تنتقل الكاتبة الليبية آمال فرج العيادي بين أجناس الإبداع، انتقالا سريعا، لا يمكن القارئ من تصنيفها إلى جنس إبداعي معين، فمن الشعر إلى القصة القصيرة، ومن القصة القصيرة إلى التشكيل، ومن التشكيل إلى الشعر مرّة أخرى، ثم إلى عالم إبداعي جديد لم تخض فيه من قبل وهو الرواية، وذلك عبر إصدارها أول رواية لها بعنوان “قسامي”، و”قسامي” اسم شعبي ليبي مشتق من القسمة والنصيب.
في هذه الرواية التي نستطيع أن نصنفها إلى عدة فروع من فروع الرواية أقربها السيرة الذاتية، حيث تستعرض الكاتبة قسما كبيرا من خارطة طفولتها وشبابها مؤثثة سردها الروائي بتنويعات عديدة من التراث ومن الألعاب الشعبية، ومن عوالم الطفولة في الشارع والمدرسة، مارة على عدة مفاصل تاريخية عاشتها البلاد وأثرت في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الليبية.
في هذه الرواية تقدم الكاتبة عالم الطفولة وعالم المرأة من خلال طرح شخصيتها على محك السرد واستدعاء شخصية أمها “قسامي” وجعلها في كثير من أجزاء الرواية الشخصية الرئيسية طارحة الرؤى الكثيرة في الحياة بأسلوب غير وعظي، إنما بأسلوب سير الحياة بصورة طبيعية، ومن خلال هذا السير ورصده يمكننا من اقتناص بعض العبر أيضا بصورة طبيعية.
تركز الرواية على عدة ظواهر اجتماعية منها تعدد الزوجات، وفقد الأم، والمعاناة مع زوجات الأب، وكل ذلك التركيز جاء عبر أسلوب الكاتبة القديم الذي انتهجته أثناء كتابتها لقصصها القصيرة التي صدر بعضها ضمن مجموعتها “بقع ظامئة” في حضني الصادرة عن مجلس الثقافة العام وهو الابتعاد عن الترابط، وتشظية الحكايات، والانتقالات الزمنية الفجائية وتعدد لغات السرد من سرد محكي شعبي إلى فصيح إلى سرد بواسطة الشعر القريب من قصيدة النثر وغيرها من التقنيات التي لا يستخدمها كتاب القصة الملتزمين بقواعد كتابة القصة القصيرة الخاضعة لثلاثية البداية والوسط والنهاية أو لحظة التنوير.
الرواية مكتظة بالأجواء التراثية الشعبية الليبية من خلال تطرقها إلى الموروث الشعبي من أغان وألعاب وعادات وتقاليد تمارس في الأعياد الدينية والوطنية وفي المآتم والأفراح وحفلات الختان وجز صوف الأغنام وذلك من خلال بث الكاتبة لمشهديات من هذه الظواهر الاجتماعية التي عايشت أكثرها.
هذه الرواية كانت ضمن الأعمال الروائية التي تم التطرق لها أثناء فعاليات ندوة الأدب الليبي بعيون سورية المنتظمة ضمن أنشطة معرض مكتبة الأسد للكتاب الدولي 26، حيث قام الناقد والمترجم السوري إبراهيم محمود بالتحدث عن تجارب عدة روايات ليبية منها رواية “قسامي” التي قرأها مخطوطة، وكتب لها كلمة غلاف قبل أن تصدر هذه الشهر عن دار الحوار السورية حيث قال:
“رواية الليبية آمال فرج العيادي (قسامي) شروع هذياني في كتابة المختلف، مهما بدت اللغة المعتمدة (المحكية في محليتها، أو القلقة في تعابيرها أحيانا أخرى)، حائلة دون التواصل مع حركية السرد. هذيان مقصود لأن ثمة عالما ينقب فيه داخلا وخارجا، ودونما انتظام، إذ تتداخل الطفولة مع سن الرشد، مع العمر المتقدم للساردة حيث تكون الأم قسامي هي الحامل المأسوي لمجتمع ممزق من الداخل، تكون المرأة علامة التمزق الكبرى فيه.
اعتقد أننا أمام رواية الغابة المنطوية على نفسها، بقدر ما تستدرجنا إلى داخلها بتخومها المفتوحة ذات الهالة من جهاتها كافة!”
ويضيف في مقالة نقدية عن هذه الرواية نشرت في صحيفة “قورينا”:
“تنتمي رواية آمال فرح العيادي (قسامي) إلى سلسلة الروايات السيَرية، وإن بدت أنها تطمح إلى أن تكون أبعد من حدود الاسم الشخصي بعلاماته الفارقة، وهذا ما يمكن تلمسه في بنية الرواية التي تكاد تفيض على سمة العنوان، حيث لا تعود قسامي الحامل الأكبر لعالمها، وممَحورة شخصياتها: مجرد أم الساردة الروائية والتي يبدو عليها أنها تحيل أحداث الرواية إليها، تسرد تاريخ عالمها الاجتماعي وهو تاريخ يضمُّ مجتمعاً رحباً بعلاقاته الاجتماعية، لتكون بمرتبة شاهد عيان على عمر طويل يسبق ولادتها، وربما يمتد حتى بعد رحيلها المتصوَّر، وكأن ثمة أكثر من جنوح في الاسم المميّز لقسامي الرواية، وقد تداخلت مشاهد تجمع بين الذاتية الحميمة والخاصة جداً في بوحيَّتها، وتلك الخارجة عن نطاق صلاحيتها الشخصية الضيقة، إلى ما وراء الأفق المنظور، إذ تتراءى أحداث أو وقائع تاريخية، وصنافة هائلة ولافتة مما هو فولكلوري، يجد الأثنوغرافي أو حتى الأنتروبولوجي نفسه إزاء دزينة من الطقوس أو الشعائر المتعلقة بآداب المجالس، والأعراس، والمآتم، والموائد، وتنميط العلاقات…الخ، وكأن قسامي الأم أكثر من أم من خلال هذه المهام الجسام المسندة إلى الساردة الروائية”.
تدور أحداث الرواية في طرابلس وبنغازي وجادو والرجبان واجدابيا وطبرق وشحات وزلة والزاوية وتونس والأردن والفلبين، وعدة أمكنة أخرى عاشت فيها قسما من عمرها الواقعي أو الخيالي مع أسرتها أو زوجها.
يذكر أن الكاتبة سبق أن أصدرت كتابين هما: بقع ظامئة في حضني (قصص) عن مجلس الثقافة العام الليبي 2006، ورمش العين (نص) عن أمانة الثقافة الليبية 2009.