مقتطفات من مخطوط (الموت) – عن صفحة سليمان سالم كشلاف
سليمان كشلاف
ها هو بعض من الرجاء يتحقق، وبعض الفرج يحيط بالجسد بفضل هذه الأقراص.
ها هو الماء يصبح أكثر برودة، والظلام أقل سواداً، والفراش أكثر ليونة، والكلمات تبرق بألوان، وبسمات الأطفال تزداد جمالاً، ويكون اختراق الشهب النارية والخوازيق والأمشاط الفولاذية التي تحفر في العظم وصواريخ الجراد تنطلق جملة مرة واحدة تخترق نخاعي لتتفجر فيه، لكنه اختراق وتفجّر يبدو محتملاً، وابتسامة من الراحة ترتسم على الشفتين، وذلك المسكن يسري في حناياي، يبرد صهد الانفجارات، ويعطي لرائحة الكبريت والفحم الحجري المحترق بعضاً من روائح أخرى، قد لا تفتح الرئتين لاستنشاق الهواء على مداهما، لكنها على الأقل تغير شيئاً من الهواء البركاني.
يصبح للألم سقفاً، حتى الآن حدث ذلك، لكن الفعل التدميري للوحش وخلاياه يستمر، سواء أحسست به أم لم أحس، سواء تألمت منه أم لم أتألم، انفجار قنابله في جسدي وتدميره للقائم من صلب هيكلي غايته، يريد أن يركعني، يريد أن يجعلني كرة تدور، تتمطى، تتشقلب، تتقلب، والتدمير مستمر، ومخالب الخلايا المتكاثرة تزداد وتنشب أكثر، في الجسد، لحماً وعظاماً وأعصاباً، وفي الروح حالة يأس تنعكس سريعاً على الجسد الواهن الذي أخذ منه الهزال نصيباً كبيراً ولا زال يأخذ في كل يوم نصيباً أكبر
كعواء الذئب ينطلق الصوت، جامعاً كلّ المتضادات فيه. خافتاً. عالياً، متقطعاً مستمراً، فيه حياة وفيه موت، فوران نار وبرودة ثلج. كأنه مزروع ألماً، كأنه مزروع نغماً، يقود إلى مقبرة، أو مجزرة، أو ينابيع من الدماء تتفجر من سطح الأرض على شكل عيون وينابيع.
يزداد الجسد انكماشاً، تزداد الأصابع تشابكاً، والإبر تتوغل أكثر، إلى حيث تصل غايتها، والعواء يلف الجسد، يتشرنق حوله فيصنع عازلاً بينه وبين الآخرين. مساحة من الوجع ما بين السماء والأرض، تضيق وتضيق وتضيق، والعواء يمتدّ، يطوف ويطوف، بحراً يكون، جبلاً يكون، ألماً يكون، فيما يتقرفص الجسد من جديد، يتناثر بدءاً، يتفجّر ويتلاشى. يعود ليتجمع من جديد، كتلة من الألم واللحم والعظم والعواء، يهدأ النَّفس تنتظم شحنة الألم، وفي نهاية النفق تشع حزمة من نور. وشهادة تصدر للنخاع بالبراءة
لم يزل (حصان طروادة) في داخلك، وقد هزمت من قبل أن تنشب المعركة.
صحيح أن الوحش أحال غاباتك صحاري، ومدنك خرائب، وحركتك خمولاً، ونشاطك سكوناً، لكنه لم يستطع أن يقهر روحك، رغم الصحاري والخرائب وكل النكبات التي انتشرت في سهولك لا زال القلب عامراً بالحب، والفرح، والأمل الذي يفرش طريقاً للمستقبل.
حسناً، ها هي اللحظة قد انقضت، دعها تسير بهدوء الآن إلى درجة الصفر. انتفض كعصفور، قم كصقر، حلق بجناحيك كباشق، فالسماء للنسور، وجحور الأرض للدود. وقد كنت دائماً ترنو إلى السماء وتشب إلى الأعالي.
قم، لتصنع مع الآخرين المستقبل.
