عند الحديث عن الديمقراطية، وآلية الوصول إليها، وتحقيقها واقعياً عبر صناديق الانتخابات في جميع الدول العربية، تصدمنا صورة الواقع العربي المؤسف فكرياً وعملياً. فأغلبُ الدول العربية إما أنها تحكم أو تدار بأنظمة عسكرية مثل (الجزائر، مصر، السودان، سوريا، اليمن، موريتانيا) وهي تتخذ من إعلانات الدورات الانتخابية الوطنية البرلمانية والرئاسية مجرد ديكورات، أو اكسسوارات عصرية، أو مكياج سيء، في محاولة غبية منها لإخفاء حجم القبح والبشاعة، وتبرير جرائم وفساد الديكتاتورية التي يمارسها النظام العسكري العربي الحاكم. أو أن دولاً عربية أخرى تحكم بمجموعة أسر وعشائر قبلية، تتوارث مواطنيها العبيد أو السخرة، وتهيمن على حيواتهم ومقدراتهم وتنهب خيرات أوطانهم العربية منذ عقود وأزمنة طويلة غابرة، ولا أظن أن هذه الأسر والعشائر ستتخلى عن هذه الوصاية الرسمية قريباً مثل إمارات وممالك (المغرب، الأردن، السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، عُمان، البحرين). ما تبقى من الدول العربية مثل (ليبيا، تونس، الصومال، لبنان، العراق، جيبوتي، فلسطين، جزر القمر) لا تختلف كثيراً عن النموذجين المذكورين للوجه العربي البشع في الحكم اللاديمقراطي، وإن كان معظم هذه الشريحة المحدودة تعيش في الوقت الراهن حالة مخاض عسيرة، لمحاولة إيجاد أسلوب حكم يحترم إنسانية المواطن العربي، ويحقق المستقبل المأمول للبلاد العربية، بعضها تقدم بعيداً في مساراته مثل (تونس)، والآخر لايزال يعاني الحرب الأهلية والانقاسامات السياسية مثل (ليبيا، العراق) وما تبقى يكابد ويلات الاحتلال الأجنبي منذ أكثر من نصف قرن (فلسطين)، أو التمزق الطائفي (لبنان). في تصوري أن معظم الدول العربية تعيش وهم تحقيق وتوفير مناخ الديمقراطية عملياً، وتنفق الكثير من الوقت والجهد في محاولة تقليد المجتمعات الغربية في ترسيخ مبدأ النظام المنتخب لإدارة وحكم الدولة الرأسمالية تحديداً، ولكن جميع دولنا العربية وبكل أسف تراوح مكانها منذ عقود طويلة، ولا تملك الشجاعة للاعتراف بالعجز حد الفشل .. أي فشل العقل العربي في استيعاب مفاتيح الديمقراطية الغربية، واستنساخها واستزراعها في أرض الواقع الفكري العربي، أو تفعيل نظام “الشورى” الإسلامي بمنظور وآلية عصرية تواكب مستجدات الحياة وتطوراتها.. وكذلك الفشل في تجاوز آلية الانتخابات الديمقراطية كلياً، والبحث عن آلية حكم عملية ونزيهة أخرى، بدلاً منها، لتسيير المجتمعات العربية بطرق أفضل مما يعانيه المواطن العربي حالياً، وذلك بتوفير الكثير من الاستقرار الأمني له، وفرص العمل بكل شفافية، وضمان مساحات للراحة والاستمتاع لهذا المواطن الذي لا يزال يكابد حياته البائسة والمرعبة منذ عقود زمنية طويلة، دون أن يتحقق له أي إنجاز مادي حقيقي، يحفظ له كرامته وكيانه الإنساني، أو ينال بعض ما يلبي طموحاته الاجتماعية والاقتصادية قبل السياسية. إن الحالة الفكرية العربية تستحق الدراسة بعمق وأكثر تفصيل .. فلماذا فشل الوطن العربي في استيعاب مفهوم الانتخابات الديمقراطية وتطبيقها عملياً بنجاح على أرض الواقع؟ وكيف يمكننا تحديد مواطن الخلل في التجارب العربية في هذه المسألة؟ وأين يكمن القصور والفشل العربي، هل في فكر وعقل المواطن الإنسان نفسه، أم في هياكل المؤسسات التي تدير العملية الانتخابية؟ لا شك أننا نحتاج إلى مراجعة تفكيرنا وتحديد ما نحتاجه بدقة، ويلبي طموحاتنا وتطلعاتنا، وكذلك ما يتماشى مع ظروفنا وفكرنا وواقعنا المعاش. يجب ألاّ نشتط بعيداً في توقعاتنا وأحلامنا، وألاّ نقلد الآخرين دون التعرف على إمكانياتنا الفكرية أولاً، والمادية ثانياً، حتى لا تصدمنا النتائج المخيبة لكل توقعاتنا الحالمة .. وحينها لن ينفع الندم .
المنشور السابق
المنشور التالي
يونس شعبان الفنادي
الاسـم:يونس شعبان الفنادي
تاريخ ومكان الميلاد:1/1/1961 سوق الجمعة، طرابلس – ليبيا
- ماجستير علوم، تخصص أرصاد جوية، كلية العلوم، جامعة ريدينج، بريطانيا، 2004
- بكالوريوس علوم، تخصص أرصاد جوية، كلية العلوم، جامعة الفاتح، ليبيا، 1984
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك