رواية سيدات القمر لجوخة الحارثي
طيوب عربية

سيدة “سيدات القمر” .. جوخة الحارثي.. إبداعٌ .. و تميّز

رواية سيدات القمر لجوخة الحارثي
رواية سيدات القمر لجوخة الحارثي

جوخة الحارثي ، اسمٌ أطلّ في سماء الإبداع الأدبي ، كاتبةٌ وأكاديمية من سلطنة عُمان ، صدرت لها مجموعات قصصية منها ” مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل ” و مجموعة ” صبّي على السطح ” و نصوص ” في مديح الحب ” كما صدرت لها رواية ” منامات ” وأخيراً روايتها ” سيدات القمر ” وقد تُرجِمتْ بعض نصوص الأديبة جوخة الحارثي إلى الإنجليزية والألمانية.

تقول جوخة الحارثي :إن الكاتب الذكي يدرك أهمية المكان ، فلا يورّط نفسه بالكتابة عن أماكن لا يعرفها .. وكلما احترم الكاتب فنّه انعكس ذلك على عمله ” ، لذلك ـ ربما ـ جاءت أعمالها السردية ـ قصصاً قصيرة أو روايات ـ لاسيّما رواية ” سيدات القمر” لترسم صوراً من المجتمع العماني منذ بدايات القرن الماضي وحتى العشرية المنصرمة من هذا القرن ، صوراً تتلاحق فتجسّد الهمّ الإنساني في مختلف أبعاده ، فهي حيناً تتحدث عن الحياة الاجتماعية بصورة عامة في تلك الأزمنة ، وأحياناً أخرى تخوض في تفاصيل التفاصيل للعلاقات الإنسانية المتولّدة في ذلك المجتمع الذي بدوره يعكس صورةً مصغّرةً للمجتمع العربي برمّته ، حيث لا تختلف تلك العلاقات خاصّةُ علاقة الرجل والمرأة عن طبيعتها في باقي المجتمعات العربية الأخرى ، وإن كانت هناك بعض الخصوصيات التي ميّزت المجتمع العماني تاريخيّاً كتجارة الرقيق في الحقب الماضية ، ناهيك عن الإحالة على أحداث تاريخية معينة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية مرّ بها المجتمع العماني كحرب الجبل الأخضر وغيرها.
لكنّ ما يميّز كتابات جوخة الحارثي هو هذا الثراء اللغوي ، واستدعاء الخيال في آن واحد ، فإذا بشاعرية منسابة تلّون نصوصاً سردّية ليتداخل أبداع أديبة روائية في نفَسِ شاعرة بإمكانيات أكاديمية في الأدب العربي القديم ، هذا التمازج الإبداعي تفرّدت به فعرفت كيف تستخدم أدواتها لتنطق إبداعاً وتميّزاً .
تقول في ” سيّدات القمر ” وهي تصوّر حالة عشقٍ مسكونة بالألم “
حين رأت ميا علي بن خلف، كان قد أمضى سنوات في لندن للدراسة وعاد بلا شهادة . لكن رؤيته صعقت ميا في الحال. كان طويلا لدرجة أنه لامس سحابة عجلى مرقت في السماء، ونحيلا لدرجة أن ميا أرادت أن تسنده من الريح التي حملت السحابة بعيدا. كان نبيلا. كان قديسا. لم يكن من هؤلاء البشر العاديين الذين يتعرقون وينامون ويشتمون. “أحلف لك يا ربي أني لا أريد غير رؤيته مرة أخرى”. ورأته، في موسم حصاد التمر مستندا إلى نخلة وقد خلع كمته لشدة الحر. رأته فبكت، انتحت عند أول الساقية وأجهشت في البكاء” . أو عندما يصرخ الحبيب علي عشقاً
في “سيدات القمر” تكتب جوخة الحارثي رواية لأزمنة ـ حتى لا أقول تاريخية ـ فأجدها موفّقة إلى حدّ كبير بين فعل السرد وفعل التأريخ ، إضافة إلى أن الرواية في حد ذاتها تعني لها فيما تعني أنها فنّ الحكاية ، وقد عرفتْ كيف تدمج بين الفن الروائي الحديث وموروثها الثقافي السمعي من الحكايات الشعبية التي سمعتها صغيرةً ، أو قرأتها في ” بيت خالتها ” ، وما زاد هذا الثراء الثقافي ولوجها عالم ثقافة أخرى بلغة غير لغتها حيث تحصّلت على شهادة الدكتوراه من جامعة أدنبره بالمملكة المتحدة حيث تقول ” كانت الرواية هي الرحم ، والمخزن ، واللسان المقطوع ، أفرغ من أطروحتي ، أنيّم طفلتي ، وأدخل في الرحم السرّي الذي سيمدّني بالحياة ويدفئني لأتحمّل الصقيع ، كتبتُ فصلاً وراء فصل ، استلهم الصور البعيدة والألوان الصاخبة والحكايات القديمة والعلاقات المعقّدة ، وأعيد تشكيل كل ذلك بخيال لا يُحدّ وأمل لا ينتهي بإيجاد عالم داخل عالم ….. أحببتُ أدنبره حين أعطيتها لغتها في الدكتوراه، ومنحتني لغتي في الرواية ” .
أمّا نصوصها التي أعطتها عنوان ” في مديح الحب ” فهي تزخر بالشاعرية أو بالحساسيّة الجديدة كما يسمّيها “ادوار الخرّاط ”

ويستمرّ هذا النزف الشعري ، في بكائية عاطفية حيث نجده في ” مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل ” محاولةً إيجاد تفسير وتعليل للسؤال القديم الجديد .. لماذا نحب ؟ فتقول
” نتحرر من سجن المعاني في كلمات ، من اصطياد الغزلان الشاردة في أرواحنا وإرقادها على مشرحة الفهم والتحليل ، من تشبيك الغيوم في الصخور الواطئة ، من محاولة تفسير ضوء النجوم ، وتوهج الشمس ، وبزوغ الفجر وهبوط الليل ، من تفاهات الاستفهام : لماذا تقوم الزلازل ؟ لماذا تندلع الأعاصير؟ لماذا تثور البراكين؟ لماذا تنمو الأشجار؟ لماذا تتمدد الظلال؟ لماذا نحب ؟” .
جوخة الحارثي .. قلمٌ مميز يرسم الحكايات رسماً ، ويصوّر أزمنةً مضتْ .. بطقوسها وشخوصها الذين خلقتهم لعالمها الخاص ، فتعيد سرد التاريخ واقعيّاً وخياليّاً وتنجح أيّما نجاح في هذا التمازج بين الواقعي والمتخيّل ، متكأةً في ذلك كله على أرثٍ ثقافي ومعرفةٍ مُكتَسبةٍ و روحٍ فيّاضةٍ بالأحاسيس والمشاعر والإبداع.

________________________________
نشر: صحيفة الكلمة بتاريخ 16 يونيو 2013

مقالات ذات علاقة

صفية العايش والبراءة الحارقة

نعمان رباع (الأردن)

مديرية التربية والتعليم في حوّارة تحتفي بيوم اللغة العربية العالمي

المشرف العام

وباء التاج كورونا

إشبيليا الجبوري (العراق)

اترك تعليق