بخصوص (غدانسغ) و(حلفاية الملوك) و(التعتيب الأبستموليجي)
صديق إبراهيم عوض الكريم – السودان
“عندما ندرس التاريخ فإننا، على عكس الميتافيزيقيين نسعد لا لما نكشفه من نفس خالدة فينا، وإنما لما نحمله بين جنبينا من أنفس فانية” – فردريش نيتشه.
-1-
قد لا يعد من المفارقة المفرطة في طرافتها تقليب أوجه التشابه بما يشبه الإقحام المفتعل بين المصائر التاريخية والوقائع والأحداث السياسية بين المدينتين، غير إني أجد نفسي منساقاً للتعبير التجريبي المُلفت لديفيد هيوم في وصمه لهكذا تطابقات: الطبيعة عمياء فما يبدو أنه نتاج تدبير ليس سوى نتاج حركة الذرات المادية وتجمعها وتفككها وفق قوانين الميكانيك المعروفة، والمعروف أن هيوم منسجم مع آخر النتائج التي أقرها أفضل علوم عصره: فيزياء نيوتن!.
في الوقت الذي كان فيه الداهيه إيبرهارد فيربر يقود الحملة العسكرية لأسطول مدينة غدانسغ الحربي ضد الدنمارك في العام 1522، كان الشيخ عبد الله جماع “حاكم قري” قد نجح بتوحيد العربان وتجميعهم وتعبئتهم على طول الامتداد الشرقي لسفح جبل الرويان للانقضاض على آخر الممالك المسيحية في سوبا، لتستمر بعدها المفارقات الطريفة في صراع الكاشوبيين والبولنديين خلال قرون متعابة تتداخل فيها مراكز النفوذ واليطرة وفرض السلطة والاقتتال عليها بنفس وتيرة الأحداث بين الفونج والعبدلاب أهمها في معارك الهلالية و وساطة الشيخ إدريس ود الأرباب أب فركة، لتنتهي سلسلة التطابقات في الأزمات والصراعات التي رصدتها بنهاية القرن الثامن عشر وبداية التالي إبان تقسيم بولندا واحتلال البروسيين الذين احتلوا المدينة بالقوة المسلحة الملكية وضمها لأملاك الإمبراطورية البروسية وقتها سلم “تور بقر الجواميس الرُقادِن لُّخ وضربك بفقه الهامة وبمرق المخ” المانجل ناصر ود الأمين ود ناصر مفاتيح المدينة للألباني المغتر إسماعيل وضمها للولاية العثمانية في مصر.