التشكيلية دينا القلال
حوارات

دينا القلال: كثيرة هي الأقنعة ولكن الحب ليس قناعًا نرتديه

حاورتها: حواء القمودي

«الحرب مرت من هنا».. هكذا عنوان لابُدَّ أن يستوقفني، وهي دينا القلال التي جمعت كل آثار الصواريخ والرصاص الذي انتهك حرمة بيتهم في بنغازي، لتمنحه الضوء فيغدو حاملًا شمعة تقول الأمل، وبين الفوتوغراف والتشكيل تنوس هي المبدعة، باحثة عن صدى حكاياتها وراصدة خطوات تشي بالجمال والفن.
 في هذا الحوار حاولتُ أن أعرف بعض الخبايا من مسيرة إبداع فنانة ليبية، تضيف لرصيدهن المبدعات الليبيات الرافلات فيوض اللون، الناسجات ثوب بلادهنَّ ليبيا، والمطرزات «جُلْوتْهَا» بأنامل من فضة.

التشكيلية دينا القلال
التشكيلية الليبية دينا القلال (الصورة: عن تاناروت)

معرضك الأول دون عنوان وهو مزيج فوتوغراف وتشكيل.. ما تعليقك؟
معرضي الأول كان في 2010 وكان من غير عنوان، لأنه أول مغامرة لي ومعرض شخصي، وأنا التي لم أكن على تواصل مع فنانيّ بنغازي، كنت أرسم من سنوات ومَن يرى أعمالي يبدي إعجابه، ويتساءلون: لماذا تظل أعمالي حبيسة لديّ ولا أقيم معرضًا، وكنت شغوفة بالتصوير أيضًا، وهكذا جاءت هذه القفزة كي يرى الآخرون هذا الشغف، التصوير كان جزءًا صغيرًا لأني كنت أتعلم ومازلت أيضًا أتعلم، قررت أن أغامر وأُقيم هذا المعرض على حسابي الشخصي وكان مكلفًا، والجمهور الذي حضر كان بدعوات شخصية، وأصدقاء وصديقات قاموا بدعوات لأشخاص، والحمد لله الحفاوة والاهتمام اللذين قوبل بهما منحاني شعور الغبطة.
وبالنسبة لي هذا المعرض الأول كان تجربة مهمة، وكانت اللوحات مختلفة وبخامات متنوعة، بقلم الرصاص والفحم والباستيل، والزيتي والإكريليك وطباشير والمائي، والمدارس متنوعة، تجريدي وواقعي، وأغلب اللوحات التجريدية استهوت الكثيرالذين اقتنوها، كنت غيرمطلعة، ولم أرَ معارض وتجربة إقامة معرض خاص كانت صعبة، ولذا كان دون تسمية، ولكن يكفي أنه معرض باسمي.

وبعد هذه القفزة كما قلت، بعد المعرض الذي هو باسمك، ما خطوتك أو خطواتك التالية؟
 الخطوة التالية صارت الثورة، وانشغلت كمتطوعة في اللجنة الإعلامية للمجلس الانتقالي، وتم التواصل معي للاشتراك بثلات لوحات في معرض بعنوان (جرائم الطاغية)، شاركت بلوحة اعتبرها «دموية شوي» ليدين بالأحمر وفيها سواد وأيضًا الأبيض، وكأن اليدين تريدان الوصول إلى البياض، وأيضًا لوحة الطفل الخائف «اللي لابس شنة» ورسمتها بالقلم الرصاص وكانت هذه اللوحة عن صورة للمبدع (خيري شعبان). وبالنسبة لي لم أتوقف عن الرسم وأن أطوّر نفسي في التصوير.

معرض مشترك في 2013م، ثم توقفت خمس سنوات حتى معرضك «الحرب مرت من هنا»!
نعم كان معرض مشترك مع مصورين فوتوغرافيين، بالتعاون مع وزارة الثقافة وجمعية مصوريّ بنغازي، والتوقف كان لانشغالي بتأسيس «ستوديو» خاص للتصوير، الفوتوغراف والفيديو للأطفال، وأيضًا لنشاطي في المجتمع المدني، وإدارتي لمكتب منظمة «كريتف» ومديرة مكتب بالمركز الثقافي الفرنسي، ومديرة مكتب بمفوضية المجتمع المدني، ثم انضمامي كعضو مجلس إدارة لتجمع تاناروت للإبداع الليبي.
وأيضًا تركنا بيتنا في منتصف 20144م بسبب الحرب في بنغازي، «الحرب مرت من هنا» هو نتاج غيابي عن بيتي لمدة أربع سنوات، عند عودتنا «لقينا حوشنا مضروب بصاروخ» الذي أحرق جزءًا كبيرًا منه، والمعرض كان صورًا عن خصوصيتنا التي انتهكت، الحرب ليست فقط مباني مدمرة، فالصور هي من تفاصيل داخل البيت كيف أثر فيهن هذا العدوان بصاروخ، أردت أن أظهر الجانب الشخصي من الحرب، وأثناء المعرض تحدث معي الكثير من الناس الذين عاشوا نفس هذه المأساة، فكما قالوا رأوا مناظر شبيهة في منازلهم وشكروني لأني وثقت هذا الوجو «حكيت» عنهم، وهذا المعرض أهديته إلى من اعتبره أخي الصغير «توفيق بن سعود»، الذي اغتيل أثناء هذه الحرب.

