قراءةٌ احتفائيَّةٌ لقصيدة (بلد الطيوب) لشاعرِ الجمالِ علي صدقي عبد القادر..
– من يجرؤُ على اعتبارِ نفسِهِ فقيرًا، عندما يكون غنيًّا بحبِّ وطنهِ./ الكسندر بوب.
– أنتَ الجمالُ في عيني والخلودُ في روحي، والشوقُ في قلبي؛ إنَّكِ أنا أيَّتها الأرضُ ! فلو لم تكوني لم أكنْ/ جبران خليل جبران.
– إنَّ من لا يحبُّ وطنَهُ لا يمكنُهُ أن يُحِبَّ شيئًا..!/اللورد بايرون
– إنَّه لجميلٌ أن يموتَ الإنسانُ في سبيلِ وطنِهِ، وأجملُ منهُ أن يعيشَ لأجلِهِ!/ كاريل.
– إنَّ الرجلَ مَدينٌ للوطنِ بالروحِ..!/ سقراط.
– لو مثَّلوا لي موطني وثنًا لهممتُ أعبدُ ذلكَ الوثنا/ خير الدين الزركلي.
– الوطنُ قصيدةٌ من ألقٍ، قصيدةُ فرحٍ أسطوريًّ تزهرُ في الأعماقِ شمسًا وحمائمَ.. وسربَ أمنياتٍ صِبَاح ٍ مِلاحٍ.. / جمعة الفاخري.
الوطنُ يكبرُ ولا يشيخُ، يمتدُّ بانفساحِ الحلمِ ولا يغيبُ.. يتوسَّعُ بقدرِ الحبِّ ولا يبيدُ.. يتوهَّجُ بمساحةِ النور في قلوبِ عاشقيهِ ولا ينطفئ..
والقصيدةُ كقلبِ الشَّاعِرِ تزدادُ ألقًا ووهجًا ونداوةً ولمعانًا كلمَّا تلاهجتها القلوبُ حبًّا.. كلَّما دندنت بها الأفئدةُ ابتهالًا نديًّا للسُّمُوِّ الجهورِ..
ولا مجدَ للشاعرِ مثلُ مجدِ القصيدةِ، ولا خلودَ للقصيدةِ مثلُ أنْ تبقى أغنيةَ الأجيالِ الخالدةِ، أن تُعَلَّقَ في القلوبِ أيقونةً سحريَّةً حيثُ تنبضُ بالوطنِ.. وعلى الشفاهِ أنشودَةً مستديمةً حيث تلهجُ بالحياةِ..
وما من قصيدةٍ عاشَتْ في الجوانحِ، وعلى الشِّفَاهِ كما أحيَتْ قصيدَةُ (بلد الطُّيُوبِ) نفسَهَا، إذ حجزَتْ – مبكِّرًا – مكانَهَا في القلوبِ اللاهجَةِ بحبِّ الوطنِ.. قلوبٍ ظماءِ ظلَّت تبحثُ عن نشيدٍ يقودُهَا إلى مواطنِ دفْءِ الأحاسيسِ، وعمقِ المشاعرِ وصدقِهَا.. كانت تبحثُ عن حبٍّ عميمٍ مقيمٍ بحجمِ الوطنِ، وحلمٍ ممتدٍّ بشساعَةِ تاريخِهِ.. وكلماتٍ عميقةٍ عمقَ ماضيهِ العسجديِّ النبيلِ.. فكانت ( بلد الطبوب ) الأنشودةُ الوجدانيَّةُ المثيرةُ التي تصلِّيها النفوسُ حبًّا وإجلالًا.. تنحني بها صلاةً في محاريبِ الوطنِ.. وفي مرايا البوح قصةَ غرامٍ طاهرةً أثيرةً مثيرةً..
فالقصيدةُ الصادقةُ إذا كُتبَتْ بدمِ القلبِ نشرت ضوءَهَا في القلوبِ، ورشَّت عطرَهَا في كلِّ الدروبِ، وهكذا فعلت هذهِ الربيعيَّةُ الباذخةُ.. الفارهةُ المعاني.. الصادقةُ التفاصيلِ.. المباركةُ بماءِ الشموخِ.. المعطرةُ بريَّا الحياةِ.. الدافئةُ كوجهِ الوطنِ.. الرقيقةُ كنسماتِ ربيعِهِ، الزاهرةُ كمطامحِ أبنائِهِ.. الناعمةُ كأحلامِ صباياهُ.. السارحةِ كأجنحةِ عصافيرِهِ القزحيَّةِ..
