العنف، الإرهاب، الكراهية، التمييز، مصطلحات قديمة حديثة، حسيا وماديا فعلت فعلها طوال التاريخ الإنسانى بصور شتى ومشاهد بعضها حفظتها السير والوثائق والمخطوطات واللوحات الفنية بما هى عليه أو بأسطرتها لتظهر أكثر بشاعة ورعبا، ساعة أرهب قابيل أخاه هابيل ومارس العنف ضده ونفذ جريمته بقتله، ساعة اعتدى شعب على شعب آخر وأوغل فى إنسانه تمثيلا بجسده، وأرضه قطعا لكل نبتٍ وإعمار، ممارسات عنيفة جعلت من الإنسان كائنا متوحشا فى عالم بدا كالغابة صراعا لأجل غنيمة، أو فرضا لأيديولوجيا متطرفة، أو دفع البشر لبعضهم البعض غصبا حيازة لوطن موعود!، كل ذلك ما زال يتم فى مشهد صراع الإنسان مع أخيه الإنسان، ومن يتقاسم معه العيش المشترك والمصالح قرُب أو بعُد على هذه الأرض.
ذلك ما تداعى إلى ذهنى فى تجاذبات ورشة عمل نظمتها إدارة البحوث والدراسات الاستراتيجية بقطاع الإعلام والاتصال بجامعة الدول العربية حول توظيف الإعلام فى مواجهة خطاب العنف والكراهية فى اليوم الأخير من الشهر المنصرم، دُعيت لها كإعلامية ومن بلد يمر بمتغيرات عسيرة، وزع من يحكمه السلاح – وقد روج طوال عقوده للعنف – ليصير بكل يد إبان ثورة خرج لها شعبه، كان من نتاج ذلك صعود العنف وممارسة أساليب الخطف والاغتيال والاختفاء القسرى فى عدد من مدنه، وراج استعمال السلاح ليصير بأيدى الإرهابيين الذين اتخذوا من الدين ستارا لممارسة جرائمهم البشعة أو عند من اعتمدوا المغالبة بالسلاح من جناح الإسلام السياسي، وانعكس واقع الحال بكل مضمون ما حملوه ورفعوه كشعارات عبر خطاب تولت ترويجه قنواتهم الإعلامية ومنابر تسلطت بصوتها المُعنف فى صورة مفتى البلاد وتلاميذه.
أوراق العمل التى قُدمت من باحثين مهتمين وإعلاميين وأكاديميين من مصر تحديدا قبل الخوض فى الورشة ومناقشاتها دارت حول محاور عدة قاربت خطاب الكراهية من واقع الإعلام الإقليمى بصحفه وقنواته المسموعة والمرئية كما وسائل التواصل الاجتماعي، والخطاب العالمى الذى مركزيته الإسلاموفوبيا، ورفض المهاجرين وإقامة الحواجز والأسوار، ودعوات للقطع مع كل ما يصدر من دول بعينها تخوض حراكا وتتعرض للإرهاب الممنهج كما فعل ترامب حين رفض منح تأشيرة الدخول لسبع دول عربية، وكذا ما يواصل تنفيذه بقرارات لاقت أصداء نابذة لفعله تجاه المكسيك ومهاجرى باقى دول أمريكا اللاتينية.أما مداخلتى فقد جاءت حول محورين أولهما على صعيد مدى بروز فاعلية منظورة لمواجهة ما نحن فيه، وأننا فى يومنا هذا نتدارس ونرصد ونقيم خطاب الكراهية والدعوة لممارسة العنف والتمييز، ونقدم آليات مكافحة ومعالجة منها تشريعات دولية ومحلية بدولنا المستقرة أو من خاضت متغيرا، وهذا تقدم يحسب لظواهر ظلت محل شكوى وتذمر من أثارها دون انشغال واشتغال عملي، ففى التجربة التونسية مثلا ومع الهيئة المستقلة العليا للاتصال السمعى البصرى (الهايكا 2013) وهى هيئة تمارس مهامها باستقلالية تامة وتستند فى قراراتها للوائح أممية مصادق عليها، وعلى بنود من الدستور، وحققت الهيئة نجاحات فى رصدها ومواجهة كل من يتطرف فى خطابه فردا صحفيا أو مؤسسة إعلامية.وكانت دعوتى لأن يتعاضد الاشتغال الإعلامى فى مواجهة كل خطاب نابذ للسلم الأهلى والمصالحة والتسامح مع إعمال مؤسسات المجتمع المدنى من أحزاب ونقابات واتحادات فى مجالات تمس الجوانب القانونية والحقوقية والمرأة والطفل توعية ومدافعة ودعما، وكذلك الوزارات من تعليم وتربية وثقافة، وأمن وقضاء وشرطة، ومجالس بلدية، وعللت ذلك من خلال وقائع نعيشها وتملأ الفضاء العام، وليس بمُكنة الإعلام ومؤسساته وحدها مواجهة ما يسود نتيجة متغيرات لها ارتداداتها على الفرد والمجتمع، كما يتم التشبيك فى المعالجة بين دولنا، فلكل تجربته وآلياته التى يمكن الاستفادة منها حينما تكون ذات المعطيات التى نواجهها كمكافحة الإرهاب والتطرف وانتشار خطاب التمييز فى اللون والجنس والانتماء الدينى والعرقي.
أكتب مقالى هذا وصدى الاحتفاء بيوم المرأة العالمى يلامس قضاياها، وعلى رأسها العنف وشحن الكراهية ضدها، الذى يطالها خطابا وممارسة، ما يعنى أن على الإعلام أن يُسهم فى مواجهة كل ذلك بنشر التوعية، وإسماع أصواتهن من واقع تجاربهن المؤلمة، وأن يفتح منصات المناقشة والحوار مع كل أطياف المجتمع لأجل إنصافهن ورد مظالمهن، فليس كافيا أن نستند فقط لتشريعات قانونية ولوائح دولية نملأ بها الإضبارات ونخصص لها جلسات فى قاعات نغلقها على أنفسنا، فكما نعرف أن الإعلام له رسالة وهو صلة وصل، ووسيط بين صناع القرار والرأى العام، كما يراقب ويحاسب على كل تقصير وإهمال، وفعله يتقصد التغيير وإعمال الأثر، على ذلك عليه أن يدفع بالتى هى أحسن ليتحقق لهن الإنصاف العادل.