

يتسايلُ الحديثُ على الشِّفَاهِ .. محدِّثُكَ الجريءُ يُبَادِرُكَ بالهجومِ، يُصَوِّبُ نحوَكَ أمرًا صارمًا بالسُّكوتِ وإن طلاهُ بعسلِ لباقةٍ مغشوشٍ : ” ولا تسَّكَّتْ ..”
وحين تتوهَّمُ أنه أعادَ كُرَةَ الحديثِ إليكَ، يعودُ لنزعِهِ من بينِ شفتيكَ متداخلًا : ” نقطع كلامك بالعسل .. “
تتلمَّظ بشفتينِ متيبِّستينِ متلمِّسًا أثرَ العسلِ فيمتلئُ فمُكَ بالمرارةِ ليعودَ قاذفًا كراتِ الحديثِ الفارغِ في كلِّ اتجاهٍ..!!
وحين تعتقدُ أنهُ هدَأَ، وأن هجمتَهُ المرتدَّةَ قد توقَّفَت، ينطلقُ مجدَّدًا لتهدئةِ اندفاعَتِكَ: ” ما تنسى ما في بالك “
وستنسى كلَّ ما في خاطرِكَ سوى رغبةٍ ملحَّةٍ للكمِهِ وإسقاطِ ما تبقَّى من أسنانِهِ الصَّدئةِ..!
يخاشنُكَ عندَ كلِّ حديثٍ، ويحتجُّ في كلِّ التحامٍ، وبعدَ الاحتكامِ لتقنيةِ ( الفار ) يعودُ لمخاشنتِكَ مجدَّدًا : ” عطيني امعاك كلمة ” فتفتحُ فمَكَ حدَّ التمزُّقِ، إذ كيفَ يتوسَّلُ كلمةً وقدِ انتهبَ كلَّ الكلامِ..!!؟
وحينَ تجاهرُ باحتجاجِكَ على اللَّعبِ الخشنِ، واللاعبِ العنيفِ، والفار الأعمى، يفاجِئُكَ بتدخُّلٍ متهوِّرٍ ” اشربْ ومدّْ القدح .. “
تعودُ شفتاكَ للتَّلمُّظِ .. تشعرُ بعطشٍ شديدٍ؛ وقدِ اندلقَ قدحُ الحديثِ مفرغًا كلَّ الكلامِ الممكنِ..
.. وتصمُتُ… وثمَّةَ شعورٌ بغيضٌ بالحسرَةِ يغزو أعماقَكَ ..!!