قصة

الهروب

رشاد علوه

من أعمال التشكيلية والمصورة أماني محمد
من أعمال التشكيلية والمصورة أماني محمد

بقي زمن طويل يتشمس ويتطلع إلى مرزق من كل الاتجاهات، لقد كانت مرزق مكشوفة أمامه.. الشارع الطويل يشقها عن يمين الزوية وعن شمال النزلة ومن خلفه الكاف، منظر مهيب لمدينة تضج بسكون غريب وحالة من الإحساس بالأمان تفتقده مرزق ألان.

عندما قدر نهاية اليوم الدراسي بتكاسل، هبط أدراج القلعة وغادر المكان. شق شارع الحميدة حتى السوق، انعطف يمينا حتى لا يلحظه جده الذي لديه محل بقالة صغير، أمامه نخلة سامقة عادة ما يتفيأ ظلالها مع بعض كبار السن من أترابه، يروى لهم معاركهم وانكساراتهم وترويع الفلاقة لهم ودخول الزاوي و حكمه لمرزق، وعن مأساة حصار مرزق أوان الاستعمار، و كيف كانت مرزق مدينة مسورة بها ثلاثة أبواب تفتح صباحا وتقفل مساء، كأنها بوبه للزمن تدون نشاطها صفحة بصفحة و يوم بيوم؛ (الباب الكبير) من الجهة الشرقية، والباب البحري أو (باب الخير) من الشمال، وباب (قمقم) من الغرب. وعندما يدخل القاصد في ذلك الزمان من الباب الكبير فإنه سيجد أمامه شارع (الحميدة) أو الشارع الطويل، ويعرف أيضا بشارع الدندل، وهو يقسم مرزق إلى شطرين؛ إلى اليسار حي (الزوية) والى اليمين حي (النزلة).

وقد أحيطت مرزق بسور وقد ورد ذكره في معظم كتب الرحالة الذين زاروا مرزق، ولا تزال بقايا هذا السور شاهدة عليه حتى القلعة غربا والتي كانت مقر لحكم دولة أولاد أمحمد التي حكمت بشكل مستقل فزان على أن تبعث بالخراج من نقود ورقيق وذهب إلى الحكومة المركزية في طرابلس، ولقد حكموا فزان حكما وراثيا ديني الطابع، فقد كان السلطان هو رأس الدولة يليه وزير مساعد، ثم عدد من القضاة ويرأسهم كبير القضاة. وكانت مرزق هي عاصمة فزان في ذاك الزمان.

انعطف باتجاه سوق النساء تم باتجاه جامع الذكر، دخل توضأ صلى ركعتين وصعد إلى المئذنة ليرى الطلاب عائدون من المدرسة، نزل الدرج مهرولا انتظر زملاؤه في الفصل سألهم عن ما حدث في يومهم، أخبروه بكل شي أخذ من أحدهم كراسة الحساب وسجل على عجل عناوين الدروس التي درسوها لكي يقنع أمه وأبيه أنه قد ذهب للمدرسة وها هو عائد منها، سجل التاريخ 20.3.1972، مسرعا نحو المنزل دخل المنزل متظاهرا بأنه قد عاد من المدرسة في انتظار أن يعود أبيه من العمل وينكشف كل شي، بأن تكون الإدارة قد أبلغت أبيه بغيابه، أو يمضى ذاك اليوم بخير.. وغداً عندما يصل إلى الزاوية السنوسية قد يذهب إلى المدرسة لأن حصة الحساب هي في أخر اليوم الدراسي، أو نحو داقرو غابة النخيل و القلعة مرة أخرى.

مقالات ذات علاقة

هنيّة بنت السوريلات

المشرف العام

النبوءة

ظلُ عظيم

هدى الغول

اترك تعليق