محمد نجيب عبدالكافي
لا شك وأنّ الكثيرين ممّن شرّفوا هذه الصفحة بقراءتهم ما أمليته على حاسوبي حول مجانية وتعميم التعليم في ليبيا التي عرفت، لا شك أنهم حصروا فهم التعليم في الكتاب والقراءة والقلم والمداد وما يسطرون. حسنا فعلوا . غير أنّ الكثير يعلم أنّ ذاك المُكوِّن الظاهر البارز من التعليم لا يؤتي أكله إلا إذا بُنِي على أسسه الصحيحة من تربية وآداب وأخلاق وسيرة وانضباط ووفاء بالعهد، وكلّ ما أوصانا ربّنا به ومنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًاۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.
هذا وغيره هو أساس التعليم الحق، وهذا ما أراده الأولون أثابهم الله، فأقاموا مؤسّستين عتيدتين، واعتنوا بهما كلّ عناية فأثمرتا وكان مردودهما ثراء مباركا فعرفتا باسمين شهيرين: مدرسة الفنون والصّنائع والكشافة الليبيّة.
● مدرسة الفنون والصنائع:
هذا المشروع التاريخي الضخم يحتاج لدراسة عميقة مكتملة وكتاب يسجل تاريخه وتاريخ من شيدوه ومن صانه ومن منه ارتوى وتخرّج. أما هنا فسأكتفي بالتذكير أن هذه المدرسة أقدم من الاستقلال، أسست عام 1898 – إن لم تخن الذاكرة – مشروعا خيريّا ساهم في إنجاحه الشعب بكل مكوّناته فازدهرت الشجرة وأثمرت. عرفت المدرسة نشاطا وتقلبات ونجاحات – رغم الاستعمار الذي حاول طلينتها فاستعصت حتّى بلغت بسلام بزوغ شمس الاستقلال. عندها احتضنها النظام الناشئ فجعل منها أشبه شيئ بكلية متعدّدة فروع التخصص علميّا ومهنيا وفنيّا، ضمن برنامج شامل سهر العاملون، جازاهم الله، على بلوغ المرمى المنشود وهو تكوين أجيال متعلمة مؤدبة ناشطة متمسكة بجذورها وفنونها وهذا ما تحقّق بعون الله وتوفيقه فتخرّجت دفعات برزت بعد التخرج في مختلف مجالات الحياة الثقافية والصناعية في ليبيا، متميّزة خلقا وأدبا ووطنية وتديّنا. سعدت بالتعرف على بعض الخريجين، أسمح لنفسي بذكر أحدهم، لأنه يضرب بعصاه في مجال صعب من ميادين الثقافة ونشرها ولأنه معروف بدماثة الأخلاق وجميل المعاملة وحب الوطن وصديق الجميع فليعتبر كلّ الخريجين أني ذكرتهم بذكره هذا هو السيد سالم سعدون صاحب دار من أشهر وأنجح دور النشر العربية.
– الكشافة الليبية:
تحتاج هذه المؤسسة منّي ومن أيٍّ يجرأ على الكتابة عنها دراسة مطوّلة منهجية. لكن بما أننا في عصر السرعة – حسب قولهم – فسأحاول الاختصار مع طلب المعذرة من المؤسسة وممّن انتسب إليها. تأسست الكشافة عام 1954، على يدي القائد علي خليفة الزائدي. سنوات أربع فإذاهي علم يشار إليه بالإعجاب، فتحرز على الجوائز بفضل كشافيها ومرشداتها. إنّ مبادئ الكشافة وأهدافها يعرفها الجميع، لكن ما قد لا يعلمه الكثيرون هو توفيق الكشافة الليبية في في تكوين مواطنين أكفاء منجزين، شيمتهم الانضباط والإخلاص في العمل. إنّي متيقّن من إنّ جلّ – كي لا أقول كلّ – من كوّنتهم الكشافة كانوا ولا زالوا، في الإدارة ومسؤولياتها أو في الأعمال الحرّة، مثال المقدرة والانضباط والإخلاص وطهارة اليد واللسان وحب الوطن والعمل من أجله . لمن عايش ليبيا قبل الزلزال، سأذكر أمثلة كي تكون على ما أقول شهيدة. أبدأ بأحد القادة الذين ساهموا بنصيب في إنجاح مسيرة الكشافة وهو الحاج جمعة إبراهيم منصور الذي تقلب في مناصب عدّة آخرها محافظ، ومن الذين تكوّنو معه أذكر يوسف قنبور والدكتور محمد فحيمة ومنصور رشيد الكيخيا وابراهيم بن شعبان ومحمد الأمين المنصوري والبخاري سالم حودة ومحمود السرّاج وعبد الحفيظ الزليطني والصديق الذي فتح لي ذراعيه وصفحته هذه التي مكنتني من شرف التحدّث بصراحة مع ليبيا وأهلها وهو الصحفي القديرالمهدي يوسف كاجيجي. هؤلاء نموذج يؤكد قولي الذي قد يكون منقوصا إن لم أذكر وزيرا صان الكشافة واحتضنها بكل عناية تذكر فتحمد ألا فهو السيد عبد المولى لنقي.
هذه ليبيا التي عرفت. وللحديث بقية إن طال العمر.
___________________________
– الصورة: لقطة نادرة التقطت فى الخمسينات، للاستاذ الناشر سالم سعدون بطيخ، وهو يرتدي الزي الخاص بمدرسة الفنون والصنائع الاسلامية. من تصوير اشهر مصوراتي وقتها “ستوديو باراقوني”.