حاورتها في روايتها الأولى نبض الذكريات وأبلغتني حينها بالمولود الروائي الثاني لها والمعنون باسم “الكوكب الدُّري” لم تنتشر في تلك الأثناء الأخبار المتعلقة بما يسمى التطبيع مع إسرائيل والتي أصبحت اليوم أخباراً عاديةً وطبيعية يستقبلها الإعلام العربي بصدمة ثم يطويها ويستعد لاستقبال غيرها من الصدمات في أمة يجب أن تُراجع نفسها وتعيد حساباتها من جديد.
وقد يقول القارئ هنا وكأنه في حضرة مقال سياسي أو ديني ولكنني أقول له الأدب هو ذلك البحر الكبير والذي يستوعب كل شيء ليكون كوكبا تدور حوله كل أفلاك ومجرات القضايا الصغيرة والكبيرة في هذا العالم وهذا الوجود وبالتالي لا تخلو هذه المراجعة وهذا التأمل في رواية “الكوكب الدري” من هذا الأمر فالرواية في جوهرها وظاهرها ذات بعد سياسي وديني واجتماعي بل ونفسي ومعنوي قبل كل شيء.
كتابة الرواية هي كتابة إبداعية والكاتب المبدع هو من يستطيع استشراف المستقبل وتشخيص الواقع تشخيصاً جيداً ليلتقط من أهداب هذا الواقع المرير أملاً منشوداً وشعلةً للخلاص.
رجوعاً لما بدأت به تقول الكاتبة في هذا الاقتباس “كم من الحسرة أن يطلب غيرنا السلام ممن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء” فتُرسل من خلال حوارات شخصياتها رسائل اللوم والسخط والانكسار على ما وصلت إليه القضية الفلسطينية اليوم من تنازلات تليها تنازلات وطعنات تليها طعنات هذا بلسان تلك الأرامل والثكالى من نساء فلسطين وما يجري بينهن من حوارات وأحاديث عابرة تشخص تلك الحالة من المعاناة التي قضينها ويقضينها نساء فلسطين منذ عقود طويلة وبالتالي تبدأ الكاتبة في تشخيص معاناة الأرامل والأيتام ورسم مسارات ذلك الحلم الجميل لمواجهة العدو المغتصب للأرض وانه لا وجود للمستحيل فهذه النساء قادرة على تحقيق الحلم وتغيير الواقع تماماً.
وبالرغم من تلك الانكسارات والانهزامات النفسية والمعنوية التي يعانيها الإنسان العربي إلا أننا نرى خيوط الأمل تمتد في مختلف فصول الرواية فجسارة الشرقي والتعاليم الحسنة والأخلاق الفاضلة والإيمان الحقيقي والعمل الجاد والدؤوب كل هذه الكلمات والصفات والمواقف التي نراها تتسلل بين سطور الرواية مؤشرات وبداية الحلم لذلك المجتمع الصغير، ذلك المجتمع الذي عاش الخذلان والمعاناة بكل فصولها إلا أن كل ذلك لم يثنيه عن مواصلة المسير نحو الهدف المنشود بل وممارسة الحب الشرقي الملتزم بتعاليم الإسلام والمتشبع خجلاً وحياءً بل والمتخلص من النظرة الاجتماعية القاصرة المتجردة من القيم الإنسانية ليضع العواطف والمحبة في إطارها العذري النبيل فتختم الكاتبة روايتها بذلك الزواج المشحون بالأمل والتفاؤل فتختم روايتها بداية بقول:
“عندما ينفجر بركان الحب وتنبت بذور الثقة فثق وتأكد أن المولود الجديد يتمتع بكل صلاحيات القيادة”
ختاما لا تنسى الكاتبة وضع القضية في إطارها الكبير فتقول:
” عندما تلتئم الخلية المصابة فإن باقي الخلايا ستتعافى ويشفى جسد الأمة من الذل والهوان”