الشاعرة حواء القمودي
سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (15)

15- البنت القببحة… والمطل الخلفي


لم أضع تخطيطاً لهذه السيرة، وجدت نفسي ذات يوم أجلس وأكتب، ربما أحاول تدارك أمر ما ربما هي محاولة إنجاز (ريادة ما)، لست ملاكا أنا مجرد “إنسانة” والإنسان مليء بالرغبات والطموح، والنفس نزاعة للتميز أو محاولة الاختلاف، النفس تريد وترغب وتتمنى أن تكون هي الأولى وهي الأجمل وهي وهي.
وهكذا يبدو أني سأحكي حكاية ارتدائي (الحجاب) تقريباً، وفي جيلي كنت أول من وضع غطاء الرأس بالشكل (الإسلامي)! تبدو الكلمة مضحكة نوعا ما، ولكن هذه حقيقة لأن ارتداء أغطية الرأس (التستمال) عادة ليبية، أظن أن جميع أمهات جيلي كان لباسهن التقليدي (الردي والتستمال) حيث (الردي العادي) اليومي مع (تستمال)، له عقدة على الرأس، جدتي كانت تضع (عصابة) ملونة معقودة بها دواير فضة ثقيلة تنزل على الجانبين اسمها (الملوز)؟؟ لكن أمي وجيلها وحتى بعض من جيلي لبسن (الردي والتستمال).

البداية كانت من الصف الأول إعدادي حين وضعت (التستمال) والذي صار اسمه (إيشارب) على شعري وكان معقودا بالخلف، وكانت ابنة عمتي “جميلة” معي هكذا. بالصف الثاني إعدادي تحولت عقدته للأمام، ولكن في صيف 1977م وقبل بداية العام الدراسي للصف الثالت إعدادي لبست (شالاً أبيضاً) وغطيت شعري ورقبتي، وصدقوني أن نساء من (السانية) وقريبات لنا، تخاصمن معي وواحدة قالت لي: نحيِّ الخماقة من على راسك ووري روحك.
ولكن إصراري زاد وتعجب “بوي” انقلب إلى حيرة، ولكن كعادته لا يفرض شيئا، وجاء الصف الثالت إعدادي حيث انتقالي و”فاطمة” إلى المدرسة الجديدة (بنت الوطن). كان المشوار طويلا ولكن كانت متعة الصحبة أجمل، تنضم إلينا البنات الآتيات من مناطق (الهجارسة، والدجيبين، وأولاد دياب)، نتساير ونهدرز حتى نصل قبل بدء الطابور الصباحي.

والآن وأنا أكتب هذه السيرة أتساءل: لماذا يا “حواء”؟! هل لأني قرأت كتباً دينية تحض على الحجاب وجلست لأستمع لدروس دينية؟!! أم لاقتناعي أني (قبيحة) ولهذا يجب أن أخفي هذا القبح؟!! صدقوني كل شيء وارد.
إذا هو تساؤل أواجه به نفسي، هل لشعوري بأني قبيحة أم لخوفي من الناس أم ماذا؟؟!!!
الغريب أني كنت دائمة الإبتسام والضحك وكان لدي حضور بين البنات، وكانت تلميذة بالصف الأول إعدادي تأتي معنا كل صباح وتعود من نفس الطريق، هذه التلميذة أحبتني وصارت تطلب دائما أن تأخذ حقيبتي لتحملها عني (والله حدث هذا)، رفضت مرة وأخرى ثم أشهد أني استمتعت بهذه الحظوة، بعد سنوات طويلة التقيت بها كانت قد نسيتني تماما، أم تراها (تناستني)؟ لست أدري. ما أتذكره فترة الإستراحة والتفاف البنات حولي وبعضهن تلجأ إلىَّ في فضّْ خصام ما، وذات يوم جاءت صديقة لي بالصف الأول إعدادي وكانت أختها معي بالصف الثالت، جاءت مع بنت أخرى كي أتدخل برأيِّ وأفصل في الموضوع المثار؛ البنت الأخرى تقول أن المطربة الليبية “عبـير” أحسن من “شادية”، بينما صديقتي تقول لها: مافيش وحدة أحسن من “شادية”؟
وهكذا وقفتا بانتظار ردي والذي اندلق لئيما ومستهزئا بالبنت الأخرى واختيارها “عبير”: من هي عبير هذي قدام العظيمة “شادية”:
– بَرْيِ دوري وين تلعبي!!
مع ضحكة هازئة مازلت أتذكر الألم الذي ظهر على وجه تلك البنت، مازلت أتذكر أنيّ وأغلب جيلي كنا نقرأ لـ”يوسف السباعي” و”إحسان عبد القدوس” ونستمع لـ”عبد الحليم” و”شادية” ونتفرج على المسلسلات المصرية، ونظن أن ليبيا بلاد خالية من كل شيء، لا مسرح لا فن لا موسيقى ولا أدب؟!!

