ولد الشاعر بقرية (الزيغن).. إحدى واحات الجنوب الليبي، فزان، وعاصر عهد حكم الاسرة القرهمالية.. عهد يوسف باشا (1795 – 1932م) على وجه الخصوص، الذي ربطته به علاقة تبدو حميمة إلى حد ما.
عرف عن الشاعر الترحال، وتنقلاته داخل وخارج الوطن، إلى الشمال حيث طرابلس الغرب، وجنوبا حتى بر السودان، كانم، أغاديز، لهتا وراء رغيف الخبز الحافي، كلما اشتد به الحال، وضاق المجال، وقل الزاد.
شاعت شهرة الشاعر، وتلقفت الألسن قصائده في مختلف الأصقاع، ورغم ذلك، ظلت لزمن طويل دون ان يتم جمعها وتبويبها، ولعل أول مبادرة في هذا الاتجاه، جهود لجنة التراث بكلية الآداب جامعة بنغازي عام 1973م، والتي زارت الواحة، واستمعت الى أحفاده وما لا تزال الذاكرة الشعبية تحتفظ به.
بالطبع لم يخلو الامر من تناول بعض الدارسين الذين أتوا على ذكره ضمن دراسات تتناول الشعر الشعبي في ليبيا، وان ظلت هي الاخرى اشارات مقتضبة تكتفي بذكر بعض من اشعاره ضمن فحول الشعراء الليبيين.
مؤخراً، اهتم الدكتور “محمد سعيد محمد”، أستاذ الأدب الأندلسي بجامعة سبها، بتناول إرث الشاعر في كتاب حمل عنوان (امحمد قنانه.. حياته وشعره)، ورغم الجهد الرائع الذي بذله في محاولة لتتبع سيرة الشاعر وأشعاره، إلا أن تلك الجهود في مجموعها، بما في ذلك جهود لجنة التراث، لم توفق في ضبط بعض القصائد كما ورث أحفاده في الرواية الشفهية، وكوني أحد الأحفاد، فقد عزمت على إتمام هذه الجهود بإجراء تنقيح لقصائده وضبطها، ما أمكنني ذلك.
في تقديمها للشاعر، تصفه لجنة التراث كلية الآداب، بشاعر الحكمة، ويضيف الباحث “عبدالله زاقوب” قائلا : (لم يكن ليخطر ببال “الشريف قنانة” يوما، أو “سيدي قنانة”، كما يحب أهله ومحبوه أن ينادونه، بأنه سيشغل الناس دهراً طويلاً، وأن شعره سيظل حياً طازجاً يـُروى، ويضاف إليه، وأنه سيتحول إلى رمز للحكمة، والكلمة الفصل، والمثل الذي يحتذي).
لقد حملت لنا أشعاره المقتضبة، أو ما بقي لنا من آثاره، قصص ترحاله المتعددة، منها شمالا نحو طرابلس العاصمة، والتي تشير الى علاقته الوطيدة بالباشا “يوسف القرهمانلي”، وقد خاطبه في قصيدة يتأمل منه النظر بعين الرعاية لموطنه فزان، وظروف أهلها، حيث شظف العيش، وتدهور أحوالهم المعيشة، متأملا إعفائهم من الضريبة (الميري)، قال :
بلا موت يا باشا تبى تقتلها ** فزان ما رديت بالك منها
فزان ماهى اصقاله ** ولا هيش فى وادى وسيع الجاله
فزان بالغرغاز والكياله ** بقعه دعاديش الحمير سقنها
فزان راهي رعيتك.. فزان ما هي ناسية مديتـك
وللجـّـي ما تقدر تجيلك لبيتك.. والفضل ما تغفلش ديما عنهــا
خليتها للزاوى ** وخليتها كيف الجريد التاوى
يجى يوم ربى يعدله ويساوى ** وتخلص الجمه من طوال قرنها
ايضا في قصيدة أخرى تؤرخ لسفر ابنه (حسونه) ضمن قافلة ابن الباشا، ( كيد الرجال)، ولم تلقى قبولا لدى الباشا عندما سمع مطلعها في قوله :
كيد الرجال ونوبة وحسونه ** عليهم حفيظة ربنا مضمونه
اذ اعتبر الباشا القصيدة قللت من هيبة ابنه، ووضعت ابن الشاعر نظيرا له، وفي ذات المنزلة، ما كلفه إضافة أبيات أخرى تبرر قوله :
كيد الجال ونوبته وعربها ** ومعاهم حسونه كبدتى ناهبها
والعين ما تعلى على حاجبها ** وكل قط عند امه غزال بلونه
لكن ذلك لم يخفف من غضب الباشا، فأبعده عن مجلسه، ما اضطره الى ترك الشمال، والعودة للاستقرار بفزان.
