حوارات

الشاعر والروائي عبد السلام سنان….هذا الزمن هو زمن الرواية بكل المقاييس

حاوره / مهنّد شـريفة

الشاعر والروائي”عبد السلام سنان”

عندما نطرق باب الحديث عن الرواية نجد بأن ماهي سوى دنيا موازية تدغدغ نزعة الفضول لدى مُهج الكثيرين اللذين كانوا قبل زمن،يترقبون صعود الحكّاء العجوز على عرش كرسيه وسط إيوان المقهى،فيضعون أيديهم على قلوبهم حبسًا للأنفاس تبعًا لتصاعد الأحداث الدرامية،والقارئ في هذا الصدد يعيش مرّتين.مرةً على أرصفة الشوارع يُلاطمه الزحام ومرةً بين أوراق الصحائف يُغذي خياله ويفغر فاه دهشةً ويرجف فؤاده ولهًا.
لايب أنها خصائص حيوية توفرها الرواية وتنقلها ببراعة قدرة حكَاء يعرف بحصافة كيف يداعب خيال المتلقي بالتصورات والإيحاءات،فما لا ترويه القصيدة لا تكتفي به الرواية،ومن خلال هذا الحوار نشدّ الرحال نحو عالم الشاعر والروائي الليبي عبد السلام سنان،الذي يمخر بجرأة الشعر عُباب الرواية لأوّل مرّة متسلحًا بحشدٍ عظيم من الاستعارات الرمزية وبلغة تستنطق الأحجار وتُربّت على كتف النهار .

نلحظ أن أحد عناصر تفوق الرواية هو تماهيها في توظيف البُعد الشعريّ في تقنية السرد، وهذا ما نلسمه في باكورة أعمالك الروائية(هواجس الضفة الأخرى).هل في رأيك يساهم هذا العنصر في إنضاج المتن الروائي بوجه عام ؟
نعم بكل تأكيد فإن البعد الشعري هو أجنحة السرد التي تحلّقُ بتقنيات المتون الروائية وتدفع بأخيلة الروائي إلى مداءاتٍ أبعد بكثير عند التكثيف اللغوي ويظهر ذلك جلياً في مجموعة الحوارات الصادمة الايجابية بين شخوص الرواية لا سيّما بين ما دار من أحاديث كان بطلي الرواية (شاهين وفاطمة) مصدر تقني ابداعي. .

الرواية دنيا متداخلة،تتشابك فيها الأضداد وتتفاعل عبرها الأحداث تبعًا لحدود قواعد السرد المفتوح الذي يُعد بمثابة الخيط اللاضم لإنعكاساتها المتوالية،ماهي طبيعة تشكل الخيوط الأولى للرواية في ذهنك ؟
الخيوط الأولى التي تشكل التداخل والتمازج وكذا التشابك هي عنصر الحبكة الصادمة الجامحة عند حدودها البلاغية والتي تجنّحُ بالروائي للحظة الذروة الانفعالية ناهيك عن ايجاد الغموض الايجابي الذي يفتّقُ شراهة القارئ وذلك للخروج المحبب عن المألوف والدفع بما هو أبعد بكثير عن منزلقات الرواية التقليدية الكلاسيكية بحيث تلعب موسيقى اللغة وفن التكثيف اللغوي دورا في استنهاض الرؤى والخيال والتحليل.

لا تكاد تنفك جدلية العلاقة بين الرواية وبقيّة الأجناس الأدبية الأخرى،لاسيّما الشعر.كيف ترى في تصورك الأطر المُحددة لكل جنس إبداعي ؟
هنا لابد من الاشارة إلى أن هذا الزمن هو زمن الرواية بكل المقاييس فهي التي تشكل في مضامينها الحد الأدنى من الامتاع وقياس الذات وبلورة المعايير الثقافية للإنسان، ولا غرو في كل ذلك لأنها تحمل كل الأجناس الأدبية الابداعية وهي الطرح الذي يشيّدُ ثقافة الالمام والانسياق نحو اكتمال جوانب النقص الذي يعتري الأجناس الأخرى من الأدب كالشعر الحر وشعر القافية والسرد التعبيري والقصة القصيرة والومضة.

