إبراهيم ازريق
الشجر والحجر والعشب والطير كلها تحبك، فما بالك بنحن الذين سقينا أرضك المقدسة بدمائنا فسبحان من زرع فينا القلب لنحب وجعلنا لا نرى سواك.
وأنا جالس وحدي وأتذكر أحزاني وكل الدنيا ضاقت بي. وقف فوقي طير جميل أظنه صقرا لكنه غريب الشكل كأنه خلق من جمر وجمان، ومن الدهشة قلت: يا الله ما أجمل هذا الطير! رد الطير قائلا: شكرا!
قلت باستغراب شديد ودهشة: كيف تنطق وأنت مجرد طير؟
قال لي: أنا أنطق من دهشتي مما رأيت وسمعت وعشت!
قلت: كيف، وماذا رأيت؟
قال: سأروي لك قصة سبع سنوات، ولكن سأحاول أن أختصر عليك.
قلت: قل فانا أستمع لك!
قال: وأنا أجلس فوق الشجرة منذ ما يقارب السبع سنوات في مدينة لم أرى قبل مثلها، في جمال مناخها وأناسها، وطيبة قلوبهم، لكن في ذلك اليوم كان هناك ضيوف أتو إلى المدينة سمعتهم يتحدثون في مكان يدعى القاعات (الامانات)، مكان جميل مثل الحصون في القرون الوسطى، كانت المدينة قد تحصلت على لقب عاصمة الثقافة. وأنا كما قلت لك أستمع لهم قالوا: (يجب أن نجعل من هذه المدينة مدينة أشباح لأنها لو بقت ستكتسح هذا البحر المتوسط)، وأنا في ذلك الوقت مازلت لم أنطق قلت لنفسي (يا الله أرجو أن لا ينجحوا في هذا)، فهذه المدينة عروس البحر المتوسط لا أريد لها الدمار ولا لأهلها الضرر.
وبعدها بسنة رأيت طيورا في السماء، لكن ليست مثلي، بل هي مصنوعة من حديد، تهدم وتحرق تلك المدينة وتدمرها فلم يعد إلا السواد يخرج منها فرحلت إلى مكان آخر ليس بجمالها، لكن جيد وآمن، رغم ذلك مازالت في ذاكرتي تلك المدينة الفاضلة.
رجعت بعد مرور ثمانية أشهر، وجدت المدينة تكاد تكون مثلما كانت، استغربت كيف تحول هذا السواد إلى جمال ورجعت هذه الأرض من جديد قلت إنها محض صدفة! وأنا أبحث عن بيت جديد، فبيتي الأول قد تدمر وجدت مكانا في بيت من بيوت الله أسمع صوت الأذان والتلاوة، وبدأت المدينة ترجع بسرعة لم أعلم من ماذا وكيف ردت سريعا؟ وأنا في بيتي سمعت صوت أناس يتحدثون شعرت مثل شعوري عندما سمعت أولئك الغرباء قبل ثلاث سنوات.
لكن لم يكونوا غرباء في الشكل فهم مثل أهل هذه المدينة في الظاهر. بعدها بفترة أصبح مع هؤلاء الغربان السود أناس غرباء كان بينهم الود كأنهم إجتمعوا على شي. قالوا: (يجب أن نجعل هذه المدينة رمادا وهذه هي الأوامر علينا أن نفعلها بحجة الدين حتى يزيد الدمار!). يا الله لا تجعل هؤلاء الغربان السود يفعلون هذا! بدأت الحرب وبدأ الدمار ورجعت المدينة خرابا لا حجر ولا شجر واقف، رحلت كما فعلت المرة السابقة.
مرت سنة وأنا بعيد عنها، عن بيتي رغم أني أحلق في السماء إلا أني مسجون في حزني بسبب دمار تلك المدينة، وفي أحدى المرات قلت: يجب أن أمر عليها لأرى تلك المدينة، ولو وهي مدمرة!
ذهبت وعندما رأيتها اندهشت؛ وجدتها أجمل مما كانت قلت كيف هذا كيف تحولت تلك الأرض المدمرة إلى جنة مرة أخرى، وأنا أحلق في سمائها نظرت إليها وجدت يمدون لها العون ويتساهلون ويتعاونون فيما بينهم علمت أن المدينة تنهض بفعل أهلها وشبابها وهم كل يوم يثبتون رغم حقد الغرباء إلا أنهم يد واحد لا يقبلون القسمة في مدينتهم، فعندما تكون الحصون مبنية فوق الجبال لا يكون الأعداء إلا حجر من ذلك الجبل. فنطقت أول مرة وقلت:
يا عروس البحر أنت لا تغرقي.. من جمالك الأعداء حاول التصيد
يا عروس البحر اسجدي.. فالله بك حافظ من حقد الأعداء وظلمهم
عروس البحر طوفي فوق بحرك
فكل من حاول صيدك تم صيده
فلا تخافي فأنت من أهلك مرضية لا يرونك إلا الأبية.
: يا الله يا أيها الطير ما اسم تلك المدينة؟ التي أنت تتحدث عنها وعن كرم أهلها وحبهم لها!
قال: المدينة الفاضلة التي جمعت جمال مكانها ونقاء أهلها وطموح شبابها رغم دمارها الذي يحتل جزء منها!
: ما اسم تلك المدينة التي تتحدث عنها أيها الطير؟ أرجوك قل لي ما أسمها لأذهب إليها وأراها؟
: اسمها (سرت)!!