من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
قصة

ورغم ذلك..!

من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي
من أعمال التشكيلي.. معتوق البوراوي

… في طرَف الغابة.. في البيت الريفي.. الصفيحي.. حيث يتصاعد دخان المساء في تعرُّجاتٍ كسولة.. تلِد الكلبة ستة جِراءٍ بِيض.. تتشمَّمهم بعمق.. تلحسهم.. تُرضعهم.. تغمرهم بدفئها.
في الصباح.. ينهض صاحب البيت مُبكِّراً.. ينتزِع الجِراء.. يضعها في كيس.. يقذف بها في مؤخّر السيارة.. ينطلق في الطريق الترابي الممتدِّ جنوباً.. الذي يغيب عند خط الأفق.
تَثِبُ الأُمُّ.. تعدو وسط زوبعة العجاج.. تلهث.. تتناسل المسافات بينها وبين جِرائها.. تركض.. تركض.. تتوسَّل.. تتعثَّر.. تخور قِواها.. ترفع عُنقَها بيأس.. تُصيخ إلى العواء يخفُت شيئاً فشيئاً.
تبتعد السيارة.. يبدو سطحها اللامع نقطةً تسبح في المدى المشطور بالغبار.. يتلاشى هدير المُحرِّك.
تقف الكلبة.. ترتعش.. يتساقط لعابها خيوطاً.. ترفع رأسها إلى السماء.. تنتحِب بصوت عالٍ.. وفي هدوءٍ وعجز تُرسِل بصرها مع امتداد الطريق.
تعود.. لا تكاد تخطو.. تبسط ذراعيها.. تضع رأسها على التراب.. تملأ أنفَها رائحةُ جِرائها.. تُحِسُّ بالحليب يتدفَّق.. تتململ.. تضغط أطْباءها على الأرض الدافئة.
في المساء.. عندما ارتفع عواء الذئاب في الغابة المجاورة.. انتفضتْ.. هَبَّتْ واقفة.. تحرس البيت حتى الصباح .. حتى الصباح!

(1994)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الرغم من أنَّ هذه القصة حدثت في طفولتي.. وانحفرت في ذاكرتي.. وقد سجَّلتها في كتابي (الجِراب).. ولاتزال تقع في ريفنا حتى الآن.. إلاَّ أنني أُشير إلى قصيدة للشاعر الروسي (سيرغي يسنين) بعنوان: (أغنية للكلبة).. يتحدَّث فيها عن نفس الحالة.

مقالات ذات علاقة

تنورة صفراء

عائشة إبراهيم

الوجبة

فتحي نصيب

أبجدُ جيلٍ فجيلٍ

محمد دربي

اترك تعليق