليست مصادفة. ففي داخلي كان النشر حلم وكان الاقدام عليه يحدث بين الحين والاخر. كل مافي الامر ان انتباهي الابداعي مشتت وهذا ربما اضر بي بعض الشيء. ففي ذهني وفي وقتي وفي انتباهي تتزاحم وتحتك مرافق الرسم مع التصوير الفوتوغرافي مع الشعر مع الترجمة مع فن اللحاف الامريكي مع فنون نحت الحلويات والبستنة ومع مهام البيت. لذلك حين كنت احير بينهم كنت اترك العنان للحاضر بقوة فكانت سنيني الماضية تتراوح بينهم. متروك لهم العنان واللجام…
في السنوات القليلة الماضية تحررت من بعضها حين استنفذتها. وتقدم للواجهة الرسم والشعر. كما ان القرب من بيئة تشجع على الابداع في النوعين واشتراكي في مدرسة فنون تشكيلية شحذهما تماماً وصقل انكبابي عليهما. ولعل لفن الرسم ولفن الشعر خواص مشتركة كون الاول قصيدة بصرية ورؤية لونية للعالم والثاني قصيدة ذهنية ورؤية لغوية بلاغية للعالم…
وايضاً بعيداً عن الاجتماعي المحلي الذي يخلط الامور في الفيسبوك ويجعل منه مختنق. كان الانستغرام الغربي كوة احترافية اطللت منها فنياً وشعرياً على اوساطهما هناك…
وجاء الاعلان عن المسابقة في فروع مكتبات المقاطعة في منتبهي فأرسلت لهم ثلاث قصائد باللغة الانجليزية من مخطوط قديم كان ثمة وعد في عام 2008 لنشره وتم اعتماده وارسل الى دار نشر ثم ذهبت الامور هنا وهناك وضاع بين الايدي وقدره المؤجل. لامست احدى القصائد التي بعثتها هوى لدى لجنة الحكم. ربما لعدم محليتها. ربما عوالمها. ربما الاسلوب. ربما لغتها المختلفة في تعبيرها. فكان اختيارها للترتيب الثاني. اسعدني الامر. لأن القصائد عرضت على اللجنة بدون اسماء. والاختيار كان موضوعياً. واللجنة من كبار شعراء ومثقفي المنطقة. اذن في قرارة نفسي سعادتي مبعثها ان نصي ولغتي- وهي لغة ثانية وليست لغة ام – مكتملة مثلما لغة اي شاعر اصيل في لغته بمعنى او اخر.
> “هل يعلم من يرمي الحجر في بحيرة مغبة الدوائر رجفة الضفاف” هل تخيفك مغبة الدوائر ام رجفة الضفاف؟
● قلت هذا في ادراج لي في صفحتي بالفيسبوك وانا غاضبة ومنزعجة من موقف غريب به سُريالية فاقعة وتناقض ملفت وغير عقلاني. يحزنني ويعتمني ان يعكر صفوي حجر. وحجر ذي صداقة اقسى الحجارة. وكم كثُرت احجار هذا الزمان الأعتم. وحين اقول صفوي فأنا بلكل معنى الألم ضاع صفوي في العشرية الدموية وحين ألملمه بالكاد من وسط الوجع فأنا اصدقك القول حين أقول: نعم تخيفني المغبة والرجفة التي تعتري الضفاف ولا يدركها الرامي ولا اراها الله لكِ ولا للقراء الكرام.