لا زال القلب عامراً بالحب
ها هي ذي اللحظة التي ظللت تهرب منها طويلاً، اللحظة التي أحسست أن عدوك يتمكن منك دون أن يسيل قطرة دم واحدة ليقضي عليك بالضربة القاضية، وأنت غائب بين لحظة صرت تخشاها ولحظة تسير إليها ونظرة شفقة تقلب كل دفاعاتك ودروعك وقلاعك سهولاً مفتوحة، تلمسها في نبرة الصوت، في السؤال، في دمعة تحسّها تكاد تطفر من عين أخيك.
ها هي اللحظة المهينة التي كنت تتمنى أن تعيشها وحدك وتموتها وحدك وظللت تهرب منها من عيون أبنائك، من عيني زوجتك، من عيون اخوتك، أولاداً وبناتاً، هربت وظللت تهرب ولا زلت تهرب، لتبقى دائماً في عيونهم وفي عقولهم وفي قلوبهم، ذاك القوي، الصلب، الذي يقف ويواجه ويحارب كل الكون وهو يسير على خط مستقيم.
ها هي اللحظة التي تهزمك تحل، لتنهمر السماء بالمطر، ولتسقط كل دفاعاتك التي صنعتها، وحافظت عليها بقوة وأنت تخطط للمستقبل، لأشهر قادمة، وتضع يدك في يد الطبيب لتكون سنوات ممتدة من عمر مديد.
لم يزل (حصان طروادة) في داخلك، وقد هزمت من قبل أن تنشب المعركة.
صحيح أن الوحش أحال غاباتك صحاري، ومدنك خرائب، وحركتك خمولاً، ونشاطك سكوناً، لكنه لم يستطع أن يقهر روحك، رغم الصحاري والخرائب وكل النكبات التي انتشرت في سهولك لا زال القلب عامراً بالحب، والفرح، والأمل الذي يفرش طريقاً للمستقبل.
حسناً، ها هي اللحظة قد انقضت، دعها تسير بهدوء الآن إلى درجة الصفر انتفض كعصفور، قم كصقر، حلق بجناحيك كباشق، فالسماء للنسور، وجحور الأرض للدود. وقد كنت دائماً ترنو إلى السماء وتشب إلى الأعالي.
قم، لتصنع مع الآخرين المستقبل.
وتبدأ تلك المسامير الحديدية الدقيقة، على شكل حقن، أو على أشكال أخرى لم أرها، تخترق الجسد، رويداً رويداً تمهيداً للاختراق الكبير الذي سيتم لأخذ عينة من النخاع الشوكي في العمود الفقري.
سوائل طهّرت المكان، سوائل اخترقت المكان لتوصل سائل التخدير مسافة أعمق في الظهر، يمر محرقاً، ما بين الصلب والترائب، ليمهّد لدخول الحقنة الأكبر، التي تدخل العمود الفقري ساحبة معها جزءاً من النخاع. ساحبة معها في الوقت نفسه جزءاً من الأوجاع التي خلفتها وهي تخترق طريقها في اتجاه قلعة العظام.
كعواء الذئب ينطلق الصوت، جامعاً كلّ المتضادات فيه. خافتاً. عالياً، متقطعاً مستمراً، فيه حياة وموت، فوران نار وبرودة ثلج. كأنه مزروع ألماً، كأنه مزروع نغماً، يقود إلى مقبرة، أو مجزرة، أو ينابيع من الدماء تتفجر من سطح الأرض على شكل عيون وينابيع.
يزداد الجسد انكماشاً، تزداد الأصابع تشابكاً، والإبر تتوغل أكثر، إلى حيث تصل غايتها، والعواء يلف الجسد، يتشرنق حوله فيصنع عازلاً بينه وبين الآخرين.
مساحة من الوجع ما بين السماء والأرض، تضيق وتضيق وتضيق، والعواء يمتدّ، يطوف ويطوف، بحراً يكون، جبلاً يكون، ألماً يكون، فيما يتقرفص الجسد من جديد، يتناثر بدءاً، يتفجّر ويتلاشى. يعود ليتجمع من جديد، كتلة من الألم واللحم والعظم والعواء، يهدأ النَّفس تنتظم شحنة الألم، وفي نهاية النفق تشع حزمة من نور. وشهادة تصدر للنخاع بالبراءة.
عن صفحة: سليمان سالم كشلاف