معرض الحرب مرت من هنا للمصورة الفوتوغرافية، الفنانة دينا القرق.
معرض الحرب مرت من هنا للمصورة الفوتوغرافية، الفنانة دينا القرق.

«الحرب مرّت من هنّا» ولكنك استطعت أن تحيلي قبحها جمالا.. صحيح؟
ربما، أردت أن أحتفل بالحياة، وأن ترصد عين الكاميرا الجمال، هل تُخلف الحرب جمالًا!، الكاميرا رصدت أشياءً حميمة انتهكت الحرب خصوصيتها، لكنها قاومت بالحفاظ على روحها، لقد كانت الصور بالأبيض والأسود، ولكن اللوحة التي تصدرت المنتصف هي بطريقة «ميكسد ميديا»، كل قطعة في هذه اللوحة جمعتها من أثار الحرب في بيتنا، هي باللونين الذهبي والأسود رصاص وأشياء أخرى تساقطت نتفا، أشياء احترقت فجمعتها لأصنع منها هذه اللوحة.
في فضاء «تاناروت» كان افتتاح هذا المعرض بشكل متميز، حيث أغلفة الرصاص المضاد للطائرات تغدو حاملات شموع، ومعزوفة موسيقية تقول إن دقات الطبول غناء للمحبة والسلام، محمد بوسنينة وفرج السليني وهما منكبان بحواسهما كلها، يقرعان أبواب الأمل ويخبرا عن هذا الألم الذي حتما سيغدو ذكرى، «تاناروت» تجمع للإبداع الليبي، وهي من أعضاء الإدارة في هذا التجمع، يعملون معا لانجاز الأجمل وللتعبير عن رؤى وأفكار يحتضنها هذا الفضاء الفسيح، والشموع التي احتضنتها أغلفة الرصاص كانت فكرة للأستاذ المبدع «محمد الترهوني»، ولتبدأ المبدعة دينا خطوتها التالية، فاللوحة التي جمعت فسيفساءها من بقايا رصاص وما احترق وصنعت منها موازياً يقاوم بالفن، جعلتها تفكر في هذا الفن «الميكسد ميديا» وكيف بإمكانها هي كمبدعة أن تضيف لتجربتها، وأن تقول حكاية أخرى.
«انعكاس» معرضك الذي كان نسيجاً آخر، وحكاية منقوشة من فكرة وحنين وكثير من الشغب.. فماذا عنه؟
 لنبدأ الحكاية من البداية، الفكرة انبثقت عندما جهزت لوحتين أبيِّن فيهما شخصيتين مختلفتين، فكرة أننا نعيش في عالم يضطرنا أن نلبس أقنعة مختلفة، وحتى هذه الأقنعة تتمايز، فهناك الجيد وهناك السيئ «رغم أنها أقنعة» وأني من خلال هذا أعبِّر عن الكثير من الآخرين، والفكرة لدي أن يشعر الذي ينظر إلى هذه الأقنعة، أن واحداً منها أو مجموعة أقنعة تمثله ربما، استمتعت بالفكرة والعمل، وجهزت خمسة أعمال وفي فضاء «تاناروت» مع المبدع محمد الترهوني والعزيزة ميسون صالح، واثنين آخرين، أخبرتهم أني «حابة اندير معرض بالفكرة هذي»، أعجبتهم الفكرة وشجعوني كي استمر، وشعرت بإلهام كبير وواصلت العمل، تصوري حتى آخر يوم وقبل افتتاح المعرض، أتممت لوحة بفكرة جاءتني بآخر لحظة (مجموعة أقنعة متصورة من الجنب باللون البرونزي).

إذا معرض بعنوان «انعكاس» بفن «الميكسد ميديا» والذي هو تجميع لأشياء قد تكون متنافرة ولكن عبر اللوحة تتآلف..هل واجهت صعوبة ما؟
 أولًا بالنسبة للفكرة كان كلّ شيء مختمرًا في عقلي وروحي وبين أناملي، الصعوبة كيف تكون الفكرة عن القناع «فنية»، وواجهتني بداية صعوبة لأن أغلب المواد التي أحتاجها غير موجودة بالقرب مني، ولكن هذا التحدي ترك مكانًا للإبداع، وحاولت «اختراع» خامات ووجدت بدائل، لأن فن «الميكسد ميديا» يمنحك الحرية في استخدام الخامات والمواد لإنجاز فكرتك، ولهذا ستجديني استعملت كل المتاح، ورق الجرائد وأغلفة البيض، الأقلام أشرطة مسموعة و(CD)، الفكرة الملهمة هي التعبير عن كمّ الأقنعة المحيطة بنا، والتي نضطرأيضًا للبسها فوق وجهنا الحقيقي.