> في كتابة الشعر هل ثمة نقطة انطلاق ام مساحة للتجرد؟
● كل ما ادريه انني قبل زمن الموبايل كنت احرص على الاحتفاظ بمفكرة وقلم حبر على مقربة من يدي. قلم الحبر حين يكون في وضع مائل يظل يكتب بعكس الجاف- اكتشفت هذا حين كنت اجد نصف الكتابة ضائعة شبة بيضاء في الصباح وكم من ليالٍ مددت يدي وانا بين حلم وعلم ودونت إملاءات ذهني…
في الصباح كنت اجد صعوبة في فك الاسطر والحروف من بعضها وفهم الطلاسم. يقال ان اجمل القصائد والتعابير تضيع في ريش الوسائد. القصيدة هاجمة ذات طغيان عادة. لست ابداً اجلس واقول الان سأكتب قصيدة. هذا لا يحدث معي. تأتيني بغتة. وكلمة بغتة ليست دقيقة وحقيقية تماماً. ما يأتي هو الشكل النهائي لما كان يضطرم في الذهن ويتراكب وينصهر بالتواطؤ مع العين والسمع والحواس كلها. الإنسان ملتقط من طراز اول ومستشعر رهيف…
لعلني من الذين ذهنهم منفتح مصغٍ للماحول. فكل ماتناهى في الصغر وفي الترداد وفي الحركة يلفتني وان كنت لا ادريه. الشعر هو الحياة بمكتمل لا تناهيها. اليومي بكل استدارته على بعضه. الشعر هو بمصطلح علمي رسكلة تفاعل المرء مع العالم. اعادة تدوير الحياة بشكل استفهامي او عتابي او إقبالي او موغل في الاحجام.
> كاتبة.. شاعرة.. تشكيلية.. مصورة فوتوغرافية.. الابداع الذي لايؤطر إلى مدى فضاءاته تلامس ليلى؟
● هو شتات. كان دائما في داخلي عدة اراء ومقاربات مختلفة حول العالم. رأي موروث أسرياً واجتماعياً ورأي خاص جامح غاضب غير راضٍ تماماً. كنت انا مثل البندول بينهم. اتأرجح ولا استقر الا حين انفث تبرمي شعراً…
في الكتابة تجدين توازن الباحث المدقق ذو المرجعيات.الكلام موزون بميزان ذهب. الى مراميه تماماً لا لف ولا دوران فيه نحو المعنى. كل فاصلة ونقطة وقف في مكانها المحدد…
في الرسم ذاك الهدوء الروحي. ذاك الانغماس والذوبان في عالم اللون وفي الانتباه لحركة الريشة والتكنيك. اصفى اوقاتي حين ارسم. اغيب تماماً وكأنني في فقاعة عازلة للصوت.،هو عالم صامت مثل قاع محيط. عالم صامت منتج. عالم بعيد…
التصوير الفوتوغرافي هو انتباهي لهذا العالم ليس كله بل اجمل مافيه. تستوقفني لحظة شمس على عشب طري. سحابة وحيدة تلكأت عن قطيع سحب وتفردت بالسماء. تلصص علي خصوصية زهرة حتى ادق (ماكرو) فيها…
وكل هذا الشتات يصب في بعضه فمن عين الكاميرا اتقنت اللون والظل والضوء على اللوحة ومن تأملي الشعري رصُنتْ العبارة واستدقت حتى عمق معناها. الشتات ليس في القيمة ولكن في الوقت اللازم لكل منهم. اقول دائماً لنفسي ليت اليوم اكثر من 24 ساعة. لكنني امضي بينهم واجد نفسي فيهم.
> لك مجموعة شعرية باللغة الإنجليزية لم تر النور بعد… ماذا تخبرنا ليلى عنها؟
● هي ومخطوطين شعريين عربيين اخرين وكتاب شهادات مبدعات: كتاب الأين. وكتاب تأملات حائطي. ولم ير النور منهم الا اخرهم. فقد قررت وانا اراجعهم. ان على ابدأ عكسياً. ولهذا اصدرت هذا العام مجموعتي الشعرية: بمنعطف من شارع” DeWolf” قبلاً من اخواتها الأكبر سناً…
هكذا رأيت وهكذا مضيت مع تناقضات الحياة كما علمتنا. في فوضاي الابداعية انا اكثر تحرراً من التراتبية. ربما اترك المخطوطات بعدي. ربما هذه القفزة الطارئة للنشر تزول. هكذا تمضي بي مزاجاتي الابداعية. كما اخبرتكِ قبلاً. هو الشتات القلق الروحي والظروف التي عادة ما تحكمني وتحد من اندفاعاتي وذلك الصفو المتأرجح وسطير الحزن داخلي ايضاً اسباب.
