في بداية هذا القرن، كان هُناك أسطى طلاء مغربي في حيّنا، اسمه الأزرق، كان معه أجيرٌ ليبيّ يُساعده ويتعلّم منه مهارات الطلاء. ولأنّ شائعاتِ السحر كانت – ولا زالت – تدور عن المغاربة في مجتمعنا المنغلق، شعر الأجير يوماً ما أن الأسطى الذي علّمه؛ قد سحره وضحك عليه في أجره. في صبيحة يوم ما، حمل الموسى/السكّين خاصّته وقصد الأزرق ليقتله، طعنه أكثر من مرّة في بطنه. لم يثُر الرأي العام وقتها على هذه الحادثة، تأسّف لكون الأسطى الأزرق قد مات، لكنه لم يسأل القاتل لما قتله، بل بدأت تدور الشائعات لتأكد أن الأجير كان مسحوراً، واختفت القصة مع الأيام.
أفكر الآن، ماذا لو حدثت هذه الجريمة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي؟ كم من مهاجر مغربي قد يُسْرَق، يُخَتطَف، يُسجَن أو يُقتَل، فقط لأنَ الصورة النمطيّة بها اتهام لهم: مُمارسة السحر؟
بعد عقدٍ ونيّف من حادثة قتل الأزرق، أصدرت منظمة PeachTech Lab بالتعاون مع مؤسسة البيرو الصحفية وDevelopment Transformations مُعجماً يتضمّن مجموعة من أخطر الكلمات المسبّبة لخطاب الكراهية في ليبيا، ورغم أن التقرير يأتي فقط باللغة الإنجليزية، إلا أنّ به معلوماتٍ مهمّة ومفيدة لصنّاع الرأي وصنّاع القرار في ليبيا.
أيّ كلمة بها تمييز، عنصرية، جهوية، اتهام، تحقير، فئوية، مذهبيّة أو أيّ كلمة قد تصنّف البشر إلى مجموعات يمكن التفريق بينها هي كلمات غير مقبولة ويجب إيجاد طرق لقتلها والانتهاء منها، ولا وجود لبديل لطيف لها، هذا من الناحية النظرية
يشكّل التقرير (معجم خطاب الكراهية) مصدراً لفهم تلك الكلمات، ولفهم أيضاً شريحة من الشباب الليبيّ الذين يرون فيها كلماتٍ تتضمن خطاب كراهية، تعريف الكلمات ومنشئها التاريخيّ، ولماذا يعتبر المشاركون الكلمات تشكّل خطابا للكراهية؟ وما هو البديل المناسب لها؟. جمع التقرير كما هو مكتوب داخله البيانات عن طريق استبيانات شارك فيها 250 مشارك، مجموعات نقاش في مدن ليبيّة ونقاشات مع مستشارين محليّين.
في هذا المقال، سأتناول بعض الكلمات المُدرجة بالتقرير (معجم خطاب الكراهية) بالعرض والتحليل، في نقطتيْن فقط: (مجموعة الكلمات، والكلمات البديلة لها) كما قمتُ بوضع قائمة بالكلمات البديلة التي من الممكن العمل بها. ولأكون صريحاً منذ البداية، فإنني أرى – نظرياً- أن أي كلمة بها تمييز، عنصرية، جهوية، اتهام، تحقير، فئوية، مذهبيّة أو أيّ كلمة قد تصنّف البشر إلى مجموعات يمكن التفريق بينها هي كلمات غير مقبولة ويجب إيجاد طرق لقتلها والانتهاء منها، ولا وجود لبديل لطيف لها، هذا من الناحية النظرية.
> كراهية سياسيّة:
(عَلماني، إخواني، مُلحد، كلاب ضالة، أزلام، طحالب، جرذان، ليبرالي، خوارج، مرتدين…) وغيرها.
