طيوب النص

خواطر الميت الحي العشر

 

20120519_061715

( 1 )

سأنطبقُ على نفسي ، أتشممُ أثر عرقي  ، أنحني على دمعتي ، أسكبهما في كأسٍ من الكرستال المنبوذ ، أخمـّرهما ، أعتقهما ، و من ثمّ سأغيب وسطَ هالاتٍ من السُكر و النشوة و اللذة اللانهائية … الإحساس بالانطباق سيفتعل في أشياءٌ ستحبذها نفسي ، ربما سأحبُ أن أكره أو أكره أن أحب ، ربما سأتمنى أنّي لو كنتُ قطرةً من هذا السُكر لأضيع في زجاجة تضيعُ في جوفِ حوت يضيعُ في البحر يضيعُ في النزوح ، ربما سأخترق جِدار صوتِي و أتجرد من ملابسِي المشئومة ، أجلسُ عارياً إلا من نفسِي ، و أظلُ أبكِي ، أتعرق ، أسكبُ الخليط في الكأس و أسكر بما تبقى منّي ..

( 2 )

سأنتمي للموت ، سأحاول قدر الإمكان أن أختار طريقة موتي ، في أغلبِ الأحوال سأتقيأ دَمِي و أتخلص من عروقي … و أنامَ في صمتٍ أبديْ واقفاً كشجرةِ سرول نُزعت منها الحياة ، سأنتمي للموت ، في أغلبِ الأحوال سأنزع قلبِي لأرسله بالبريد الإلكتروني كسخام أزعجُ به مستخدمي الانترنت ، و سأنام في صمتٍ أبديْ راقداً و يدايْ فوق صدري دون خوف من جاثوم يمكن أن يوقظنِي على هذه الحياة مجدداً ، سأكفنني بعناية ، أحمل عنّي تابوتي ، أحفرُ قبري عند جرفٍ تتلاطمه أمواج البحر  ، أموتُ ببطءٍ بين المد و الجزر ، أبصقُ في وجه هذه الحياة .

( 3 )

سأرفعني عالياً جداً ، أهبط بي سافلاً جداً ، أدوّرني ، أكوّرني ، اقرأ لي قصيدةً من شعرِ درويش ، ثم سأروي لي حكاية من حكايات جُحا ، أضحكُ … أبكي ، أستمرُ في شرب القهوة ، سيخطر ببالي أن أتنفسَ رائحة البنزين ، سأراقب سحنتِي المشبوبة بالأدران عند المرآة المتكسرة ، أنتفخُ .. أنتفخُ … أنتفخُ ، أتفجر ، أتوزع على هذه الأرض ، لأصبحَ في أرضٍ ما زهرة ، في أرضٍ أخرى شوكة ، في أرضٍ أبعد منهما ربما سأصبحُ كرةً من الروث المشبع بماءِ المطر ، ربما سأكون شيئاً آخر غيري .

( 4 )

هذا السراب المنطفئ يشعلُ في تُرهات غبية ، يفتعل في الرغبة في الـ…. و الـ….. و أشياءٌ أخرى أكثر ضراوةً على فؤادي ، أرى الحياة قصيرةً جداً بقدر أنّ كوب شاي بالياسمين سيستغرق وقتاً أطوَل للاستمتاع بهِ منها ، أتتبعُ غُرز  جُرحٍ عميق يتكلل صدري به ، أحـاول أن أفض الغُرز ، ينسل الخيطُ البلاستيكي من بين جلدِي المُـتعفن بالارتباك و مع كل غرزة تُنتزع تختفي صورة من صورِ دنيايْ ، صورة لطفولة كاذبة ، صورة لمراهقة ذهبت على عُجالة ، و صورة لشباب لم يكتمل … أو لم يشأ أن يكتمل فقفز بسرعة إلى شيخوخة أحقر من الشيخوخة .

( 5 )

أنـزع قميصي ، أنزع حذائي ، سأنزعني …

( 6 )

كنتُ ، أكون ، سأكون أو ربمـا سأتكوّنُ من جديد ..

( 7 )

سألقي بوصيتي في وجوه الجميع ، ستكون وصيتي أن لا يتذكرني أحَد ..

( 8 )

آخذُ نفساً … أتكئُ على أريكتي ، و أظل أسحبُ بناظريْ السقف إلى الأسفل حتى ينطبق على صدري تماماً ، من ثمّ أنام غير خائفٍ من أن يسقط في غفلةٍ من زمن على جسدي المُفتت …

( 9 )

لستُ أنا من يقرر ، وإلا لما اخترتُ أن أكون هنا ، معي ، لَكِ ..

( 10 )

سأنطبقُ على نفسي ، أتشممُ أثر عرقي  ، أنحني على دمعتي … و سأنزعني .

مقالات ذات علاقة

الوطن في أعين الكادحين

علي بوخريص

الشارات الحمراء

منى الدوكالي

كيف لي أن أتنازل عن مكانتي؟

خيرية فتحي عبدالجليل

اترك تعليق