> الشعر قيد ام انفلات؟
● الشعر مثل القفز في البحر والعوم بعيداً رغم التنبيهات والمناداة من الشاطيء. الشعر اذعان لنداءٍ داخلي مُحبب لا تمنع معه ولا رفض ولا اتردد. حالة استسلام تام وطفو على سطح الماء والأذنين في الماء لا تسمعان غير وجيب القلب. نحن ايضاً نمضي للشعر مثل طفل لا يدرك خطوته على حافة درج ويخطوها متجرداً من مفهوم المخاطر فلم يوجد بعد.
> لماذا تأخرت ليلى طويلا للإعلان عن تجربتها الشعرية؟
● الحكاية تطول والسنين طالت. غير ان تجربتي الشعرية على تقطعها كانت معلومة لدى الوسط الثقافي الليبي والعربي الا قليلاً. ولكنني كنت دقيقة في التعامل مع واقعنا المجتمعي كما تعلمين…
كان ابي رحمه الله يقول لي تخلصي من ترددك. اقدمي وكوني في مسار صحيح. كان ابي رحمه الله كونٌ كامل ذو قشرة سميكة يتقي بها العالم. كان تنويرياً ومتقدماً على زمانه ذو ذهن صافي ومستقريء من طراز رفيع للبشر وللزمان وكان ايضاً شاعر غير ممارس للشعر الا في حدود وريقات صغيرة تلصصتُ عليها وانا صغيرة في حقيبة عتيقة كان يحتفظ فيها بشدرات قلبه وبمراسلاته مع الصادق النيهوم ابن عمه وصديق طفولته وصباه وجامعته كان يبثان فيها لبعضهما البعض لواعجهما وقراءاتهما للوطن وللحياة. ثم ان واقعيته غلبته واخذته لمصارعة الحياة وانتزاع العيش الكريم لنا منها. عشت في حماه القوي ولم اصنع قشرتي السميكة ولم احتج لها. وكان لي اعتبارات اردت الحفاظ عليها او هكذا ظننت بسذاجة الرومانسي النيء…
اليوم والعالم تزداد آناه وتتورم وكل لنفسه صحوت لنفسي واكتشفت وحدتي وضعفي امام عالم خلى من سندي واردت ان اصنع درعي لأواجه ما يجب مواجهته. ربما ايضاً تخلصت من رومانسيتي الفاقعة وحذري الشديدين وحساسيتي تجاه المجتمع وتعقيداته. ربما الاحساس بأنه لم يعد في الوقت الا قليلاً. لعلها الكورونا اللعينة ايضاً وتهديدها لنا بالزوال الخاطف. لعله لأجل كل ذلك ادخل الآن الجبل بمطرقتي.
> كنتِ ضمن المُختارات في كتاب “سليلات العرافة ” كيف كان وقع هذه التجربة على روح ليلى؟
● وقبلها كانت ايضاً انطولوجيا قصيدة النثر الليبية وقبلها تُرجمت قصائدي الى عدة لغات من قبل مترجمين عالميين وضُمنت عدة انطولوجيات عالمية. ان تكون ضمن رهطك في كتاب جامع امر جميل واعتراف بشعريتك وبأهمية ان تُقرأ خارج المحلي رغم اهمية المحلي في نظري…
في كتاب سليلات العرافة.. والمقصود بها هنا تلك السيبيل الليبية الرائية الميثولوجية التى في العالم الثقافي الغربي تُعرف ليبيا بها مثلما تُعرف بالميدوسا – وهي اثيرتي ورمزي – وكذلك بالأمازونات.. وهي رموز ميثيولوجيا مهمة.. فهن الواجهة النسائية التاريخية لبلد متخم بالحضارات المتوالية منذ قدم التاريخ ومتخم بالنسوة الرموز. النسوة الفاعلات. ولو تنظرين من حولك لوجدت ان النسوة في ليبيا ذوات اثر فاعل طيب محمود سلمي. هذا الكتاب يجري العمل على ترجمته للغة الألمانية…
فكم اذن كان اثير جداً اختياري ضمنه من قبل العزيزة الشاعرة الليبية حواء القمودي الدائبة الى اعلاء قيمة الثقافة الليبية ان كانت الرابط في عدة انطولوجيات ليبية بحكم علاقاتها وصداقاتها الثقافية والفضل ايضاً للدكتورة اشراقة حامد الشاعرة والمثقفة السودانية والصديقة لصديقتنا الشاعرة السودانية الراحلة نجاة الياس التى عاشت بيننا وكانت جزء من وسطنا الثقافي.
