الشاعر محمد الفيتوري (الصورة: عن الشبكة)
طيوب عربية

الدرويش محمد مفتاح الفيتوري

الأيام

رافد علي

الشاعر محمد الفيتوري
الشاعر محمد الفيتوري (الصورة: عن الشبكة)

ولد الشاعر محمد مفتاح الفيتوري في عام 1936 بمدينة الجنينة بجنوب السودان , و انتقلت عائلته إلى الإسكندرية و هو يبلغ من العمر الثلاثة سنوات. أتم حفظ القرآن الكريم في سن التاسعة.
والده كان صوفيا و قد تزعم زاوية الطريقة الصوفية الشاذلية الأسمرية بالإسكندرية . و هو ينحدر من أصول أسرة الولي الصالح عبدالسلام الأسمر الفيتوري. جده لأمه تاجر رقيق يعرف باسم علي بن سعيد شريف الجهمي . جدته لامه تسمي جوعانية كانت زنجية سودانية الأصل.

درس الشاعر محمد الفيتوري بكلية العلوم بجامعة الأزهر وتخرج منها في الخمسينيات حيث كان يشق طريقه كشاعر بالقاهرة التي استطاع أن يلفت الأنظار إليه من خلال أسلوبه واهتمامه بافريقيا عبر نظم الشعر المقرزم المعروف أكاديميا في حينه.
كان أقرب الأصدقاء إليه في تلك البدايات الشعرية بجمهورية مصر العربية من السودان المرحوم محي الدين فارس المهتم بإفريقيا مثله, و تاج السر الحسن , و خيري عبد الرحمن . و من ليبيا كانت له صداقة وطيدة مع شاعرين ليبيين هما محمود شندي و ابراهيم شعراوي .
سلطت الأضواء علي شاعرنا الفيتوري و صديقه محي الدين فارس عندما نشر الكاتب المصري و اليساري التوجه زكريا الحجاوي مقالا بصحيفة المصري آنذاك بعنوان ” شبان صغار سود ينتزعون لواء الشعر العربي ” . أثارت المقالة العديد من الشعراء المقلدين والمحدثين بمصر حسب وصف المرحوم الفيتوري نفسه عبر مقابلة متلفزة له بالفضائية السودانية أجراها معه الصحفي السوداني الشاب المتميز خالد حسن لقمان في آخر زيارة له لموطنه بالميلاد السودان. لعل اختلاط الدماء في عروق الشاعر المرحوم محمد الفيتوري عبر المثلث السوداني المصري الليبي كانت عمقا ايجابيا بكونها كانت ثلاثة مشاعل ملتهبة بعمقها العربي والإفريقي, و مزدانة بروح الصوفية و حالة الاغتراب و التنقل المستمر بمدن عدة في العالم العربي , و التي قال عنها ذات مرة الفيتوري بأن والده قد تنبأ بالغربة كقدر له عندما قدمه والده إلى والدته احتفاء به في اليوم الذي أتم الفيتوري حفظ القرآن المجيد.
تجدر الإشارة أن حالة الغربة تبدو جلية في أشعاره من خلال طرح نفسه كشاعر ينتمي للأرض والإنسان و رفع حالة البؤس والظلم . و لربما أن قصيدته الغربة التي كتبها في 1.06.1969 لم تلقي اهتماما كافيا بالدراسة والنقد والتحليل تعكس الكثير في هذه الزاوية, خصوصا وأنه صرح ذات يوم في بداية الألفية و قبل مرضه بأنها من أحب القصائد إلى قلبه.
للشاعر المغفور له محمد الفيتوري أكثر من عشرين مجموعة شعرية أخرها كان شرق الشمس غرب القمر بحسب المعلومات المتاحة , إذا أنه منذ مرضه عام 2003 لم يكتب حرفا و فقد قدرته على الكلام تدريجيا وضعفت ذاكرته بشكل بطيء و متسلسل. كتب المرحوم الفيتوري أربع مسرحيات شعرية هي سولارا وعمر المختار ويوسف تاشفين والشعر واللعبة.
و قد أحرق موت أميرة ببيته بالإسكندرية بالخمسينيات و هي أول مسرحية كتبها, بعد تعرفه بالقاهرة علي خالد أبو المروي مجدد المسرح الحديث بالسودان فيما بعد والذي أطلع الفيتوري على علم البناء الدرامي المسرحي. لم تنقص الفيتوري الجرأة الأدبية في الإفصاح عن مواقفه من الأشياء من حوله كشاعر في الشأن السياسي والاجتماعي.
ففي مسرحيته الشعر و اللعبة يتناول محمد الفيتوري قضية الشاعر واللعبة السياسية, وخيارات الشاعر في المحافظة على استقلاليته موضحا حجم المعاناة في التعايش مع تلك الضائقة للمبدع العربي المثقلة بلاده بتعسف الحكومات وأنظمته الشمولية.
ففي خطوة جريئة أخرى للفيتوري نشر قصيدته سقوط تشفالين بالثمانينات علي صدر صحيفة الناس السودانية, التي كان يعمل بها آنذاك, هاجم خلالها الصادق المهدي حينما كان على سدة الحكم بالخرطوم, واصفا إياه في إحدى أبياته بالديناصور.
و للجرأة الأدبية مكانة خاصة أيضا عند الفيتوري عندما عارض الإجماع الشعري العربي في اعتبار درويش شاعرا للمقاومة مبررا ذلك أدبيا بقوله أن شاعر المقاومة يحب أن يثير ويصدم، لا أن يعيش على ضفاف الوجع واصفا حال الأزمة , مقترحا سميح القاسم رغم الخصومة الشخصية بينهما أدبيا أو الشاعر توفيق زياد للضفر بهذا اللقب عوضا عن درويش .
و لم يقف الفيتوري عند هذا الحد في الجراءة عندما صرح للصحفي السوداني حسن خالد لقمان بمطلع الألفية بأن المجدد الحقيقي للشعر العربي بمضمونه الثوري و الاجتماعي لم تكن نازك الملائكة بل الشاعر المصري كمال عبدالحليم.
معتبرا أن الهالة التي تحيط بالشاعر هي من تغتال الحقيقة, مذكرا بأن نازك قد أوجدت التفعيلة الحديثة للشعر المعاصر دون أي شيء آخر.

