( 1 )
اسلم وجهكَ للريحِ ،
للنسيمِ يداعب خصلاتَ شعرِكَ الأحرشْ …
لدعاباتِ البحرِ السخيفة عن الحوتِ و السمكِ ،
اسلم وجهكَ للشمسِ تذيب ما بين القوسين ،
تصطنعُ لكَ مهابةً من أرجوحةٍ أخرى ،
اسلم جسدكَ المُهمّشِ للأطفالِ يقسمونَ لكَ أنّك أنتَ لستَ كغيركَ …
اسلم وجهكَ للأنثى ،
للأرجلِ الخشبيةِ …
لكرسيٍ عجوزٍ كنتَ قد رافقتهُ فوقه ،
ما قد قرأته عن صحبةِ الأيام لا يصلح ،
ما يصلح أن تصحبَ الأيام ..
لا تشتمَ أنامل الصفصافِ ..
لا تخبز لك أحلاماً ،
الحلمُ لا يُخبز … يُترك في مطب الذاكرة ،
الحلمُ لا يُخبز .. يُنشرُ على رصيف من وجوهٍ نافرة ،
الحلمُ لا يُخبز ..
الحلمُ يُطهى بلا كللٍ ،
اسلم وجهك للريح ،
للشعر الذي شرب النضارةَ ،
للعين التي تراهم لا تراك ..
لضحكةٍ المَلَكِ الذي يسخرُ من أمنياتِك ..
للجسدِ الذي يبقى كما هو ،
كقيصرٍ في كف فنّان ..
ما قد كان لم يكن يوماً هُنا ،
ما قد يكن قد لا يكون غداً هنالِك ،
ما يكون الآن كان يوماً في بلادٍ أخرى يعبر طرقاتِ الغائبين ..
لا تخبئ قهوتك عن أمك ،
لا تقرأ كتاباً يواري سوءةَ حبك ،
لا تسلم قلبك للحُزن …
( 2 )
أيّها الإنسانُ صاحبُ القلبِ المعتّقِ بالندى ..
أيّها العصفور مكسور الجناح ..
مرتجفٌ أنتَ على نافذةِ الحروفِ الساخِرة ..
حاملٌ عنكَ وزرك … و وزرَ أناسٍ لا يعرفونَك .
الدبُ الجبليُ لا يهوى إلا الهدوءْ …
هل أنتَ جبليٌ أيّها الإنسان ؟ .
الصقرُ المحلقُ في السماءِ رفيقُ وحدتهِ ..
هل أنت المحلقُ أيها الإنسانْ ؟ .
النملةُ تتعبُ ، تشقى ، تحملُ ما يفوق جسمها ..
هل أنتَ إلا نملةٌ جائزتُك الأثقالُ أيها الإنسانْ ؟
حكاياتُ المدينةِ تبقى حكاياتُ المدينةِ ..
حكاياتُ الغابةِ المطمورةِ خلفَ شجرِ البلوطِ العظيم ،
تبقى حكاياتُ الغابةِ المطمورةِ ..
حكاياتُ الحضاراتِ التي سبقت ،
حكاياتُ الحضاراتِ التي لحِقتْ ..
تبقى كما هي حكاياتُ الحضارات ..
حكاياتُك أنتَ منزوعة الروحِ ،
مثقوبةٌ كجوربِ طفلٍ لا يرى حرجاً في ذلك ..
محرومةٌ مِنَ التبذير في الفرحِ ،
من أي شيءٍ قد تحنُ إليهِ يوماً ما ..
يوماً مـا ستلقي بكَ الأقدارُ إلى ما تشتهي ..
يوماً ما ستحب مرةً أخرى ،
يوماً ما ستلقى ربك ساجداً لربما أو قتيلاً على أي أرضِ يشاءْ ..
يوماً ما ستأخذ لبك السجّادة الفارسيّة ذاتها ..
ستصبح الحلمَ الذي اشتهيته ناقصاً ..
ستمصمصُ القهوةَ في شوارعِ قرطبة ،
و ستأخذك المورسكيّات بجمالهنّ ..
ستتذكرُ الحمامةَ التي لا تحب طوقها ،
و ستحب مرةً أخرى يوماً ما .
( 3 )
اقتل الحزنَ أيّها الإنسان ،
جرجر جثته في الطرقاتِ متفاخراً ..
علّق رأسه على أعتابِ المدينة ،
عربد لا ضير عربدةٌ منبعها الفرح ..
انبض …
اخفق ..
هب نفسكَ للونِ البنفسجيْ ،
لوردةٍ لا تذبلُ ..
لترنيمةِ الراستِ تسحبُ منكَ الدمعَ شئت أم لم تشاءْ ..
للشايِ بالياسمين ، بالزهرِ ، بالنعناعِ …
بأيِ شيءٍ لا يأكل كاهلكْ .
لكَ أن تصحب الصبح أو الليلْ ،
لكَ أن تنسج طقسكَ الخاص ،
ربيعٌ به ثلجٌ أبيضٌ كقلبِكَ ..
شتاءٌ كله أزهارٌ تتفتحُ على صدرك ..
أو صيفٌ تتساقطُ فيهِ انبعاثات الكآبة ..
أو خريفٌ ينتشلك بلونه الذهبيْ ..
لك أن تبكي مطراً يبكي تحتها الشعراءْ ..
لك صفحتك البيضاءُ تملؤها بما تشاءُ من الأمنيات ،
بما تشاءُ من الأغنيات ،
بما تشاءُ من أي شيءٍ تشاءْ ..
لك ضفيرةٌ سوداءُ عربيةٌ تداعبها فتزدادُ سواداً ،
لك أنتَ ما تريده أنتْ …