كانت الجدة لا تحب أن يغير أحدهم مكان فردتي شبشبها هناك في ركن الغرفة حيث تعودت أن تخلعهما، ومع الوقت اكتشفنا إنها تتّطير من فردتي الشبشب المقلوبتان على وجهيهما معا.. أما إذا كانت فردتيه على بعضهما البعض فتقول اتركوه في حاله فهذا سفر.
كنت وأخي نتخذ من هذا مدخلا للعبث معها لكي نستدرجها لتروي لنا خرافات ما قبل النوم فحين يكون مزاجها سعيدا ولا تعيرنا انتباها نقلبّهما على وجهيهما فتصرخ فينا فنقوم سريعا بتعديل وضعهما وحسب الميزان الذي تحبه. فيتغير حالها فتدّعونا لجوارها.. أما إن كانت منزعجة وهما على حالة الاستواء فنركبّهما على بعضهما على وضع السفر كي تستريح وتبدأ تروي علينا خرافات الرحيل فتأخذنا بعيدا في بحر الحكايات الى آخر الليل.
ذات ليلة كانت متعبة قليلا حسبنا مزاجها كئيبا فسارعنا للركن حيث فردتي شبشبها وجعلنا أحدهما اعلى الاخرى فابتسمت وقالت اتركوهما هكذا هذا سفر واخدتنا لجوارها لتروي لنا كثيراً من عذب حكاياتها حتى نمنا لجوارها.
فجرا افقنا على همهمة كبار البيت وبعض عجائز الحي وكن جميعهن يحطن بها وكانت بعضهن تقرأ القران.
أخدتنا الوالدة جانبا لم تتركنا لسؤالنا فقد سبقتنا بقولها الايام القادمة كونا أكثر تباثا فجدتكما بين يدي الله الان والتحقا فورا بأبيكما.
لم نكن نعي فكرة الموت جيدا حينها لكننا أدركنا أن الجدة سافرت ولن تعود، حين غادرنا الغرفة لنلتحق بالوالد استرقنا النظر للركن حيث مكان شبشبها والذي عدلناه قبل رحيلها المباغت على وضع السفر.. ذهلنا فقد كان الشبشب والبعيد عن صخب المكان ليس على الحال الذي تركناه عليه.. كانت فردتاه في غاية التوازن والاعتدال والذي تحب الجدة ان ترتبهما عليه كلما خلعتهما بل بدقة أكثر كانتا وكأنهما توازنا بالمسطرة.. بل تماما بالانضباط والدقة نفسها التي كان سيقف بها جندي مجهول الهوية والرتبة في فصيل الاعدام.
النص الخام 2019.. هنا بعد التعديل.