شعر

قصائد دون سنّ الشّعر

هيثم الأمين – تونس

من أعمال الفنان التشكيلي اليمني: حكيم العاقل

منذ ربع قرن،
و أنا أكتب قصائدَ دون سنّ الشّعر !
قصائدي
– التي مازلت أسمّيها نصوصا حتّى لا أُتّهم بـ “شاعر” –
أتحدّث فيها، كثيرا، عنّي؛
عن العاصفة التي
رقصت، عند باب المشفى، و قطعت الكهرباء
ليلة خروجي المفاجئ، مع أخي، لنجرّب البكاء لأوّل مرّة !
عن الطّفل الذي كان يشبهني كثيرا
الذي كانت كلّ أرجل الأسرّة و الطاولات إخوته في الوحدة
و التي كان يثرثر معها، صامتا !
عن حبيبتي التي لم أقبّلها
و افترقنا قبل أن أشاركها فنجان قهوة، في مقهى فاخر، كما يفعل كلّ العشّاق !
عن إصبع رجلي الذي دفعت جزءا منه كقسط أوّل من أجل تسديد موتي،
عن دراجتي الهوائيّة التي ما عدت أستطيع ركوبها،
عن نادل المقهى البذيء الذي أتبادل معه الشتائم لنضحكْ،
عن أمّي التي تخون أبي، كلّ ليلة، مع حزنها،
عن أبي المُقعد الذي أغضبه أنّي لم أذكراسمي مرفقا باسمه على غلاف أوّل كتاب صدر لي
و عن زوجتي التي لم ألتقيها بعد
و التي مازلتُ، في قصائدي، أطالبها بأن تكون عاهرة، في فراشي، من أجل متعة أكبر
فأنا أكره النّساء اللّواتي يشبهن هواتف منسيّة في وضع صامت!
في قصائدي التي دون سنّ الشّعر
أشتم الشّعر و الشّعراء
و أواعد نساءً جميلات كنّ سيُحببني
لو أنّي كنتُ شاعرا أو كان لقصائدي دخل قارّ و أصابع ملساء!
كما أشتم كلب، جارنا، الذي يزعج نومي بنباحه
و يطاردُني في كلّ أحلامي رغم أنّه يعلم أنّي رجل أعرجٌ
و أنّي لا أتلصّص على سيّدته التي تحبّ أن تتعرّى أمام المرآة
و ربّما، كانت سحاقيّة لأنّي أراها، دائما، تتبادل قبلات ساخنة مع تلك المرأة التي تلوّح لها من مرآتها!
قصائدي دون سنّ الشّعر
لهذا لا يحبّها البالغون من الشّعراء
و لا أحبّها…
و مع هذا، أحبانا، أتصرّف كشاعر
و أقسم، لأصابعي، أنّ قصائدي بدأت تحيض
و حين سيأتي موسم الحنين، سيصير لقصائدي نهدان
و قد يخطبها ناقد مرموق يشتغلُ رصيفا أو حانة !
أنا… لم أجرّب الحانات و لا النّساء، يوما
و لكنّ قصائدي أدخلتني كلّ الحانات و كلّ النّساء
و جعلت أحذيتي تهترئ من المشي على أرصفة لم أسمع عنها
و كنساء بالغات
أَنجَبَتْني، قصائدي، رجالا مهزومين و نساءً وحيدات
و أنجَبَتْني أسراب باعوض و كلابا ضالّة و أطفالا
حتّى صارت ألبومات صوري بعدد علب البيبسي في هذا العالم! !
قصائدي دون سنّ الشّعر
لهذا هي تحلم كثيرا و تكذب كثيرا
كمراهقة جميلة لا أحد أهداها وردة أو قبلة أو وعدا بالحبْ!
و لأنّها تحلم كثيرا و تكذبُ كثيرا
حينا، تورّطني في حبّ الوطن
و حينا تجعل منّي رجلا يدّعي أنّه طيّب
و أحيانا تُصوّرني نبيّا جاء لينقذ العالم
و في الغالب، تصيّرني زير نساء!
و هذه القصيدة، أيضا، دون سنّ الشّعر
و أنا
مازلتُ، منذ ربع قرن، أحلم أن أصير شاعرًا.

مقالات ذات علاقة

عتمة

فيروز العوكلي

نِدَاءٌ إِلَى جَدِّي

يونس شعبان الفنادي

تَعلم كيف يطفو

سراج الدين الورفلي

اترك تعليق