ولما لا تزهرُ القصيدةُ فتطلِعُ ألفَ ربيعٍ، وتبسمُ فتشرقُ ألفُ شمسٍ.. وتخطرُ فيندلقُ بحرُ جمالٍ، وتضحكُ فيسري نهرُ ضياءٍ.. فشاعرُهَا مسكونٌ بالحبِّ، مفتونٌ بالجمالِ.. مجنونٌ بالوطنِ.. ليسَ في قلبِهِ الصبيِّ غيرُ اللهِ وليبيا وفاطمة.. وليسَ في أعماقِهِ غيرُ الحبِّ والربيعِ والطفولةِ.. قلبُهُ العشوقُ لا ينامُ في حضرةِ الجمالِ، بل يبقى صاحيًا يرتِّلُ أغاريدَ حبِّهِ.. ولا يغفو إلاَّ في حضنِ الوطنِ.. لا يسهو عن مقارفةِ العشقِ الجليلِ.. على أصابعِ قلبِهِ يحصي أسماءَ عشيقاتِهِ.. ليمطرَهُنَّ – صباحًا – بقبلاتِه المؤرَّجَةِ بندى الأشواقِ الدفيئَةِ.. ويرسُمُ لهنَّ ظلالَ المواعيدِ المضيئَةِ.. جاعلًا لحضورِهِنَّ في قلبِهِ أنوثةَ القصيدةِ وعطرَها وسحرَها ولمعانَها العسجديَّ، راسمًا – في خيالِهِ الجموحِ – جنوحَهَا الجَسُورَ الجَهُورَ..
هو شاعرٌ بمليونِ إصبعٍ.. يعدُّ عليها – كلَّ نبضَةٍ – خصلاتِ شعرِ فاطمةَ، وعصافيرَ نخلةِ الوطنِ.. ونبضاتِهِ المسبِّحَةَ باسمِهِ السَّابِحِ في رحابِ الحلمِ.. في كلِّ حلمٍ تُبَاسِمُهُ ليبياهُ الجميلَةُ.. تهامِسُهُ بدفْءِ الأنثى وحميميَّتِها الآسِرةِ.. تُمسِّدُ قلبَهُ بحبِّهَا.. تساءلُهُ عنِ الفرحِ والدفءِ والأمنياتِ، هل سقى نخلاتِ الحلمِ بماءِ قلبِهِ..؟ هل سامَرَ نجومَهَا الساهراتِ، وناغى قمرَهَا العاشقَ، وَجَاهَرَ بعشقِهِ شمسَهَا البتولَ.. أَمَا كتبَ لحسانِهَا غدَاةَ المنى عهدَ القصيدَةِ..!؟
هل نثرَ من كفِّ روحِهِ حَبًّا لحمائمِهَا، ومن راحةِ قلبِهِ حُبًّا لسمائِهَا وسهوبها وشطآنِها وقبابها وغيماتِها البنفسجيَّةِ..؟، وهل أسمعَ عصافيرَها لحنَ روحِهِ الأخيرَ..؟، هل غنَّى مع نوارسِهَا أناشيدَ التلاقي، وهل أخبر َسواسنَهَا بحكاياتِ آخرِ الحلمِ.. وراودَ ياسمينَهَا باختلاسِ قبلَةِ المساءِ.. ؟
أما حدَّثَ فراشاتِهَا المراهقاتِ عن ربيعِهَا المتجِّددِ الصَّدوقِ..؟ هل سوَّلَ لقلبهِ باقترافِ الهوى، هل وسوسَ للبحرِ بحلمِ الجنوحِ عن أصفاد الشطآنِ..؟ هل مسَّد وجهَ الأرضِ بأصابِعَهِ الطَّفْليَّةِ الحانيَةِ.. ؟ هل لا يزالُ منحازًا لمواقيتِ النُّورِ، وللقصائدِ الحِسَانِ تبني في جوانحِهِ عُرُوشَ الهَوَى، هل لا يزالُ ينسجُ في أعماقِهِ عرائشَ الأمنيَاتِ، متربِّصًا بمطالعِ القصائدِ الفارهَةِ وهيَ تُوَارِبُ لحنَهَا الذهبيَّ على شِفَاهِ الصَّبَايا الحَالِمَاتِ.. ألا يزالُ يملأُ جِرَارَ أحلامِهِ بخصلاتِ الضَّوْءِ النَّبِيِّ لِيَسْكِبَهَا في دهاليزِ الفقراءِ وَجْهَ رغيفٍ، وفي أغنياتِ الجِيَاعِ حقلَ قمحٍ، وأوديَةٍ ذواتِ زروعٍ.. وينقشُهُ في أحلامِ المقهورينَ قامةً للحُرِّيَّةِ، وفي طموحاتِ الثُّوَّارِ شمسًا لا تغيبُ.. وفي أحلامِ العذارَى خيالَ عاشقٍ قريبٍ..؟
ألا يزالُ يترصَّدُ عندَ نافذةِ الحلمِ القوافي العذارى.. مُبِيحًا للشَّمْسِ الضَّحُوكِ أرضَ قلبِهِ تحتلُّها بِحُبٍّ سَافِرٍ لِتُسْفِرَ فَجْرَ الهَنَاءِ عن صُبْحِ الوطنِ عروسًا للألقِ.. وأمًّا للنهارِ الرَّسُولِ..
تشاكسُهُ من جهةِ القلبِ عن فاطمةِ قلبِهِ على حبِّها، ألا تزالُ تُخرجُ لَهُ ألعابَهُ وعصافيرَهُ، تُلبسُهُ بذلتَهُ المَدْرَسِيَّةَ، وتقرأُ على مسامعِ روحِهِ.. ( لا أقسمُ بهذا البلدِ.. ), ( ربِّ اجعلْ هذا بلدًا آمنًا )، تَغْرُسُ في قلبِهِ حُبَّ الوطنِ، وفي جيبِ سترتِهِ وردةً حمراءَ نَمَتْ في تربٍ لا يتكرَّرُ عطرُهُ، هو من تربِ ليبيا الطاهرِ لذلكَ ظلَّتِ ليبيا؛ ظلَّ الوردةُ والقصيدةُ وشبابُ الشاعرِ في ألقٍ متجدِّدٍ مستديمٍ، في ربيعٍ باسمٍ يختصرُ كلَّ المواسمِ في ( بلد الطيوب ).
علي صدقي عبد القادر، شاعرٌ قلبُهُ بحجْمِ الوطنِ.. عنوانُهُ الدائمِ : ( بلد الطيوب ) حيِّ المحبَّة، شارعِ الوطنِ.. بيتِ الحريَّةِ، أما عنوان قلبِهِ، فشارعُ الحبِّ، عيني فاطمَة، خلفَ رفيف أهدابها، أو في النبضَةِ الألفِ بعدَ المليونِ العاشر لوطنِ الحبِّ.. بلدِ الطيوب..
هو قامةٌ عاشقةٌ مديدَةٌ لا تشيخُ ولا تتقاعدُ.. ولا يتوبُ قلبُهُ الفسيحُ عن ارتكابِ فضيلةِ الحبِّ في الهوى الطلقِ وفي الهواءِ العذريِّ؛ لذا فلا تزالُ طيوبُهُ تتثاءبُ في فتونٍ آسرٍ مؤرِّجةً الدروبَ والقلوبَ.
