خالد الجربوعي
الكتابة معاناة ما بعدها معاناة..
هناك الكثير من الناس يظنون ان الكتابة هي مجرد مسك القلم وتحريكه فوق الورق من اجل كتابة بعض الكلمات في مدة لا تتجاوز الدقائق احيانا ويظنون ان ذلك امر سهل ويعتبرونه مجرد مضيعة للوقت.
وهم ينعتون من يكتب دائما بأنه انسان فاضي ليس لدى ما يعمله والى غير ذلك من التسميات المختلفة.
ولكنهم لا يعرفون ان الكتابة معاناة بل هي أشد أنواع المعاناة فكل الأمور الأخرى التي يقوم بها الانسان بها الكثير من المعاناة لا أحد ينكر ذلك ولكن تلك المعاناة دائما ما تكون نهايتها معروفة مسبقا بين الربح او الخسارة ويمكن تعويض ذلك في مرة قادمة إذا حدثت الخسارة مثلا.
ولكن في الكتابة فأن المعاناة تختلف ولا تشبه معاناة الكتابة سوى معاناة المرأة أثناء الوضع لأن المرأة في هذه الحالة تضع مولودا من لحمها ودمها وهو جزء منها.
اما الكاتب فأنه يكتب كلمات هي جزء من مشاعره والكتابة هي ابنه الدى يسطر الورق.
وكما لا يمكن للمرأة ان تهون ابنها وتفرط فيه فأن الكاتب يحب كتابته ولا يستطيع مطلقا الابتعاد عنها او التفريط بها.
والكتابة ليست مجرد تلك اللحظات التي تسطر فيها الكلمات فوق الورق بل هي قبل ذلك بكثير حتى تصل الى تلك المرحلة الأخيرة في رحلة الولادة.
ففي البداية هناك الفكرة التي تكون البذرة الأولى للمولود ويجب ان تترعرع هذه الفكرة في العقل مثل الجنين في رحم أمه حتى يصل الى مرحلة النضج وهذه المرحلة من أصعب المراحل ففي هذه المرحلة يحتاج الكاتب للراحة العقلية والهدوء أحيان كثيرة من أجل إيجاد أفضل الكلمات التي يمكن ان يخرج بها المولود متكامل او قريبا من التكامل.
وهذه المرحلة وهى مرحلة نمو (الجنين)الفكرة داخل عقل الكاتب قد تستغرق وقتا قصيرا لا يتجاوز بعض الساعات أحيانا وقد تحتاج الى وقت كبير يصل الى شهور وسنوات أحيانا أخر …
وفى هده الرحلة يعيش الكاتب في صراع داخلي لا يعلم أحد بما يعانيه سوى الكاتب نفسه.
وقد يصفه البعض بالجنون أحيانا وهم لا يدرون ما يعانيه في هذه المراحل ولكن ما ان يتحقق الحلم ويلد المولود ويسطر على الورق حتى يستريح الكاتب من معاناته الفكرية ولكن تبدأ مرحلة أخرى من المعاناة وهي محاولة توصيل هدا المولود الى الأخرين ويحدث أحيانا ان يواجه الكاتب بعض الصعاب التي تمنع ذلك فيحدث ان يسلم ذلك المولود العزيز عليه الى انسان آخر لكى يقوم بدوره في نشر تلك الكلمات على صفحات الصحف او المجلات او غيرها من وسائل النشر المختلفة.
وأحيان يتحقق ذلك و يتم النشر وهنا يشعر الكاتب بالفرحة ولذة الانتصار وان مجهوده لم يذهب سدى ويبدأ في التفكير في مولود جديد.
ولكن أحيانا يحدث العكس ويقع هذا المولود بين أيدى لا تقدر قيمته وتلك هي الطامة الكبرى حيث يضيع ذلك الانسان تلك الأوراق في أي مكان لا يهم حتى في سلة المهملات أحيانا ويمر الوقت ولا يجد الكاتب ذلك المولود وهو يتجول في كل مكان عبر صفحات الصحاف والمجلات وعندما يذهب من أجل الاستفسار عن السبب يجد من يقول له وبكل بساطة ان اوراقك قد ضاعت ولا ندرى أين ذهبت بل قد يحدث من يقول له أحيانا انك لم تسلمني شيئا وهنا يعود الكاتب وهو يحمل كل الأم الدينا فوق كتفه ويلعن تلك اللحظة التي قام فيها بإخراج ذلك المولود الى هذه الدنيا ويقسم بينه وبين نفسه “بأغلظ الايمان” بأنه سوف لن يعود الى ذلك مرة أخرى ويبقى فترة من الوقت وهو بعيدا عن القلم و الورقة كلما حاول الاقتراب منها تذكر ما حدث له ولكن هل تستمر الجفوة بين الكاتب والقلم…لا اعتقد ذلك…فكما ان المرأة ترغب دائما في انجاب الأبناء ليكونوا اخوة لأبنائها الأوائل.
فأن الكاتب الحقيقي لا يمكن ان يبقى بعيدا عن الورقة والقلم لمدة طويلة من الزمن لأن الحنين سوف يشده اليهما رغما عنها ولا يمكنه ان يعيش بدونهما كثيرا لأن الكتابة هي حياته فبدونها لا يمكن ان يشعر بطعم الحياة ولذة العيش.
اعرفتم الأن معاناة الكتابة وما يعانيه الكاتب من أجل اخراج هذه الكلمات على صفحات الصحف والمجلات من أجل ان يستمتع القارئ وهو يرشف فنجان القهوة او الشاي ويجلس بمكتبه او سيارته او بيته او أي مكان كلا حسب رغبته يقرأ ما يريد ويترك ما لا يحب دون أي تعب او معاناة سوى حب القراءة من أجل تنمية العقل وزيادة المعلومات وهذا ما يفعله الكاتب عندما يكتب لكي يوفر لكم مثل هذه اللحظات القيمة في حياتكم الجميلة.
فهل هذا انسان فاضي وليس لديه ما يفعله بالله عليكم اما لكم رأى أخر.