متابعات

كفاح ليبيا بعد القذافي

في صحوة الحرب ..

كفاح ليبيا بعد القذافي

تأليف: جاسون باك وباراك بارفي

دار النشر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

سنة النشر: فبراير 2012

عدد الصفحات: 60 صفحة

ترجمة : أحمد حسين الشيمي

ضمن سلسلة المرصد السياسي، أصدَر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى دراسته الحديثة التي حمَلت عنوان “في صحوة الحرب.. كفاح ليبيا بعد القذافي”، من تأليف جاسون باك وبارام بارفي، وهما من كبار الباحثين في المركز، المعنيين بالشؤون الإسلاميَّة.

صراع الأطراف والمركز:

يذكر المؤلفان أنه في 20 يناير الماضي، لَقِي السفير الليبي السابق لدى فرنسا “عمر بريبش” مصرعه، بعد تعذيبه على أيدي الثوار في مدينة الزنتان؛ لعلاقته بالرئيس السابق معمر القذافي.

وتُعد عملية اغتيال بريبش حلقةً في سلسلة طويلة من عمليات العُنف التي يقوم بها الثوَّار؛ لتَصْفية أنصار الرئيس السابق، وهي في نفس الوقت تُعَدُّ تقويضًا للحكومة المؤقَّتة ومجلس الحُكم الانتقالي، الذي لَم يتمكَّن حتى الآن من نزْع سلاح هذه الميليشيات، أو دَمْجها في قوَّات الجيش.

ويؤكِّد المؤلفان أنَّ الصراع يبدو حاليًّا بين حكومة المركز، التي تُسيطر على المؤسَّسات الوطنيَّة وتدفُّقات النفط، وبين المُهمَّشين “المحيط” الذين يَمتلكون عناصر القوَّة من أسلحة ومعدَّات عسكريَّة، ويَستغلون الولاءات القبليَّة، كما تَنجم قوَّة المحيط من الأحداث الفرديَّة التي شَهِدتْها الثورة الليبيَّة على مدى ثمانية أشهر؛ حيث ظهَرت مدينة بنغازي بسرعة كمركز سياسي للثوَّار، وأصبَح الثوَّار في عددٍ من المدن الليبيَّة أبطالاً في حرب تحرير البلاد، التي تتميَّز بعدم رضاها عن الحكومات المركزيَّة.

إنَّ الواقع الذي أفرَزته انتفاضة 2011م ليس بجديدٍ؛ فالمحيط الليبي يتميَّز بالقوة على مرِّ التاريخ، فطوال القرن التاسع عشر حاوَل السلطان العثماني في طرابلس توسيعَ نطاق نفوذه في المناطق القبليَّة في أنحاء البلاد، لكنه فَشِل، ومنذ رحيل الاحتلال الإيطالي عام 1943م، اتَّسعت دائرة المهمَّشين في البلاد؛ لتشملَ إلى جانب القبائل سكان المدن من أصول ريفيَّة.

فخلال مدة حكم الإدارة العسكرية البريطانية (1943 – 1951)، والنظام السنوسي الملكي (1951 – 1969)، ونظام القذافي (1969 – 2010) – اسْتُبعد تمامًا رجال القبائل، وكان التركيز على تقوية النظام المركزي، كما استطاعَ القذافي قمْع توحيد مراكز القوى المتنافسة، على الرغم من عدم اهتمامه ببناء مؤسَّسات بيروقراطيَّة مركزية قويَّة، واستطاعَ التعامل مع بعض الحركات المُناوئة له في المناطق القبليَّة.

لكن يبدو أن غيابَ القذافي عن المشهد الليبي سيكون له تأثير كبيرٌ؛ إذ تعمل التجمُّعات القبليَّة والميليشيات المسلحة على منْع مجلس الحكم الانتقالي من بسْط نفوذه على المناطق التي كانت خاضعةً لسيطرة نظام القذافي.

هذا الفارق يمثِّل الاختلاف الجوهري بين ليبيا ودول الربيع العربي المجاورة لها؛ مثل: مصر وتونس؛ لذا فليس من المُستغرب أن يَفشَل مجلس الحكم في تحقيق الوَحدة بين كافة المناطق الليبيَّة.

وعلى الرغم من التحدِّيات الداخلية، فإنه يَظل مجلس الحكم الانتقالي المؤسَّسة الشرعيَّة من وجهة نظر المجتمع الدولي في مرحلة ما بعد القذافي، والمُسيطر على خزانة الدولة والسياسة الخارجيَّة، وبالرغم من تشكيله على أساس التمثيل الجغرافي لمعظم المناطق في ليبيا، فإنه يَبقى هاجسُ توحُّد الميليشيات المسلحة، وتقديم نفسها على أنها ذات سلطة مُتماسكة، وتَستطيع فرْض سيطرتها على البلاد – أبرز تحدِّيات ليبيا ما الثورة.