ثمة ايضا قصيدة اخرى تنقل له عتب زوجته من طول غيابه بالشمال، يقول مطلعها:
نا في جبل فزان وانت غادي .. لهاك السفر عن لهوتي ورقادي
اما قصيدته الشهيرة في (حب الوطن)، ففي الأثر أنه أنشدها عندما عزم على الرحيل إلى أرض السودان، واختيار الهجرة ملاذا وقد نضب الزاد، وهي من بين قصائده ذائعة الصيت، وثمة قصة تروى لحظة اختياره للهجرة، إذ يبدو أن شح المال كان عائقا دون زواجه من ابنة عمه، التي رفضت الزواج منه، وهي الاخرى شاعرة، وقد أنشدت في رسالة زجر اليه تقول :
لا نيش صايدتك ولانك طيري.. يلاقيك مكتوبك وتلقى غيري
مـــــانك جلوه… ولانك الطير المرتكز ع العلوه
وحق النبي وزيارته والخلوه.. هيدوق كيفك مـا يلم شعيري
فكانت قصائده الشهيرة (عزمت عيني) و(حب الوطن)، و(ضيقة الخاطر)، التي تشيء بضجره مما قيل، وما يقال، وعتبه على الاخرون، تفيض حكمة وحسرة، فرغم ان الوطن حبه الاول، فقد اضطرا للابتعاد عنه.
المنشور السابق
المنشور التالي
4 تعليقات
وبحسب ما أخبرني والدي رحمه الله فيما يخص رفض أبنة عمه له نتيجة فقره وهجرته التي ذكرتم فقد عاد بعدها بعد أن تمكن من خوض مجال التجاره والكسب فيه وتقدم له وقبلته هذه المره وتزوج بها ألا أنه لم يخلو بها الخلوة الشرعيه لعدة ليالي ..ولما عاتبته وألحت في عتابها ألتفت اليها سائلا أياها عن تلك الأبيات التي أرسلتها له عندما رفضته أول مره فحاولت أدعاء النسيان في البدايه غير أنها وتحت أ
ضغطه والحاحه أعادتها على مسامعه …وهنا أجابها :_
يحرم عليا فتاشك … ويحرم عليا مرقدك وفراشك
وهذا الجمل ضمي عليه قشاشك … وهاذي الثنيه وين تبي سيري
وكان هذا أعلان طلاقها حيث أن مؤخر صداقها كان جمل وثنيه ( ناقه ) كما أن الثنيه تعني أيضا الطريق .
نشكر مرورك الكريم
لقصيدة فزان المنشورة أعلاه أصل وحكايه أو أقلها مناسبة ما كما هو الحال في أغلب القصائد والأشعار .. كما أن للقصيدة بداية من عدة أبيات لاحظت أن كل رواتها يتجاهلونها ولا أدري لماذا ..!! رغم أنها هي عماد القصيدة الأساسي … وقد أستقيت ما سأورده تاليا من والدي رحمه الله والذي هو أحد أحفاد سيدي قنانه وولد في نهاية العقد الأخير من القرن التاسع عشر … وقد أخبرني عن العلاقة الجيده التي كانت تربط سيدي قنانه بيوسف باشا ..وأنه كانت فزان تعاني من فترة جدب ورغم ذلك لم يتوانى الزاوي الذي هو عامل يوسف باشا على فزان عن زيادة الضرائب على أهلها رغم ضيق الحال الذي كانوا يعيشونه .. فقرر سيدي قنانه أن يشد الرحال الى الوالي شاكيا .. وبالفعل وصل الى هناك وكان موضع ترحيب وكالعادة حينها لم يكن من اللائق أن يتكلم الضيف بحاجاته من مضيفه بمجرد وصوله بل يؤجله الى حين مغادرته غير أن مدة الضيافة طالت فقد كان الوالي يطلب منه البقاء أكثر كلما طلب الأذن بالمغادره حتى جاوزت مدة الضيافة أكثر من شهرين كانت كفيلة بأن تنسيه ماجاء من أجله ولا عجب في هذا فهو أبن الصحراء الذي لم يألف حياة القصور فتوجه عائدا الى فزان محملا بالهدايا والعطايا من الوالي ولما بلغت قافلته منطقة القرهبوللي تذكر سبب قدومه الذي جاء من أجله فعاد مسرعا الى الوالي الذي أستغرب عودته وما أسبابها فكان الجواب في القصيدة المذكوره …. حيث يقول في مطلعها := بقره حلوبه وتحتها عجلينا وهلها بغوا بعد الحليب شنينه …… . بغوا حلبتها وهي مستكادا في بدل خطوتها ….. وجابولها قدحين في حلبتها وقالوالها بالسيف يامسكينه …..الى أخر القصيده … وقد كان لهذه الأستهلاله والقصيدة في المجمل الأثر المرجو … فقد أصدر له الوالي فرمانا بأعفاء فزان من الضرائب لمدة 7 سنوات وبيت سيدي قنانه مدى الحياة ….
نشكر مرورك الكريم
وللمعلومات التي تضمنها تعليقكم