رواية هواجس الضفة الأخرى

يُؤرخ لبداية ميلاد الرواية المعاصرة في ليبيا بدءًا من رواية (إعترافات إنسان) للأديب الراحل “محمد فريد سيالة”على اعتبار أنها الإصدار الروائي الأول المطبوع بينما فريق آخر يرى بأن أول عمل روائي معاصر كُتب هي رواية (مبروكة) للكاتب “حسين ظافر بن موسى” رغم تأخر طباعتها حتى اليوم.أين ترى موقع الرواية الليبية عربيًا وعالميًا.ولماذا تظهر الرواية في بلادنا على استحياء علمًا بأن الحركة الإبداعية الليبية تملك أقلامًا أثبتت جدارتها في هذا الميدان ؟
ما بحوزة المفكر والأديب الليبي لا يقل شأنًا ولا ترتيبًا عن باقي المفكرين والأدباء في بلاد العرب الشقيقة والصديقة،ويعزى ذلك لما تملكه بلادنا من مقومات زمكانية تؤطرها الجغرافيا ويقرؤها التاريخ وأيضًا ثمّة حقب متواترة تعاقبت على البيئة الانسانية داخل منظومات مجتمعية تجمع بين الريف والحضر والبحر والجبل، فهي فسيفساء غنيّة بالفكر الوقّاد وأرى الرواية اليوم هي السبيل الأمثل لامتلاك زمام العالمية.

حاول المفكر والأديب الراحل “عباس محمود العقاد” تحت الدعوات الملحة لمجايليه أن يخوض بقلمه غمار كتابة الرواية، وقد نتج عن هذه الدعوات لاحقًا تجربة استثنائية في إنتاج العقاد الفكري تمثلت في رواية (سارة) التي اشتعل حولها وقتذاك القيل والقال لربطها بالأديبة “ميّ زيادة” وفرضية علاقة العقاد العاطفية بها، بيد أن الرواية لم تلقى النجاح المأمول فقد رآها جمهور النقاد تخلو من الشروط الفنية وكذا ضعف الحبكة السردية،فأي عمل روائي يعتمد فيما يعتمد على بديهيات البداية والوسط والنهاية وعدم اللجوء للاطناب المفرط والسرد الفضفاض،أين يتوقف النبض الشعري وزخرفة اللغة ويبدأ الجنوح لمعيارية الاعتناء بانسيابية السرد وضبط ايقاعه بالأحداث داخل متن الحكاية ؟
يتوقف النبض الشعري على عنصرين هامين أولهنا : مقدرة الروائي على استدعاء منطقية التركيز وذلك عن طريق شد القارئ ليعصف ذهنه في استجلاء حقائق قد تبدو غامضة في متن الرواية واستنهاض هامش التحليل والاستنباط بما يحفّزه لقراءة المزيد من الأحداث كل لحظة بشغف كبير وثانيهما: البلوغ بالحبكة السردية داخل متن الرواية إلى مبلغ الصدمة والاثارة لأنهما المؤشرين على أن في الرواية شيءٌ ما أو خطبٌ جلل يستحق الملاحقة وتمضية وقت خلاّق
وهذا كله ينسحب على الفائذة المرجوة أو الكنز الدفين الذي يخفيه الروائي على القراء.

كلمة أخيرة…
شكرًا بلا حدود لبلد الطيوب، شكرًا جميلة لا يسعها مدى للرائع مهند شريفة.

مقالات ذات علاقة

يوسف الحبوش لـ«بوابة الوسط»: «عمر المختار» يصحح المغالطات التاريخية

المشرف العام

فنان الكوميس عبدالله هدية يقول: حبوا بعضكم يا ليبيين!!!

رامز رمضان النويصري

عمر جهان وجمالية فن اللحظة وعمق الروح

إنتصار بوراوي

اترك تعليق