لم يكن والدي يوصلني بسيارته إلى المدرسة، لأنه ببساطة لم يكن يمتلك سيارة أصلا. و رغم ذلك كانت الطريق إلى المدرسة ممتعة جدا، حتى خلال المطر و البرد.
كنت أذهب إلى المدرسة برفقة الأصدقاء، نتبادل الأحاديث النمطية، لأن أفكارنا متشابهة، فالجميع يشاهد نفس رسوم الأطفال، و نفس المسلسلات، و مباريات كرة القدم، و جلسات المؤتمرات الشعبية، و خطابات قائدة الثورة، و نشرة الأخبار التي كانت تنقل أخبار بلد أخر غير الذي نعيش فيه، بل نتشابه حتى في حكايات الجدات، و الألغاز، و أخبار العفاريت.
كانت فتيات الحي تسير بالقرب منا، و رغم ذلك لا يمكنك أن تختلس و لو حتى ابتسامة من إحداهن، فلم تكن أعرافنا تسمح، بأن تتبادل الحب مع ابنة الجيران، فلابد أنها أخت أحد الأصدقاء، و كانت الصداقة حينها شيئا مقدسا، لا تقبل أعذار الخيبات و القسمة و النصيب، فليس في حسابات الأصدقاء أي احتمالات للفشل.
إن إشباع رغباتنا العاطفية، كان يتطلب منا أن نتحول إلى قطيع من الضباع، و نتجه نحو مدارس الأحياء المجاورة، حيث لا تحول قداسة الصداقة، بيننا و بين استخدام كلمات الغزل، و تبادل الابتسامات، و حتى أرقام الهواتف الأرضية، التي تصل نسبة وجودك بقرب الهاتف أثناء الاتصال، إلى صفر تقريبا. الطريف أنني كنت الوحيد الذي يملك هاتفا أرضيا، و كان أصدقائي يوزعون رقم هاتفنا على صديقاتهم، بل أحيانا يطلبون مني تقمص شخصياتهم لو حدث أعجوبة و كنت من يرد على اتصال إحداهن.
كل ذلك يحدث أثناء العودة، حيث نتحرر من رقابة فتيات الحي، فالاختلاف في السنوات الدراسية، يوفر فرص مختلفة للخروج من المدرسة، أما لو حدث و كانت إحدى فتيات الحي، تدرس معك في نفس السنة و نفس الفصل، فهذا يعني أن ملفك محال إلى جهاز الكي جي بي و السي أي إي، و كل ما تفعله يصل قبل وصولك إلى البيت.
أما الجحيم نفسه، هو أن تكون جارتكم أو جاركم أحد أساتذتك، فهذا يعني أنك أكثر من يتعرض للضرب و التوبيخ، تحت غطاء أن أمك أو والدك (صاحبي)، فهذا ضوء أخضر لفعل أي شيء بك، و لا يقابله معاملة مميزة في الدرجات أو الشرح، مطلقا، تدفع الضريبة و لا تحصل على أي مميزات.