لوحة البداية كأنها تحمل الكثير من فكرتك في «انعكاس».. صحيح؟
الفكرة في هذه اللوحة أن المجتمع أو المحيط يفرض علينا في كثير من الأحيان، صناعة قوالب لأقنعة لارتدائها، ولإخفاء بعض من حقيقتنا، نحاول المقاومة في البداية حيث اليدان تحاولان انتزاع الإنسان من هكذا «عنف ربما» أو آلية الفرض، ولكن حتمًا ستتم قولبتنا وسنرضخ، هل الأقنعة كلها سيئة؟ هذا سؤال ضمن الأسئلة الكثيرة التي حاولت البحث لإجابة عنها، وأيضًا هل يقاوم البعض منا هذا أم يتماهى معه، وحتى حين تأتيه فرصة التحرر ولكن لا يجد الجرأة أن يفك هذا القيد.

هل هذا ما تحاول حكايته لوحتك «باللون الأزرق» حيث القفل والمفتاح والوجه المقيد بسلك حديد؟
نعم، لاحظي المواد بسيطة، استعملت سلك حديد كأنفاس بين ألوان أكريليك ولون سبراي فضيًّا، والقناع صنعته بكرتون البيض، والفكرة هي الشعور بأنك مقيدة ولكن ثمة المفتاح الذي يراودك من أجل التحرر ولكن هل تجرؤين؟ وربما تقرأ هذه اللوحة أو غيرها بمنظور مختلف، البعض قال لي ما رأى، وكان «وصفهم جميل» رغم أنه مختلف عن رؤيتي وفكرتي، لكن هذا هو الفن، يستطيع الجميع أن يجدوا أنفسهم في فضائه، ومع لوحة البداية في المعرض لاحظي أن ثمة قناعين بحجم كبير معلقين وهناك مرايا ستقابلك عند الانتهاء من جولتك، وكل مرآة إذا تمعنت بها جيدًا ربما تقول لك: أي قناع تلبسين الآن؟

الأجواء كانت متميزة في هذا المعرض كما في «الحرب مرت من هنا».. ماذا عن ذلك؟
كالعادة لأن «تجمع تاناروت» فضاء للفن والإبداع، فكان الافتتاح بهذا الجمال، الشاعرة المتألقة رحاب شنيب ألقت كلمة الافتتاح، هذه الكلمة التي أبدعها الأستاذ محمد الترهوني، وكان إلقاء النص على إيقاع «درامز» بتوقيع المبدعين محمد بوسنينة وفرج السيليني، عدد اللوحات في المعرض ثلاثون وأربعة أعمال مجسمات، كنت أحبّ زيادة اللوحات لأن الأقنعة في حياتنا «واجدة».
أنظر إلى اللوحات والأقنعة التي تقول بعضًا منّا حتى إن حاولنا التملص، وبعض يقول حنينًا متربصًا ليظهر من

طفولة القلوب، لوحة «أشرطة موسيقية» قبل طغيان الـCD.. ماذا عن ذلك؟
الفكرة كانت فعلاً حنينًا لطفولتي والبساطة التي كانت، وعبارة «البشر كلهم كاذبون» التي كانت في لوحة منسوجة بورق الصحف والأقلام قناع ونظارة وكلمة BOOKS)).. هذه لوحة تعبر عن شخصيتين، ولكن قد تفسيرينها من منظورك، هناك الحقيقي الذي يعشق الكتاب والقراءة، وهناك مَن يتصنع الثقافة.
لوحات ولوحات.. أقنعة متجاورة أو متصارعة، ضاحكة وباكية، غاضبة أو متنمرة، بلهاء ضاحكة أو مشروخة بالألم، ولكن الفنانة دينا القلال، البنت التي في زهوة العمر.. أين مقاربتكِ لهذه العلاقة الإنسانية: الحبّ؟ 
ربما لأن الحب ليس قناع يُرْتَدى.


السيرة الذاتية
دينا عبد العزيز القلال/ 1984.
المؤهل العلمي/ ليسانس آداب لغة إيطالية.
معارض
معرض شخصي للفن التشكيلي والفوتوغراف 2010.
معرض مشترك مع فنانين تشكيليين بعنوان «جرائم الطاغية»2011.
معرض مشترك مع مصورين فوتوغرافيين بالتعاون مع وزارة الثقافة وجمعية مصوري بنغازي 2013م
معرض شخصي للتصويرالفوتوغرافي بعنوان «الحرب مرت من هنا» 2018م : بنغازي – قبرص 
معرض شخصي لفن «الميكسد ميديا» بعنوان « انعكاس» 2018م

مقالات ذات علاقة

التشكيلية نجلاء الشفتري :عنونة اللوحة بمثابة بوابة للولوج لعالمها واكتشافه

مهند سليمان

بصراحة مع الأديبة شريفة القيادي: هي ليبيا هي ليبيا رب يحفظها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها

المشرف العام

سالم العوكلي: ما عدّت أثق في الكلمة

محمد الأصفر

اترك تعليق