فيما يخص قصيدته المشهورة عربيا بأصبح الصبح, وجبت الإشارة أن الفقيد كتبها في أكتوبر من عام 1960 باسم الحصاد الإفريقي و كان في حالة صراع مع محمد عمار وزير الاستعلامات في حينه, مستبشرا زوال دكتاتورية عبود شهرا قبل سقوطه .
و قد أطلقها المطرب السوداني المرحوم محمد وردي أسابيعا بعد كتابتها. و هذا يخالف الاعتقاد السائد عند العامة بأن أصبح الصبح قد كتبت ضد النميري- الذي سحب منه الجنسية السودانية .
ساد صيت أصبح الصبح من ليبيا عبر أثير إذاعة المعارضة السودانية بطرابلس الغرب خصوصا في فترة الثمانينات من القرن المنصرم, مما أجبر نظام النميري لمنع بث الأغنية بالسودان بتلك السنوات حتى انتفاضة أبريل المجيدة التي أزاحت حكم النميري و ليعود الفيتوري لموطنه في عدة زيارات هز فيها منابر الشعر لدرجة أن الناس كانت تتسلق الأشجار لتتفرج عليه ملقيا أشعاره بالخرطوم.

مقالات ذات علاقة

“أصدقاء ديمة” تصدر بلغة برايل للمكفوفين

المشرف العام

مرآة الشعر..!!

مجد الكتابة الإبداعية

حسين عبروس (الجزائر)

اترك تعليق