اللوحة للفنان الليبي معتوق أبوراوي.
طيوب النص

لعنة “لوليتا”


عروس البحر .. ضفاف المتوسط .. شط الهنشير .. هناك تواعدنا .. نداعب الامواج .. نتبادل همسات الوجد الذي لا ينطفئ .. انتظر قدومها على حر الجمر .. وأتسلى بقراءة رواية كعادتي .. وفي لقاءنا الاخير .. ما ان نظرت لعنوان الرواية امتقع وجهها .. وقالت : تقرأ ” لوليتا ” ؟!!

قلت : نعم .. لوليتا رواية شهيرة .. ردت باستهجان وتأفف .. لوليتا ليست رواية نموذجية ، وهذا أمر مؤكد .. انها ضميمة من كلام الوحوش الفاسقين .. يدعونا المؤلف إلى أن نفعل الشيء نفسه ونختبر ما عاناه ، وبهذا الفعل ، نقر بأنه ليس مجرمًا حقيرًا ، بل إنسانًا خاطئًا فحسب .. لديه المبرر البارد للمجرمين المخضرمين ..انها ليست رواية بل جذام اخلاقي .

حاولت ان ابرر موقفي .. وأنني اخترت قراءة الرواية بعدما قرأت رواية نسجت على منوالها ونالت شهرة واسعة : ” ان تقرأ لوليتا في طهران ” .. وتلك النسوة اللائي تحلقن في زاوية غرفة مغلقة لقراءة لوليتا زمن انبلاج الثورة في ايران وسقوط الشاه خشية اكتشاف امرهن .. وان الكاتب في نظري يتعامل مع موضوع لا ينبغي الاستخفاف به .. وهناك خطراً حقيقياً للغاية أثناء فحص النص وتشريحه وتفسيره ، فقد يفقد القارئ الجوهر الذي يدور حوله غزل المؤلف .. صحيح ان المؤلف ” همبرت ” ، مجرد قاتل ومغتصب .. لكن لوليتا هي اعترافه ، بحثه عن الظروف التي دفعته إلى القيام بالأشياء التي قام بها ، سعيه لفهم تداعيات أفعاله .. وشيء اخر كان اسلوبه الكتابي ساحرا .. ومع ذلك ، لا يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لمعرفة أن رغبته في التخلص من الاثام التي تسكن صدره تضمر نيته في إعفاء نفسه من الجرائم التي ارتكبها .. أنه يعترف ويشعر بالندم على أفعاله .

قلت لها ايضا .. قرأت في مكان ما أن الأدب لا يمكن بالضرورة أن يتحمل عبء الأخلاق الإنسانية ، وأنا أوافق على ذلك .. ومن ثم فهي رواية جيدة .. بل أزعم أنها رواية رائعة .. ليس فقط لأن مواردها اللغوية سمفونية .. وهي كذلك .. بل لكونها اعتراف راسخ بالواقع .. ربما اراد ان يقول لنا ان الحب يمكن ان يحيلنا الى وحوش وقتلة مغتصبين .. وهذا فظيع ، ويفضح اسرار من عالم يعترف بانحراف البشر ، ويجسد صورة من صور الظلمة المتعددة الأشكال للجنس البشري .. صحيح انه لا ينبغي لنا أن نغفر له ، لكننا لا نملك أي شيء على المستوى الأرضي إلا أن نفهمه ، لا أن نسمح له باستجوابنا.

وفيما كنت مستغرقا في تبرير موقفي .. قاطعتني بضجر شديد لم اعهده منها من قبل .. وقالت : ( كفى ) !! .

اختنقت الكلمات في حلقي .. واخترت الصمت .. ثم اخذت الرواية من يدي ورمت بها الى بعيدا لتلتهمها الامواج الهادرة حولنا … وقالت بصوت متهدج ونبرة استهجان وتأفف … هذا الكتاب هو أكثر الأعمال الأدبية غير المتوقعة على الإطلاق .. تجعلك تشعر بالقذارة .. أجد نفسي في عاصفة تصم الآذان من جرأته التي تدافع عن الشيطان .. خياله مثير للاشمئزاز .. موسيقاه سم زعاف ، وهو الأكثر انحلالاً .. وظيفة الرواية الجيدة هي أن تريحنا من الاضطراب لا ان تشوش راحتنا .. انها الديدان تزحف من حولنا .. وطالما انت من رواد الادب الجذامي .. فاسمح لي ان اقول لك ” وداعا ” .. فحيثما حلت الملائكة ، كانت الشياطين تتربص ، وتهدد بالخطر .. يبدو انك من شياطين الانس .. وغادرت .. ومنذ ذلك اليوم .. انقطع الوصل بيننا .. وغابت اخبارها .. يبدو انني لم اكن موفقا في اختياراتي الادبية .. وان لعنة ” لوليتا ” اصابتني في مكمن .. كل هذا لم يعد يغني .. لقد غادرت .. وانتهى كل شيء .

مقالات ذات علاقة

لماذا كبرت؟

الصديق بودوارة

مـسـافـرون

الشريف بوغزيل

ليلة مرعبة: محمد الأسطي يتذكر الأيام الأولي للغزو الإيطالي لليبيا.

إيناس المنصوري

اترك تعليق