كلمات ذكرها التقرير تُعنى بالنزاع والتجاذب السياسيّ، وهي كلماتٌ كما يراها غالبيّة عيّنة الدراسة؛ تزيد من حالة الانقسام السياسي في البلاد، إلا أنّ بعض بدائلها المضمّنة هي بدائل تدلّ على أنّ هناك خطأ في فهم قدرة البديل على الاستبدال وجدوى تبديلها من عدمه. فتبديل ” الإخوان” بجملة طويلة غير قابلة على الصمود مثل ” الداعون للإسلام تحت حكم يتبع الشريعة الإسلامية” هو أمر يستحيل، وتبديل “علماني” بـ” يؤمن بالديمقراطية” هو أمر آخر استغربتُ شخصيا وجوده، فأن تكون إخوانيّا لا يعني ضرورة أنّك لا تؤمن بالديمقراطية، وأن تكون علمانيّا لا يعني بالضرورة أن تؤمن بها. كما أن بعض البدائل غير منطقية، كأن تبدّل “خوارج” بـ” مصلحين، أو جماعات أصوليّة” حيث أنّ المعارض لا يحتاج لأن يكون مُصلحاً أو قد لا يكون من الجماعات المحافظة.
> كراهية عرقيّة:
(بربر، عبد، كحلة، يوغدا، عايدون، مصري…). ركز التقرير على مجموعةٍ من النّعوث العرقيّة التي يجب قتلها، إلا أنّ أكثر ما شدّ انتباهي هو أنّ من الكلمات البديلة المقترحة لكلمة “عبد” هي “إفريقي”، ممّا يدلّ على أنّ الليبييّن لا يعون كونهم أفارقة، وأن إفريقيّة بأجمعها كان يطلق عليها ليبيا في الأزمان الغابرة، وأنّ هناك ليبيّون من أصحاب البشرة السوداء.
> كراهية دينية:
لاحظت اختفاء بعض الكلمات الدينية والتي أودت بأهم الطرق الدينية الليبية إلى مصير مجهول: الطريقة الصوفية. لم يلتفت المشاركون لكون كلمات ك”عبيد القبور”، ” الرقاصة” من الكلمات التي جعلت آثار ليبية وأماكن مقدسة ضاربة في الثقافة الليبية لتكون مجرد حطام، وقد تخلى عنه الرأي العام بسهولة. إلا أن التقرير ذكر بعض الكلمات التي أصبحت تستخدم في النطاق السياسي، فأصبح من يمتلك وجهة نظر متحفظة قليلاً داعشي ووهابي، ومن يمتلك وجهة نظر منفتحة ديوث، مرتد وكافر.
> كراهية جهوية:
ممّا جاء في التقرير، وهو الخطاب الذي يتجاذبه الليبيّون بين بعضهم فقط لأنهم ولدوا في مدينة، منطقة أو “إقليم” ما، خطاب مليءٌ بالتصغير والتحقير – السطحيّيْن- حسب ما يأكله الإنسان: بريوش وفاصولياء. أو حسب جهته: شرنقش، غرنبش. أو حسب قربه من بلاد تحدّ ليبيا: توانسة، مُصاروة، تشاديّة (كأن تكون تونسيّا هي تهمة). عيّنة الدراسة أجابت بكلماتٍ بديلةٍ تعد جيّدة -رغم ما قد تعنيه في المستقبل، نظريا بالطبع-: ليبي.
أخيراً، التقرير (معجم خطاب الكراهية) حمل كلماتٍ أخرى، تصف نشطاء المجتمع المدني، النساء، أصحابُ أنماط حياة منفتحة أو محافظة وغيرهم، كما يحمل وصفا تاريخيّا جيّدا (كبداية) للباحث عن عُمق الأزمة الليبيّة وعلاقة الكلمة بهذه الأزمة، ودور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار خطاب الكراهية.
الكلمة يمكنها أن تقلب الدول (خبز وما وبن علي لا، أسقطت زين العابدين علي)، كما يمكنها أن تشعِل الحروب العرقية (هؤلاء الصراصير، يجب أن نسحقهم. حرب رواندا)، ويمكنها أن تشعل أزمة إنسانية عالمية آثارها لازالت مستمرة حتى الآن، لذا فالكلمة مؤثرة، وأصحاب الأفق الضيق فقط من يظنون غير ذلك. ولهذا وجب على صنّاع الرأي وصناع القرار والمؤثرين والمهتمين بحقوق الإنسان أن يكثفوا جهودهم لتقنين هذه الكلمات والعمل؛ حتى لا يموت الأزرق مرة أخرى لأن أحدهم كان يعتقد أنه سحره.
للتحميل التقرير كاملا ([هــــــنــــــا]).