دمْج الميليشيات:

ويؤكِّد المؤلفان أن الميليشيات المسلحة أصبَحت تُهدِّد المستقبل الليبي، وتُهدِّد عمليات إعادة الإعمار، وعودة الحياة إلى طبيعتها، فبين الحين والآخر تقوم هذه الميليشيات المُتناحرة والمُتصارعة على السلطة والنفوذ بعمليات تخريبٍ وقتلٍ واسعة، والبعض منها ارتكَب جرائم حرب، وليس بمقدور مجلس الحكم الانتقالي القضاء عليها، وتحقيق الاستقرار الأمني في البلاد.

وهنا يجب على المجلس الانتقالي الإسراع في بناء مؤسَّسات الدولة، ومحاولة دمْج الجماعات القبليَّة المُهمَّشة في المركز، وتسخير طاقات الشباب لبناء ليبيا الجديدة، ولا سيَّما أنه يَمتلك عددًا من الأدوات السياسيَّة والاقتصادية، التي يستطيع من خلالها استمالة هذه الميليشيات، فقد أعلَنت الحكومة عن تخصيص 8 مليار دولار لإنشاء “هيئة المحاربين الجديدة”، التي تَهدف إلى دمْج الثوَّار، وتوفير الحياة الكريمة لهم، من خلال تقديم القروض الصغيرة والبرامج الماليَّة لهم؛ مثل: إعانات الزواج، والدورات التدريبيَّة، وفُرَص التوظيف، والمِنَح الدراسية؛ حتى يَنتقلوا من حالة الحرب إلى حالة بناء الدولة الجديدة، لكنَّ الحكومة الليبيَّة في الوقت نفسه، تَفتقر إلى الأدوات التقنيَّة التي تُساعدها في تنفيذ هذه البرامج على أرض الواقع.

وهنا يَنبغي للولايات المتحدة التعاون مع المُنظمات الدوليَّة الرسمية وغير الرسميَّة، والحكومة الليبية؛ من أجْل مساعدتها على تنفيذ هذه البرامج، ويتعيَّن على مجلس الحكم الاعتماد على برامج الرعاية التقليديَّة التي استطاعَت تاريخيًّا تحقيق الربط بين المركز والأطراف.

وعلى مجلس الحكم الانتقالي تفويض جزءٍ من سلطاته إلى المجالس البلديَّة المُنتخبة؛ لتَهْدئة مخاوف عددٍ كبير من الأطراف المحليَّة بشأْن سيطرة الحكومة المركزية على كلِّ مقاليد الأمور في البلاد، لكن لا بدَّ من تنفيذ هذه الخُطوة بنوعٍ من الحذَر؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى ضَعف سلطة الحكومة المركزية، وبالتالي لا تستطيع نشْر سيادة القانون واستعادة هَيْبة الدولة.

أطراف دوليَّة وعربيَّة:

ويؤكِّد المؤلفان أنَّ العلاقات التي يتمتَّع بها مجلس الحكم الانتقالي مع عددٍ من الأطراف الدولية، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا – قد تُساعده في تجاوُز الاضطرابات الداخليَّة، وإحكام قبْضته على ليبيا الجديدة، ولا سيَّما أنَّ كلا الدولتين تَرغبان في استقرار الأوضاع الداخليَّة؛ للاستفادة من الثروات النفطيَّة الليبيَّة؛ لتعويض خَسارتها العسكريَّة جرَّاء مشاركتها في قوات حلف الناتو للإطاحة بالرئيس السابق.

وكذلك نجحَت أطراف عربيَّة – مثل قطر والإمارات – في الحصول على مناطق نفوذٍ لها في ليبيا بعد القذافي؛ حيث دعَمت قطر الثورة الليبيَّة بالمساعدات الماليَّة والعسكريَّة، وأيَّدَت التدخُّل الدولي لإسقاط القذافي، وعليه فقد أصبَحت تتمتَّع بعلاقات قويَّة مع المجلس الانتقالي وأعضاء الحكومة الليبيَّة.

ويختتم المؤلفان بالقول:

يتعيَّن على الولايات المتحدة دعْم المجلس الانتقالي؛ لمُجابهة الميليشيات المسلحة، عن طريق تدريب عناصر الجيش الليبي في واشنطن على فنون القتال الميداني، مع تقديم كافة أنواع الدعم الفني والعسكري للمؤسَّسات الأمنية الليبيَّة؛ حتى يتحقَّق الاستقرار في البلاد، ولا سيَّما أنَّ أجواء الاضطرابات الداخليَّة وزَعْزعة الأمن الداخلي، سيضرُّ المصالح الأمريكيَّة في المنطقة، وربما قد تتحوَّل البلاد على أثره إلى معقلٍ لعناصر تنظيم القاعدة والميليشيات المسلحة التي فرَّت من العراق وأفغانستان، ودخلَت ليبيا أثناء الثورة، ومِن ثَمَّ تهديد المصالح الغربيَّة عامَّة والأمريكية بوجه خاصٍّ.

مقالات ذات علاقة

مسرحيون يناقشون حاضر ومستقبل «أبو الفنون» في ليبيا

المشرف العام

الزيات يناقش أهداف الاستشراق والاستغراب والتغريب

مهند سليمان

الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون تلحق وتعتمد جائزة كاليماخوس القصصية السنوية

المشرف العام

اترك تعليق