12- رفيقتي القهوة….
ها أنا في يوم جديد الإثنين: 15/7، والساعة تحديدا كما في هاتفي 12: 13.
بعد الثالثة صباحا عادت الكهرباء وبدأ يوم، يوم جديد تغدو فيه القهوة صديقة، ومتعة لن أخجل من قولي هذا، ولكن أعترف أني منذ انزويت في فراشي البارحة وأنا أتساءل: هل أستطيع أن أحكي في هذه الكتابة عن (وقـائـع) قاسية من حياتي؟ ورغم أنها حكايتي لكن وبشكل ما “تتماسُ” مع حكاية بنات من جيلي، وحيث تساؤل أمي ذات موقف حين تدفق دمعي قدامها:
– مازلتي تعرفي تبكي ياحوا؟!!!
نعم يا أمي مازلت أعرف البكاء ولم أكفَّ عنّه مذ أصابتني لعنة الوعي، وأربكنّي هذا الاختلاف، أربكتني أنت يا أمي لان أحلامك كانت كبيرة، وكنت بنتك الوحيدة التي تريدينها مثالا لكل شيء رفيع؟؟؟!!!
(وها أنا يا “رامـز” أحاول أن أفهم ماذا أكتب، ولا أخفي عنك نهضت لعمل بيتي وأجهشت بالبكاء، نعم بكيت لتلك البنت استغربت أمها دموعها الدافقات ظنت أنها نسيت البكاء وهي كانت كلّ ليلة تبكي مع أغنية “عبد الحليم”:
في يوم في شهر في سنة
تهدا الجراح وتنام
وعمر جرحي انا
أطول من الايام
في يوم في يوم)
يوم سَرَقَتْ حوا….ههههههه
لم تعدّ سيرة إبداعية بل كأنها سيرة ذاتية، ولكنّ هل أستطيع أن أفصلهما سيرة البنت “حوا” وسيرة المبدعة “حواء القمودي”، من أين تستقي المبدعة نبض كلماتها وتبدع الصور أو تأتي بها كما هي:
تنسج من السانية قفطانا للنوم
تختلس من جرة الفخار السمن
وتغلبها خابية الزيت
أتذكر بنتا
سرقت كتب ابن عمتها
خبأتها في معطفها الأزرق.
والله العظيم حدث هذا، سرقت كتب ابن عمتي “مبروكة” عن سابق تصميم وترصد، كنّا في زيارة عمتي البيت الواسع و(عالة الشاهي) واللعب مع بنات عمتي كنت بالصف الثالت ابتدائي والعشاء اللذيذ، وهكذا بزهو فتح ابن عمتي حقيبته ليريني كتبه الجديدة اللامعة، كان يصغرني بعام ولكن دراسياً كان بنفس الصف الثالت لأني أعدت عامي الدراسي الأول، ومذ رأيت تلك الكتب اللامعة قررت أن (أسرقها).
لا أتذكر كيف غافلت الجميع ثم وضعتها في المعطف الأزرق! لففتها جيداَ. ما أستغربه الآن أو أتذكره بكل تحنان، كيف أنّ أحداً لم يتساءل عن سر المعطف الذي بدل أن أرتديه كنت أحتضنه بقوة؟ ربما لم يفكروا أن هذه البنت “حـوا” ستقوم بهذا الفعل الشنيع!! ولكنّ كنت مبتهجة ولا أفكر إلاّ في يومي الدراسي الآتي حيث سأتباهي بكتبي الجديدة، كانت كتبي (تشردت وبادت) من كثرة استعمالها والواجب اليومي و…. و…….، وهكذا كانت خطتي قد نجحت، ورجعت بذاك الكنز وتباهيت قدام معلمتي “نوارة”، ومازلت أتذكر مجيء ابن عمتي لبيتنا وسؤاله عن كتبه:
– ماشفتيهمش يا “حـوا”؟
وهززت رأسي منكرة، ونهضت لأخبيء حقيبتي.
متى تألمت من فعلتي هذه؟ حين كنت في زيارة لعمتي وكنت ألعب مع البنات عند جناح البير تحت التوت الوارف والسبيحي، حين كان ابن عمتي يتحادث مع ابن عمته ويشير إلىَّ، حينذاك أحسست بخجل ورعب من فعلتي، نعم لقد سرقت كتبا مدرسية عن سبق تصميم وترصد حقيقي، ولكن كنت بنتاً بعمر التاسعة أرادت أن تزهو بكتب أمام معلمة صفها، وأن تستمتع بصحبة كتب جديدة حتى وإن كانت مسروقة.
الجميل أن لا أحد من أسرة عمتي شكاني لأبي أو أمي، مرّ هذا الفعل ببساطة وربما لولا تلك الإشارة بيد ابن عمتي الذي كان يُرِي السارقة لما كان هناك ألم أو ذكرى، لماذا؟ لأن ثمة ذكرى مرعبة عن صفعة قوية كادت أن تودي بأذني اليمنى.
كنت تقريبا في السابعة، وكنا نلهو هنا وهناك نتراكض من السانية (اللوطية) لعند السانية (الفوقية) وحتى سانية الجيران، ولكن هي موصولة بالسانية الكبيرة ومتاح لنّا أن نركض ونلعب حيث توتة جدنا الكبير، وذات عشية وأثناء لعبنا كنّا قريبين من (محضن الدجاج)، أمكنة يحضن الدجاج فيها البيض، خافت الدجاجات وهكذا بعبث الطفولة صرنّا نقلب (الدحي).
أتذكر رفعت (دحية) بيدي نظرت إليها وأعدتها لمكانها، ولكن حين عاد الجيران وجدوا عبثا وبيضا مفقودا، كنت ألعب في (فم الحياش) راكضة وإذ بيد قاسية تجذبني، فزعت من أمي الغاضبة، وقبل أن أفهم شيئاً كانت يدها تهوي بصفعة قوية وشديدة على خدي، ولكن كانت إلى أذني أقرب، أمي اعترفت بخطئها وأن هناك من ذكر اسمي وهي لم تتبين الحق، و لكن كان الأذى قد حدث وانتفخت أذني وظلت هذه الأم المسكينة تدفع ضريبة ظلمها لابنتها، أظن أن شهورا مرّت وهي تأخذني لطبيب (ماطور الشبو) الذي حذرها من أذى قد يصيب هذه الأذن.
لماذا أذكر هذه الحادثة؟ لأني مازلت أبحث عن سرّ تلك الشجاعة التي مكنتني من سرقة حوالي خمسة كتب مدرسية، وبكل ثقة خبأتها في معطفي وأمام أبي وأمي وعمتي وأسرتها، أخذت هذه الكتب دون أن يشكّ أحد فيَّ، وعدت مبتهجة وفخورة وأمضيت باقي العام الدراسي استعمل هذه الكتب دون أن يرفّ لي جفن، ربما ليقيني أن ابن عمتي ببساطة سيتحصل على كتب بديلة؟!