صحوتُ ذات صباح
كنتُ أعلى الخِزانة ضئيلا
وبقفزةٍ واحدة
أصبحتُ ملتصقًا بالمرآة
أشاهدُ الأشياءَ بوضوح
لكن بذاكرةٍ صغيرة
أرى البيوتَ تنتصبُ بلا هوية
والشوارعَ مساربٌ لا تنتهي
كلُّ شيءٍ يبدو ضخمًا
أو مُرتفعا
أو يتماهى في الفراغ
لا أعلمُ كيف تحولتُ إلى حشرة
لها القُدرة على الطيران
والمكوثُ قليلا على موائدَ الحُقراء
تتحسّسُ عقولَهم الموبوءة
وأن تحطَ على أنفِ من شاءتْ
على القصور المُترعة بالتخمة
على الأرْصفةِ التي تشْتكي أقدامَ الحُفاة
بين المقامرين على لحْظةِ فرح
لاحتضانِ رغيفِ خبزٍ بحباتِ العرق
في المخادعِ المُزدحمة بحُمَّى الغرائز
بين الأفخاذ المُكتنزة من طولِ المكوث
على السرائرِ الوثيرة
في عقولِ من يبيعون الأكْفانَ للتعساء
بأي ثمنٍ، ويرددون:
كل امرئٍ عند الله بما كسبَ من مِحن
أنا الآن تقلّصتُ بحجْمِ ذُبابة
اجتازُ الفراغَ خفيفًا
لا أحد يُعيرها انتباهًا
لكنها
تعلم أنَّ الفقيرَ يقْتاتُ على جوفه الضامر
مركونٌ على أرْفف النسيان
وأقنعوه أن الفقَر ليس عيبًا
وأنه طريقُ الصابرين
تعرف أنهم أوهموه
بأن الدنيا الصبرُ على من غلبْ
والحياة لِمن استغنى
الجُرفَ تحول إلى غُراب
يصلُ نعِيقه أسماع الفقراء الغافلين
الحمائمَ اعتادتْ البُكاء
ولم تعد قادرة على الغناء
وظلال الأشجارِ تلاشتْ
والشمس أصبحتْ عارية
غرقَ نورُها في كهوفِ الظلام
فأشجار الزيتون تلك
لم تعد مُعمرة كما كانتْ
اعتادتْ الصمتَ وحيدة
ثم احترقتْ أغصانُها
وسطَ هذا الجنون
المنشور السابق
المنشور التالي
عاشور حمد عثمان
عاشور حمد عثمان، من مدينة درنة.
ليسانس آداب وتربية، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة بنغازي1987م.
شارك ببحوث في مؤتمرات علمية عن الأدب والنقد في ليبيا.
صدر له: (انكسار) شعر، (الرقص على قدم واحدة) شعر.
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك