عمران عبد الله
حافظ التقليد الأكاديمي على تناول تاريخ الرواية منذ نشأتها الأوروبية، مع دون كيشوت عام 1605 أو في أوائل القرن الثامن عشر مع الكلمة الإيطالية “نوفيلا (novella) التي كانت تستخدم لوصف القصص الطويلة في العصور الوسطى، وذلك بالرغم من وجود أشكال سابقة من الرواية القديمة.ويكشف التتبع المبكر لتاريخ الرواية والأعمال القديمة -التي لم تحظَ بلقب “رواية” رغم كونها سردا نثريا طويلا وقصصيا يصف شخصيات خيالية أو واقعية وأحداثا- الكثير عن إسهامات الأدب العربي في العالم، خاصة في فن الرواية جنبا إلى جنب مع الآداب اللاتينية أو اليونانية القديمة واليابانية وحتى الصينية القديمة.
ويرى التقليد الأكاديمي الكلاسيكي لدراسة أدب الرواية أن السرد النثري الخيالي تطور منذ القرن الثامن عشر -ولا سيما منذ العصر الفيكتوري- ليحل تدريجيا محل الشعر والدراما ويصبح ذا شعبية متزايدة لتناوله قصصا وشخصيات عن الطبقة الوسطى.
وتركز الروايات على تطوّر الشخصية أكثر من الحبكة لما للرواية من دور في دراسة النفس البشرية بغض النظر عن نوعها.
الرواية العربية
كتب الفيلسوف والطبيب العربي ابن طفيل الأندلسي (1100-1185 للميلاد) روايته الخيالية ذات الطابع الفلسفي حي بن يقظان، واستخدم فيها رمزية عالية لبطل الرواية استنادا لسلسلة من الكتاب لنفس القصة، بينهم الفيلسوف ابن سينا وشهاب الدين السهروردي.
وكتب ابن الطفيل روايته في سياق الجدل حول دور الفلسفة في الفكر الإسلامي الذي خاضه الفلاسفة مع المتصوف الكبير أبو حامد الغزالي، وأصبح لروايته الاستعارية الفلسفية تأثير كبير على الأدب العالمي، وحظيت بانتشار واسع في أوروبا بعد ترجمتها للإنجليزية في بداية القرن السابع عشر.
ورغم الظن أن الروائي الإنجليزي دانيال ديفو (1660-1731) قد اقتبس فكرة الرواية من ابن الطفيل المتوفى في نهاية القرن 12، فقد عقد الفيلسوف العربي مالك بن نبي في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” مقارنة بين قصتي “حي بن يقظان” و”روبنسون كروزو” للروائي الإنجليزي.
وأشار بن نبي إلى أن رواية الروائي الإنجليزي تدور حول العوالم الحسية والمادية فقط ولا إشارة فيها لما وراء العالم المادي، وأن قصة روبنسون كروزو انشغلت بمتطلبات الأكل والنوم والمواد المصنوعة، بينما انشغل حي بن يقظان في رواية ابن الطفيل بالبحث عن حقيقة الوجود والتأمل حول الموت والحياة ووجود الخالق.
وكتب الطبيب العربي ابن النفيس “الرسالة الكاملية”، وتعتبر رواية فلسفية مبكرة وتجسد نوعا من التفاعل مع قصة ابن الطفيل، ومزجها بمعرفته الطبية مع عناصر من الخيال العلمي، واستخدمها كنوع من الحجاج والرد على “الاعتقاد بحشر الأجساد”، وهو الموضوع الفلسفي الذي أثار جدلا طويلا بين الفلاسفة والمتكلمين المسلمين ومنهم ابن سينا والغزالي.
وعرف العرب الأدب القصصي من عصور مبكرة، وحفظت المخطوطات القديمة أعمالا أدبية قصصية مثل “ألف ليلة وليلة”، و”سيرة سيف بن ذي يزن”، و”سيرة عنترة”، و”كليلة ودمنة” وغيرها.
أعمال أوروبية وآسيوية
وتشمل الأعمال المبكرة للنثر الخيالي -الروايات القديمة- أعمالا باللاتينية، مثل كتاب مغامرات الساتريكون التي وصفت بأنها أول رواية رومانية (حوالي 150 للميلاد) دون أن تعني بالضرورة انتماءها للشكل الروائي والأدبي الحديث، في حين كتبت دافنيس في أواخر القرن الثاني الميلادي في اليونان القديمة قصة “روائية” حقيقية، فيما عرفت روايات سنسكريتية من القرن الرابع أو الخامس الميلادي وروايات يابانية في القرن الحادي عشر بالتزامن مع عمل ابن طفيل الروائي الشهير، وتلتها روايات كتالونية وصينية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
وعرفت حكاية جينجي اليابانية التي كتبت في أوائل القرن الحادي عشر كأول رواية بالمعنى المعروف للرواية، وتقع في أكثر من ثلاثة أرباع مليون كلمة، وقسمتها الأديبة اليابانية موراساكي شيكيبو لـ54 فصلا تتناول قصص جينجي الغرامية، واهتمت خلالها بالتفاصيل الدقيقة والشخصية والعلاقات بين الأبطال.
وأدى التوسع الحضري وانتشار الكتب المطبوعة في عهد أسرة سونغ (960-1279) في الصين إلى تطور رواية القصص الشفوية إلى روايات خيالية من قبل أسرة مينغ (1368-1644).
ولم تحدث التطورات الأوروبية الموازية إلا بعد اختراع يوهانس غوتنبرغ المطبعة عام 1439، وسمح ظهور صناعة النشر على مدار قرن من الزمن بفرص مماثلة بحسب الموسوعة البريطانية، حيث خلق اختراع الطباعة على الفور سوقا جديدة للترفيه والمعرفة الرخيصة نسبيا في ذلك الوقت.
الرواية الحديثة
شهدت الرواية الحديثة منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي عدة تحولات ارتبطت بالتغيرات الفكرية الكبرى في الغرب، بسبب تنامي الطبقة المتوسطة وتوفر المزيد من وقت الفراغ لقراءة الكتب وتوفر المال.
وأدى الاهتمام العام بالشخصية الإنسانية إلى تزايد شعبية السيرة الذاتية والمذكرات والروايات.
وبينما تأثر النصف الأول من القرن التاسع عشر بالفلسفة الرومانسية وأصبح التركيز على الطبيعة والخيال وتجاوز الطبيعة بدلا من الفكر والعاطفة، أدى ظهور التصنيع في القرن التاسع عشر إلى الاتجاه نحو الكتابة التي تصور الواقعية، وبدأت الروايات تصور شخصيات لم تكن جيدة أو سيئة تماما، رافضة المثالية والرومانسية السابقة، ثم تطورت الواقعية سريعا إلى الرؤية الطبيعية التي صورت ظروفا أكثر قسوة وشخصيات متشائمة أصبحت عاجزة بسبب بيئتها.
وينقسم القرن العشرين إلى مرحلتين من الأدب هما: الأدب الحديث (1900-1945) والأدب المعاصر (1945 إلى الوقت الحاضر) ويشار إليها أيضا باسم ما بعد الحداثة، وعكست روايات هذه الحقبة أحداثا عظيمة مثل الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية وهيروشيما والحرب الباردة والشيوعية.
ومهدت واقعية الحقبة الحديثة للرواية الطريق لبروز روايات سريالية في مرحلة ما بعد الحداثة التي تتضمن الواقعية السحرية مثل “مئة عام من العزلة” (1967) لغابرييل غارسيا ماركيز والرواية الرسومية.