سرد

(الحلاج) المؤله

من أعمال التشكيلية والمصورة أماني محمد
من أعمال التشكيلية والمصورة أماني محمد

كان (الحسن) أحد الناس الذين كان يقطنون مدينة (بغداد) عاصمة الدولة العربية الكبرى.. وكانت تلك المدينة منغمسة في الثراء والنعمة لم ينغص على حياة الناس أمرا من أمور الدنيا في الشقاء من أجل العيش.. وكان هم كل الناس الانغماس في اللهو لم يعيروا بأمور الدنيا شيئا إلا تلقف العيش.. كانت الملهاة تشق طريقها بين الناس في مجالسهم ولم يعوا بما حولهم بأمر الوجود.. كانوا يصبحون ويمسون على غياب وجودهم بأبعاد ذواتهم عن الوجود.. وفقد الناس حيويتهم وكانت الدعة غلفت وجودهم عن أي عمل يطرق باب الوجود.. كان كل تفكيرهم هو البحث عن اللذة.. وأنبروا إلى تلك الدعة التي غلفت حياتهم بوجود حجب عنهم ضوء الحياة الممكنة.. وكان البعض يطرقون سبيل البحث عن الذات التي غشاها الأمر الوجودي.

كان (الحسن) هو أحد الأشخاص الذين خلوا سبيل الترف والنعيم الدنيوي الى لبس ثوب العزلة والتصوف.. لأنه لم يجد وراء هذا الثوب من الدعة شيئا وتخلى عن كل المظاهر الدنيوية ولبس ثوب الصوف ليشعر أن له جسدا يحس بوجوده.. ولعلها تلك الخشونة أيقظت ذاته وبثت فيه روح الأنا التائه عن الوجود.. وكان رداء الصوف هو رداء أولئك الذين زهدوا في حياة الدنيا وخبروا اليقظة التي عرت وجودهم الدنيوي.. بأن الذات هي فوق الوجود الدنيوي.

لقد كان (الحسن) يعظم الذات الإنسانية التي تعلو على ما حولها.. كان كل تفكير الرجل هو الى أبعاد الذات ما فوق الوجود.. كان يتحسس الجسد الذي حوله لكنه لم يجد شيئا.. لقد أراد أن يبرز ذاته التي غلفها الوجود لأدراك الأسمى.. ورأى في ذاته أنه مخلوق يعلو على ذاته.. يعلو على ما يغلفه من جسد حوله.. وأدرك بأنه مثل الروح التي تسبح في سماء الوجود.. وأن الحياة التي من حوله ليست جسدا يتطلع الى حاجات الدنيا.. لقد درج التعريف بيننا ان ما في داخل أجسادنا دعونها بالروح تلك القوة الغامضة التي تحرك الوجود من حولنا.. شعر بأن تلك القوة التي تحرك الوجود من حوله ذات شفافية يصعب أدراكها بأي سبيل او علم أنساني أنها فوق الوجود.. لقد درجت الأسفار الدينية على تلك القوة هي قوة ما فوق الأنسان: (فإذا نفخت فيه من روحي فاقعوا ساجدين).. من ثمة أدرك (الحسن) أنه يحمل روح الله.. وأنطلق به الجذب الصوفي ليعلن عن أن (ما في الجبة غير الله).. فالرجل أراد أن يعبر على ان ما فى داخلنا هي شفافية وجودية تعلو على حياتنا.. لقد اثارت تلك الكلمة أمرا مغلوطا ما بين الناس وفسروا كلمة الرجل على أنها خروجا عن الدين وأنه كفر بالله.. ومن ثمة ألحاد يجب عقابه.. فلم يدركوا كنه الكلمة التي أطلقها الرجل في شفافية الوجود.. بأنها علو على الجسد المحسوس وطالبوا بإعدامه.

كان (الحسن) مثالا للسيد (المسيح) الذي عوقب من أجل كلمة لفظها.. وسط الكنس اليهودي.. بأن يصلب لقد التف عليه شيوخ الطريقة ونادوا بصلبه وسط الناس وعلق الرجل على بوابة (بغداد) ومثل بجسده وسط الناس.. لقد سلبوا الحياة التي من حوله.. سلبوا روحه من جسده.. لقد كانت جريرة الرجل كلمة كما كان لمعظم الرسل.. فهو لم يؤذى أحدا ولم يرتكب جريمة في حق الآخرين.. بل نطق عن نفسه بأنه وجود ما فوق تلك الحياة من حوله.. لقد صلب أهل (بغداد) (الحسن) من أجل كلمة كما صلب اهل (القدس) المسيح من اجل كلمة.. فالرجل لم يسئ لأحد ولم يكفر أحدا بل كان جل همه هو السمو بالذات فوق وجوده.. لقد أراد أن يعبر عن أن ما في داخله يعلو على جسده.. وأن تلك القوة المحركة هي سمو فوق الوجود..

مقالات ذات علاقة

طفولة بلا طفولة*…!!

محمد الزوي

رواية الحـرز (8)

أبو إسحاق الغدامسي

رواية الفندق الجديد – الفصل الحادي عشر

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق