طيوب عربية

الإبداع المشترك .. فكرة مرفوضة

ميديل إيست أونلاين :: من أحمد رجب

كانت المداعبة وليس التجريب هي من دفعت طه حسين وتوفيق الحكيم لكتابة رواية مشتركة هي “القصر المسحور” في عام 1936، وربما كانت هي السبب نفسه الذي جمع بين جبرا ابراهيم جبرا وعبدالرحمن منيف في رواية “عالم بلا خرائط” في 1982، ولأن الإبداع عمل شديد الفردية والذاتية، فلم تتكرر التجربة كثيرا، بل لقي هذان الكتابان إهمالا نقديا لم يواجهه أي عمل لهؤلاء الأربعة الكبار، وقد شهدت الأعوام الأخيرة محاولات مشابهة عربيا وعالميا لكن هذه المرة كان دافعها التجريب، الذي بلغ مداه في الإفراط والطرافة مع الرواية الإيطالية “في أرض الأعداء” التي اشترك في كتابتها مائتان وثلاثون كاتبا، استغرقوا في كتابتها ست سنوات تحت إشراف مؤسسة “صناعة الكتابة المشتركة” التي قدمت تجارب عديدة في التأليف الروائي الجماعي، فهل يمكن أن تنتشر هذه “التقليعة” لتصبح ظاهرة أدبية.

توقيع منفرد

الروائية المصرية سهير المصادفة ترى في الإبداع الجماعي عملا صعبا، فكتابة الرواية عندها “تشبه إلى حد كبير تشييد بناء هندسي متفرد ونادر في الزمان والمكان، ينطلق الروائي أثناءها من مشاعره وخبراته الحياتية وسياقاته الثقافية وتركيبته النفسية ومجمل نظرته للكون، ليخلق عالمًا يخصه وحده، ولن ينجح في ذلك إلا بتوقيعه المنفرد”.
كذلك يرى الناقد د. محمد حسين أبوالحسن “أن الإبداع عمل ذو طبيعة فردية لا جماعية، وهو لا يتصور أن عملا إبداعيا خلاقا يتشارك أكثر من عقل من العقول المبدعة، قد تطرأ على أذهاننا أفكار متشابهة أو متقاربة، وقد نفكر معا في تطوير فكرة ما، تصميم سيارة فخمة جميلة وقوية، مثلا، لكن هذا قد لا ينسحب على تأليف قصيدة أو رواية أو لحن موسيقى، من العيار الثقيل، وما تجربتي “القصر المسحور” و”عالم بلا خرائط” إلا استثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها، بالنظر إلى طبيعة الإبداع، فهو نشاط إنسانى “فردي”، يرتهن نموه بحيوات ومغذيات شخصية وحواضن مجتمعية، ثقافية وسياسية واقتصادية وفنية، تجعل من العسير الاشتراك في إبداع عمل مشترك، والأمر برمته يطرح طيفا واسعا من الأسئلة من عينة: كيف تتسق طبيعتا أديبين أو موسيقيين مختلفتين في إنتاج منجز إبداعى؟ وعلى أى صورة سيكون هذا المنجز؟ ومن الذي سيكون أكثر تحكما في إضفاء شكله النهائي؟ ثم أين مفهوم الإلهام الحالم عصب الفن الحقيقي في المبتدأ والمنتهى”.

زي الفريك

ويوافقهما الرأي الكاتب السوري الكردي هوشنك أوسي ويقول: “أساس الإبداع في تصوري، قائمٌ على الأنا – الذات – بما تختزنه من نزوع نحو الابتكار بهدف الاختلاف والتفرّد وتجاوز السائد والتقليدي. وبما أن لكل ذاتٍ مبدعة أناها التي يفترض ألاّ تهفو نحو التشابه أو التطابق، فضلًا عن رفضها الاندماج ضمن السياق أو السائد من أنماط التفكير، قولًا وفعلًا وتخيّلًا، لذا، استبعد فكرة وجود إبداع مشترك، ثنائي أو ثلاثي على الصعيد الكتابي الادبي. 
ويضيف بأن السينما مثلا تشترط الجماعية، ومن الجائز أن يشترك البعض في كتابة عمل بحثي لكن بالنسبة للإبداع الأدبي فذلك غير جائز، وعليه فأي شراكات من هذا النوع، ستخضع بالضرورة لمنطق التفاوض والمساومة والتوافق، لاستحالة تطابق الأنا – الذات – لدى الأطراف المشاركة فيه. وأي عمل أدبي، يخضع للتفاوض والمساومة والتوافق الذي يفضي بالضرورة إلى التنازل من قبل الطرفين المشتركين في العمل، تسقط عنه صفة الإبداع القائم على الجرأة والتفرّد، ويصحُّ على الإبداع المثل المصري الشائع؛ “زي الفريك، ما بيحبش شريك”. وخلاصة القول: لست مع الكتابة المشتركة، ولست ضدها لكني لا أحبّذ وسمها بالإبداع”.

مرحلة معقدة

ويقول الروائي السوداني عماد البليك: “الإبداع المشترك تجربة إنسانية حاضرة في التراث الشعبي والنصوص القديمة، حيث يعمل المجتمع ككل على إنتاج نص معين والإضافة والحذف فيه، بحيث يختفي المؤلف في نهاية الأمر، وفي الكتابة الحديثة فإن هذه التجربة قد تبدو صعبة بحيث يتمكن شخصان من إنتاج نص واحد متآلف، ويرجع ذلك لأن المتلقي يتعامل مع النص على أنه مؤلف من قبل شخصين. لكن لو غاب هذا التعريف أو لم يدرك القارئ طبيعة التأليف أو من هم المؤلفون أو عددهم لكنا أمام تعاطي مختلف مع النص. 
بظني أن النص الروائي الذي يكتبه شخصان مهما كانا لن يبدو متماسكًا بالشكل الذي يكتب فيه من قبل شخص واحد، لأن طبيعة النص الروائي يقوم على حساسية فائقة ينظمها حس إنساني وهوية محددة للكاتب، بحيث يصعب إدغام المشاعر البشرية في ذات متحدة واحدة. أما بخصوص التطور التقني الهائل وعصر التفاعل الرقمي، فالنصوص الجماعية ممكنة لأننا أمام حساسية جديدة تتعلق بتحول مفهوم النص نفسه، بحيث إنه يتحول إلى شبكة من العلاقات النصية وليس نصا بمفهومه التقليدي بين دفتي كتاب. فالأدب التفاعلي كما سبق أن قال امبرتكو إيكو يقوم على التشارك بحيث يصبح تولستوي القادم “أنت وأنا”، والخلاصة أننا في مرحلة معقدة ما زالت تتبلور ولم تصل إلى آخر المطاف الذي يجعلنا نفهم ماذا سيعني النص سواء أنتج على مستوى فردي أم جماعي”. 

ما المانع؟

الروائي المصري عبدالنبي فرج يخالفهم الرأي قائلا: “العمل الأدبي عمل عقلي في جوهره ينظم الخيال ويضبط الصور، ويصنع بنية أفكار ووجهة نظر. فإذا توافقت الرؤية فما المانع من أن ينظمها سرد مشترك، الرفض يأتي من النظرة التقليدية للفنون عامة والشعر خاصة، التي تراه وليد الإلهام وهذه وجهة نظر رومانسية للأدب، فالكاتب لا ينام تحت القمر ويسقط عليها الإلهام، فالكتابة وليدة القراءة الجادة والنظر بعمق للعلاقات الاجتماعية واستبطان الشخوص، والتأمل الباطني، والمشاهدات الواعية، من باقي الفنون مثل المسرح والسينما والفن التشكيلي، يستطيع أي اثنان أو ثلاثة، أن يكتب رواية جيدة مادام هناك توافق حول مفهوم الرواية ومسار عام ومفتوح للأحداث، وبعد ذلك يتم إطلاق العنان للخيال كل بما يملك ويتم بعد ذلك إعادة سرد الأحداث، والتوافق حولها، يجب أن نعلم أن الغرب قطع شوطًا كبيرا مازلنا غير قادرين على الانتظام داخله وهذا النسق هو إعطاء المحرر العام وهذا عمل يقوم به شخص فائق المعرفة ومثقف كبير يقوم بمراجعة النص الرواية أو القصة القصيرة والتدخل فيها سواء بالحذف أو بالإضافة، أو باقتراح شخوص، أو ترتيب الزمن أو غيرها من باقي عملية السرد، عملية السرد معقدة وبه تفاصيل كثيرة ومؤكد يحتاج الكاتب إلى عين أخرى لترى، ما المانع أن يكون العين الثانية مشتركة في عملية الكتاب، ما المانع، أرى أنه ليس هناك مشكلة بالمرة “. 

مقالات ذات علاقة

القصيدة المقال المقاوم

المشرف العام

زمن الحجر..

حسين عبروس (الجزائر)

في قريتنا سنجاب…

المشرف العام

اترك تعليق