الساعة الآن 5:44 مساءً، 23 يوليو، وأحاول استغلال (قوة النت) لدخول صفحتى الأولى (حواء القمودي)، كي أكمل حوارا بدأته مع تشكيلية ليبية هي الفنانة “حميدة صقر”، ولعليّ أحاول أن أعرف ما حكاية غياب ما هو ليبي من ثقافة جيلي، بل وانغراس فكرة أن بلادنا ليس بها أي معلم لثقافة أو فن أو حضارة؟
تُرى هل هذا اليوم هو مجرد يوم آخر (يموت)؟ نعم هو مجرد يوم آخر.
وزماااان كم عشقت أغنية في شريط لـ”فـيروز”، ليس بصوتها ولكن بصوت جميل لا أدري هل هو لشقيقتها “هـدي”؟
غاب نهار آخر
غربتنا زادت نهار
واقتربت عودتنا نهار
غاب نهار آخر
نهار آخر

رواية نافذة على المطل الخلفي
رواية نافذة على المطل الخلفي

وهكذا كنت أظن كل يوم يمضي يقرّب المسافة بيني وبين هذه (الحرية)، حرية عيش اليوم ببساطة واختيار طريقة العيش، ولكن يبدو أنيّ كنت غافلة جدا وجاهلة بالآلية التي يستطيع بها أيّ مجتمع (استعباد) من ينتمون إليه.
وقبل قليل قرأت ما كتبت عن رواية (نافذة على المطل الخلفي)، وفكرت؛ الكاتب “محمد سالم” -رحمه الله- من ذاك الجيل الذي عاش الحلم الكبير، حلم “جمال عبد الناصر” وكان انهياره مدَّوِيا حين صارت هزيمة يونيو 1967م، (ومات هذا المبدع الشاب عام 1968م في رحلة دراسية إلى تركيا)، والرواية نشرت في عام 1973م، فكرت هل كانت دلالة الرواية هكذا (أحمد / الحلم)، الأم التي تعافت بسهولة بعد انجابه (الأمة التي نسبت للقومية العربية)، وكيف انصبت أحلامه لتغيير واقع الفلاحين والعمال.

(ههههههه… لا تضحكي يا حواء من تفكيرك)؟!! حين كنت أحاول قراءة الرواية وجدت أن “رامز النويصري” كتب عنها في (بلد الطيوب)، ولكن ألزمت نفسي بعدم قراءة ما كتب عنّها حتى أقوم بقراءتها، وأيضا وجدت مقالة عنها في كتاب الولد الجميل “صلاح عجينة” (السطر الأول في الرواية الليبية)، وأيضا تحاشيت قراءة ما كتب عن هذه الرواية، حتى لا أتاثر بأي رأي وأكوّن رأيِّ الخاص بي.
وها قد قرأتها وأزعجتني وغرست مخلبا للألم صبَّ سمّه في روحي التي هي أصلا مليئة بالوجع والكدر؟؟!!! ولكن أيضا جعلتني أفكر في دلالتها وتلك الصورة البشعة عن المدينة، وصورة طلاب وطالبات الجامعة، وكأن (الكاتب) ينتقم أو يردّ صفعة لست أدري، ولكن العجيب كيف فكرت الآن في انهيار الحلم الناصري، هل لأنّه كان حلم فرد لم يشرك معه الآخرين.

قرأت أن الكاتب “غالب هلسا” ظل مختفيا في القاهرة لمدة عشر سنوات، وقبل أيام جاءت ذكري “شهدي عطية”، ثم مقالة “عمر الككلي” عن “أبكار السقاف”، ومصادرة أجزاء من موسوعة لها تبحث في (تاريخ الأديان) وأيضا حين قرأت (الميثاق) ووجدت تلك القطعية:
(الحل الجذري والنهائي والوحيد)…

اليوم هو الخميس: 25/7/2019 – الساعة 12:41.

مقالات ذات علاقة

صبرية العويتي : الشاعرة المنسية

رامز رمضان النويصري

اليوم الأول في المدرسة

سعيد العريبي

السيرة الذاتية للكاتبة .. شريفة القيادي

أسماء الأسطى

اترك تعليق