في قصيدتِهِ ( بلد الطيوب ) خلعَ على ليبيا لقبَ ( بلدَ الطيوبِ ) لقبًا رقيقًا رومانسيًا حالمًا تستحقُهُ ( ليبيانا ) بجدارةٍ كاملةٍ، بجدارةِ وجهِهَا الملائكيِّ للحبِّ، وبأهليَّة تاريخهِا الناصعِ للبقاءِ، وبأحقيَّةِ أهلِّهَا في الشمس والأرض والحياةِ، فأنصتوا بقلوبِكِم لطيوبِ ليبيا تتواثَبُ عبرَ كلِّ الدروبِ، فتأسُرُ كلَّ القلوبِ :
بَلَدِي وَمَا بَلَدِي سِوَى بَلَدِ الطُّيُوبْ
وَمَوَاقِعِ الأَقْدَامِ لِلشَّمْسِ اللَّعُوبْ
أَيَّامَ كَانَتْ طِفْلَةَ الدُّنْيَا الطُّرُوبْ
وطنُ الشَّاعِرِ لا مثيلَ له ولا نظيرَ، إذ كانَ بلدًا للطُّيُوبِ، وموطأً لأقدامِ الشمسِ اللعوبِ إبَّانَ صِبَاهَا.. هل تراهُ أردَ أنْ يقولَ إنَّ الشَّمْسَ تشرقُ من هنا.. والعطرُ يبدأ من هنا.. والفرح ينبعُ من هنا.. ها هو يفتخرُ بوجهِ وطنِهِ المشرقِ الصبوحِ فيقدِّمُهُ للجمالِ.. للدنيا بوجهِهِ الذي أحبُّ، ورائحتِهِ التي يهوى، بجمالِهِ وجلالِهِ.. بعطرهِ وسحرِهِ وسناه وضياه:
بَلَدِي وَمَا بَلَدِي سِوَى بَلَدِ الطُّيُوبْ
وَمَوَاقِعِ الأَقْدَامِ لِلشَّمْسِ اللَّعُوبْ
أَيَّامَ كَانَتْ طِفْلَةَ الدُّنْيَا الطُّرُوبْ
بلدٌ بهذهِ الصِّفَاتِ حَرِيٌّ أن يُعشقَ.. جديرٌ أن يحوزَ الحُبَّ كلَّهُ.. وأنْ يتفرَّدَ بالقصائدِ الضوئيَّةِ الماتعةِ.. فكلِّ الدروبِ تؤدِّي إليهِ، فياسمينُهُ الشغوفُ الملوَّعِ بالهوى لا يتوبُ عن مقارفةِ العطرِ وارتكابِ التضوِّعِ البهيجِ :
وَالحُبُّ وَالأَشْعَارُ فِي بَلَدِي دُرُوبْ
وَاليَاسَمِينُ يَكَادُ مِنْ وَلَهٍ يَذُوبُ وَلا يَتُوبْ
البلدُ المحتشدةُ أعماقُهُ بالعطرِ والسَّنَا يحيكُ نهاراتِهِ على مزاجِهِ.. على مقاسِ قلبِهِ السنيِّ البهيجِ.. على سعةِ أحلامِهِ الفساحِ.. فأهله ينسجونَ نهارَهم.. نهارًا استثنائيًا
بوجهٍ ضحوكٍ مندَّى بالمحبَّةِ السامقةِ.. وجْهٍ مُوَارَبٍ على جُزُرِ المحبَّةِ، مطلاُّ على فراديسِ الحياةِ..
النَّاسُ فِي بَلَدِي يَحِيكُونَ النَّهَارْ
حُبًّا.. مَنَادِيلًا وَشُبَّاكًا لِدَارْ
النَّاسُ في (بلدِ الطيوبِ) مغرقونَ في الفرحِ.. يروونَ بقلوبِهِم ألعابَ الصغارِ.. تحاكي ابتساماتُهُم حكاياهم المزروعَةَ بالدهشَةِ، المكتظةِ بالسؤالاتِ البريئةِ.. وتردِّدُ قصصَ انتصارِ هذهِ الأرضِ وساكنيها.. حكايا المجدِ للصغارِ.. رضاعًا بالعزِّة والشهامة والشموخِ.. عن أرضِهِم.. أرضٍ تلدُ الفخارَ كما تلدُ النَّهَارَ :
وَالفَلُّ يَرْوِي كُلَّ أَلْعَابِ الصِّغَارْ
فَتَعَالَى نَسْمَعْ قِصَّةً لِلْاِنْتِصَارْ
لِلشَّعْبِ.. لِلْأَرْضِ الَّتِي تَلِدُ الفَخَارْ
تَلِدُ النَّهَارْ..