> من الذي يملي على القصيدة لغتها الفكرة ام المفردة؟
● دائماً ما اسأل نفسي هذا السؤال حين اقف على مبعدة ايام من القصيدة انظر اليها والى فكرتها ولغتها واستغربها. واحياناً استهجنها ولا يخلصها مني مُخلص. الشعر امر غامض. نشوء اللغة لدى الكائن البشري اكبر واعمق غموض في الكون. واللغة لدي اشبه بماء عذب من عين ماء نقية في اعلى جبل. به لذعة معدنية وطعم لا يوصف. اللغة والفكرة تمضيان معاً يد بيد. ثمة اشياء مثل الشعر والبصيرة والحدس والتليباثي تدور في اللامدرك. محاولة فهمها غير مجدية. المجدي فقط هو الانسياب معه. الشعر موهبة من العلي القدير وارجو ان نكون به في جادة الصواب ولم نؤذي به احد.
> تأثير الغربة وما صاحبه من وحدة وحنين يطل واضحا في ذات الشاعرة ليلى… ماذا تقول ليلى حول ذلك؟
● وماهي الغربة؟ قد تكونين غريبة عن نفسكِ التي تعرفين حين يأخذكِ الحزن ويضعك امام مرآة فارغة. قد تدخلين مكان كان ولا ترين انعكاسكِ في عيون من به. الغربة ان تغترب الروح فلا تعرف من كانت. الصمت المريع الذي حل بأمي غربة شنيعة. الغربة حين تودين ان تدخلي رأسكِ في جدار او امام قطار كي لا تسمعي نعي ناعية. الغربة التي اغتربت اليها كانت ارحم مما ذكرتُ اعلاه. كانت تحمي ظهري من نظرات مستنكرة او وشوشات متخلفة لأمشي بإستقامة الواثق المرتاح. الغربة التي احتوتني وحضنتني وطببت على قلبي وواستني بلغة اخرى. الغربة احياناً وطن آخر.
> استحضار من غابوا بناصية كلمة وحروف إلكترونية.. بشوق جاثم وحنين لايعرف الا الهطول.. غياب الأحبة وحدته في روح ليلى؟
● لا اراكم الله الغياب. ولا بكيتمُ على (غِيابْ) باللهجة المحلية. احياناً ألمح دم ينز من قصائدي. احياناً تهمس لي قصيدة ما حين اراجعها بأسمِ ما، او يترأي لي وجه في ضباب حروفها من أدمعي. وجهٌ لو رأيته وسط الزحام لعرفته. في قصيدة لمجموعة قادمة اقول:
“كم عدد الطلقات أُماه؟
وانا ارى الكلام حشود على
لسانها المفجوع
وبأي فأس سأقتلع العيون
وكيف سأطوع نفسي على
مضغ الأكباد”
تصوري حجم حزن انبت كل هذا الغلُ والوحشية؟ الحزن انطقني نصوص (بمنعطفٍ من شارع (DeWolf) وكم بكيتُ في ذلك الشارع وانا اعود مهزومة الروح – بعد ان قطعت اميال من الحسبنة – الى بيت ضج من حزني هناك. والي (سكايب) خلى من وجه شقيقٍ قلبه بحجم الكون….
السقيفة الليبية، الجمعة 16 يوليو 2021