إيمان محمد – مصر
مراجعة رواية قشتمر.
تأليف: نجيب محفوظ.
الناشر: مكتبة مصر.
تدور أحداث الرواية في حيّ العباسية القديم في الفترة ما بين عام 1910 وحتى 1980، تتمحور الرواية حول خمسة شخصيات من فئات طبقية مختلفة جمعتهم صداقة قوية دامت أكثر من سبعين عامًا، أربعة شخصيات ذُكِر أصلها وتابعنا تفصيلات حياتها مع تقدُّم الرواية، وشخصية خامسة مجهولة يتلخَّص دورها في رواية الأحداث على لسانها فقط.
رواية من النوع الاجتماعي الصِرف، بل إنها تتوغل في شوارع حيّ العباسية وتنقل لنا تفصيلات الحياة اليومية والروتينية للأبطال، بدءًا من مرحلة الطفولة وأحلامها غير المكتملة المعالم والنظرة السطحية للأمور، مرورًا بمرحلة المراهقة التي بدأ فيها الأبطال تكوين آرائهم السياسية خصوصًا مع اشتعال الساحة بأحداث مهمة كثورة 1919، وتلك الفترة تحديدًا التي وُلدت خلالها علاقتهم الوطيدة بمقهى “قشتمر” الذي أصبحوا روّاده فيما بعد، ثم مرحلة الشباب واختيار كلٌ منهم طريقه الدراسي والعملي وميلهم واحدًا تلو الآخر نحو خطوة الزواج وتكوين أسرة، ووصولًا إلى مرحلة الشيخوخة وما يرافقها من تغيرات في العقل والجسد معًا. كل هذا يتابعه الكاتب بالوصف والسرد إلى حد الإملال والضيق من كل تلك الرتابة والروتينية؛ لا يوجد حدث واحد غير عادي أو غير متوقع مثلًا، الرواية كلها عبارة عن متابعة لحياة عادية بالسرد.
تسير الرواية على الصعيد الاجتماعي والسياسي جنبًا إلى جنب، حيث تستعرض الأحداث الجِسام التي وقعت في تلك الفترة كالثورتين والحربين العالميتين وحرب فلسطين والنكسة ونصر أكتوبر وعصر الانفتاح ولكن من وجهة نظر شخصيات الرواية التي تعبر كلٌ منها عن شريحة من المجتمع المصري آنذاك، ورغم اختلاف الأبطال الخمس في الطباع والانتماءات وطريقة الحياة إلا إنهم تمكَّنوا من تخطي ذلك كله إلى صداقة صافية وثابتة كثبات قشتمر رغم التحول الضخم لكل شيءٍ حولهم.
لغة الرواية متمكنة سلسة لا تخلو من بعض ألفاظٍ عامية أو فصحى دارجة تضعك في جوّ الشارع الذي نقلته الرواية. يمكننا القول أن قوة الرواية تركزت في أسلوب سردها وسلاسته في نقل الأحداث خصوصًا مع رتم الأحداث السريع وتبدل الزمن الذي امتد لثمانين عامًا، ولا مجهود كبير في اختراع فكرة أو خلق أحداث، فهو نقل لحدث عادي بقلم يحترف صياغته بعبقرية.
أزعجتني طريقة تعريف وذِكر شخصيات الرواية تباعًا في الصفحات الأولى مما جعلني أنساها سريعًا وأحدث لبسًا لديّ مع سير الرواية لدرجة أنّي لم أحفظ منها حتى الآن سوى شخصية واحدة أو اثنتين على الأكثر.
“قشتمر” هي تجربتي الأولى مع قلم نجيب محفوظ، لا يمكنني إعطاء حكمٍ شامل عليه من عملٍ واحد خاصة أنه غير ذائع الصيت كغيره، ولكن كحكمٍ خاص على هذا العمل بالذات فقد رافقني ملل مع استمتاع خفيف ورغبة متوسطة في إكمالها حتى النهاية، فلا هي بالروعة التي جعلتني لا أفلتها حتى أنهيها، ولا بالسوء الذي جعلني ألقيها وأعزف عن إتمامها.