اللَّيْلُ في بلدِ الطيوبِ يسلمُ رُوحَهُ لِلْغِنَاءِ.. يرقصُ – على طولِهِ – على تواشيحَ المحبَّةِ.. ذلك قبلَ أن يسلمَ وجهَهُ للصباحِ الأنيقِ الدفيءِ:
اللَّيْلُ فِي بَلَدِي تَوَاشِيحُ الغِنَاءْ
ولقريتِنَا قبابٌ سامقةٌ كحكاياتِ الإباءِ التي تختزنُهَا ذواكرُنَا افتخارًا وانبهارًا:
وَقِبَابُ قَرْيَتِنَا حِكَايَاتُ الإِبَاءْ
قريتُنَا التي أباحَتْ للسمَاءِ الصديقةِ أن تجعلَ من بيوتَهَا أقراطًا في أذنيها علوًّا وسموًّا :
وَبُيُوتُنا الأَقْرَاطُ فِي أُذُنِ السَّمَاءْ
بلدٌ بهذا الجمالِ، بهذهِ الدهشَةِ لا عجبَ أن يغدو ملاعبَ لنجومِ المساْءِ تطرحُ حولَه أحلامَهَا، وتمارسُ في سماهُ عشقَهَا الأسطوريَّ، لتصدحَ على الملأ بقلبِ العاشقِ، إنها تمارسُ طفولَتَهَا هنا في ليبيا، بلدِ الضياءِ، بلدِ الوفاءِ. فما لعبُهَا في فضائها الرحبِ إلاَّ إيفاءٌ بدينِ العشقِ، استجابةٌ لمواعيدِ الهوى، وتبجيلٌ مواقيتِ حبِّ بلدِ الطيوبِ..!
بَلَدِي مَلَاعِبُ أَنْجُمٍ تَأْتِي المَسَاءْ
لِتَقُولَ هَذِي لِيبِيَا بَلَدُ الضِّيَاءْ
كَرَمٌ.. وَفَاءْ…
القصيدةُ مشرقةٌ كوجْهِ نهارٍ.. عاطرةٌ ككفيِّ ربيعٍ.. رائعةٌ روعةَ ليبيا، وشامخةٌ شموخَ قبابِهَا وبيوتِها ومآذنِهَا..سامِقةٌ سموقَ نخيلِهَا.. صادقَةٌ صدقَ أهلِهَا.. دافئَةٌ دِفءَ شمسِهَا.. مضيئةٌ كضياءِ قناديِلِ أحلامِهَا، ونجومِ لياليها.. حالمةً كعيني صغارِهَا في أصابيحِ الأعيادِ المجيدةِ.. مزركشَةٌ كمناديلِ عشَّاقِها الصغارِ المطرَّزَةِ بحروفِ العشقِ.. معطَّرةٌ كأحلامِهم البريئةِ الوضيئةِ..
( بلدُ الطُّيُوبِ ) كاسمِ ليبيا، تبدأُ بالعطرِ والضَّوءِ، ثم تفتحُ شببابيكَ حلمِهَا..تستحمُّ بالنَّورِ.. تتوضَّأُ بالأريجِ.. وتخطرُ مزدانةً بالسَّنا مُوْدِعَةً في القلوبِ صورَهَا المتعدِّدةَ الوجوهِ.. قبلَ أن تعودَ في المختتمِ للعبةِ الضوءِ.. فتغمدُ وجهِهَا في فراديسِهِ.. وللربيعِ تباركَ تثاؤبَهُ المسحورَ.. وتمضي مثلَ حمامةٍ إلى أعشاشِها في أفنانِ القلوبِ..
بوركَ هذا الوطنُ.. بوركَ قَلْبُ الشَّاعِرِ.. تحيا ليبيا قصيدتَنَا الضَّوْئيَّةَ الأَجْمَلَ وَالأَكْمَلَ والأمثلَ.. يحيا الحُبُّ الذي كَرَّسَ الشَّاعِرُ الجميلُ لَهُ قلبَهُ ناسكًا في محاريِبِهِ..
الشاعرُ الذي ظلَّ يعصرُ قلبَهُ ليسقيَ العصافيرَ فرحًا، ويعدُ الفراشاتِ بربيعٍ من صنعِهِ، ويغني للصغار أغاني ترقصُ قلبَ طفولتِهم.. و يُهْدِي للشمسِ شهادةَ ميلادِها.. يدشِّنُ عرسَ النهارِ.. ويصنعُ لليلِ قميصَهِ المطرَّزِ بالنجومِ.. يعيدُ تسميةَ الأشياءِ.. وترتيبَهَا وتهذيبَهَا..
شكرًا، علي صدقي عبد القادر؛ فقد كنْتَ عليًّا صدوقًا قادرًا على اقتحامِ قلوبِنَا بهدوءِ العاشقِ الأنيقِ، وتسحبُ قلوبَنَا، مدمنَةَ الجمالِ، إلى سحرِ بلدِ الطُّيُوبِ..