الجديد الجزائرية تحتفي بالأدب الليبي.
استطلاعات

صحيفة الجديد الجزائرية: بين الحقيقة والواقع :: الأدب الليبي بعيون بعض مبدعيه.. إلى أين؟

استطلاع: مراد غزال

الجديد الجزائرية تحتفي بالأدب الليبي.
الجديد الجزائرية تحتفي بالأدب الليبي.

قالت الأديبة الليبية “شريفة القيادي “:” إن الليبيين شطر من هذا العالم قريبه وبعيده ,ولابد أن نفهم هذه الحقيقة ونتصرف على أساسها “.

يعد الأدب الليبي من الآداب والكتابات التي لم تأخذ نصيبها من الاهتمام والانتشار بالساحة العربية ويبقى القارئ العربي بعيدا كل البعد عنه باستثناء بعض الأصوات التي ترغمك على سماعها كإبراهيم الكوني … 
وككل البدايات كان الأدب الليبي مقصوراً على الشعر الملتصق بالطبقات الهشة وحكايات الناس .ومرورا بالحكم العثماني فالاحتلال الايطالي اللذان أرادا إبعاد الليبيين عن موروثهم وتفريغ المحتوى الجمالي العميق للفرد وإسكانه عالما من التخلف والتبعية الثقافية .وهذا ما لم يسمح بإنشاء حركة ثقافية جادة وحقيقية .ولكن مع رحيل الإيطاليين وقيام الإدارة البريطانية سمح بصدور بعض الصحف فاستجابت هذه الصحف لنهم الليبيين وشغفهم بذواتهم المغيبة منذ أمد.وقد يخفى على القارئ الجزائري أن أول مجموعة قصصية ليبية أُصدرت كانت للقاص “عبد القادر أبو هروس” (نفوس حائرة )1957 ,ومع انفتاح الأدب على الآداب العربية وخصوصا بمصر بدأت محاولات جادة للكتابة حيث كتبت السيدة “زعيمة سليمان الباروني “مجموعة من المقالات القصصية عنونتها ب”القصص القومي ” أما فن الرواية فقد تأخر ظهوره بليبيا كثيرا مقارنة بباقي الأقطار العربية وذالك حتى بداية السبعينات والذي شهد استقرارا مجتمعيا واقتصاديا سمح لها أن تتكلم عن ذاتها وواقع الليبي بكل حرية ولكن هناك من ينسبون السبق للرواية الليبية للكاتب الليبي فريد سيالة الذي نشر نتاجه في حلقات في مجلة “هنا طرابلس الغرب “1957 ونشر الكاتب نفسه أول رواية ليبية مطبوعة سنة 1961 بعنوان “اعترافات إنسان ” وهناك من يرى أن رواية “مبروكة ” هي أول رواية ليبية ولكنها ولدت بالمهجر بالتحديد بسوريا للكاتب ” حسن ظافر بن موسى “سنة 1952 وتوالت الإصدارات للرواية الليبية كالكاتب محمد علي عمر وروايته “أقوى من الحرب “1962. وسعد عمر غفير سالم وروايته “غروب بلا شروق “1968. وكذا ظهور أقلام نسوية كالكاتبة مرضية نعاس وروايتها “شيء من الدفء”.ويعتبر ” إبراهيم الكوني ” هو مخرج الرواية الليبية من قوقعتها المحلية لروابي العالمية .أما من رواد الشعر بالمشهد الليبي فنذكر علي الفزاني وعلي صدقي عبد القادر ومحمود الشلماطي وغيرهم من فحول الشعر بليبيا .
وهناك جيل كبير من المبدعين شعراً وسردا ونقدا وتجارب مسرحية رائدة لم ترى النور بسبب التهميش تارة والتضييق السياسي تارة أخرى وعدم نشر أعمالهم أو انكفائها على ساحتها الداخلية .

وبهذا الصدد يكلمنا الكاتب رامز رمضان النويصري، عضو رابطة الأدباء والكتاب الليبيين، شاعر وناقد. مشرف موقع بلد الطيوب. عند الأدب الليبي بعد 2011….لجريدة الجديد .

في العموم، الأدب الليبي لا ينفصل عن الأدب العربي إلا جغرافياً، ليعبر عن مجموعة الأدباء والكتاب الذي يسكنون بلداً عربياً باسم (ليبيا). بالتالي فتاريخ الأدب الليبي، هو تاريخ الأدب العربي، وربما ببعض الفوارق، فيما يخص بعض الأجناس الأدبية، وخاصة القصة القصيرة والرواية، إذ للشعر السبق كأقدم الأجناس الأدبية في ليبيا.
وكما في بقية البلاد العربية، شهد الأدب الليبي لحظات مهمة، في تاريخه، تبعاً للتغيرات التاريخية التي مرت بها المنطقة، محلياً وإقليمياً، عرف فيها لحظات رخاء، وأخرى جف فيها نبع الأدب والكتابة. لكن الثابت إن الأدب الليبي كان دائماً معبراً من خلال الأدباء عنهم وعن قضاياهم.

وقد كتب أدباء وكتاب ليبيا في جميع الأجناس الأدبية، والإبداعية، وأثروا المكتبة العربية بالعديد من النصوص الإبداعية، وكان لهم أسهامهم النقدي، وإن كان بسيطاً، ولعل بروز بعض الأسماء الليبية ووصولها للعالمية، كالروائي “إبراهيم الكوني”، الدليل على ما لهذه الأدب من تاريخ وقدرة على الاستمرار والتميز.

أما “2011 “يعتبر حدث مهم في التاريخ الليبي، خاصة وإنه جاء بطريقة مختلفة، وأحدث هزة كبيرة في المجتمع الليبي، وأحدث تغييراً كبيراً ومهماً في التاريخ الليبي.
فقد أحدث التغيير، 17 فبراير 2011، ثورة جعلت الأدباء والكتاب في ليبيا يخرجون عن تحفظهم، وصمتهم خلال فترة حكم القذافي، والذي عانوا فيها الكثير من أنظمة المراقبة وتقييد لحرية التعبير، وسجن أصحاب الرأي والفكر، بعد ما يعرف بالنقاط الخمس، التي أطلقها القذافي في خطابه بميدنة زوارة، 15 أبريل 1973، والتي أعلنت فيها الثورة الثقافية.

كانت الفترة ما بعد 2011 زاخرة بالإبداع والنشاط الثقافي، وعرفت ليبيا حركة نشطة في مجال المطبوعات، فصدرت أكثر من 200 صحيفة ورقية، إضافة لمجموعة كبيرة من الكتب، تميزت فيها الرواية.

لكن للأسف هذا لم يستمر كثيراً؟!!
فقد عادت للواجهة عمليات قمع الرأي، حد الاغتيال، فما كان من بعض الأدباء والكتاب، والصحفيين، وخاصة بعد أحداث يوليو 2014، مغادرة ليبيا؛ بالانتقال للسكن، أو اللجوء، أو الصمت، كما غالبية أدباء وكتاب ليبيا الذين لم يغادروها. وتبعاً خبت جدوة النشاط الثقافي والأدبي في ليبيا.

مع العام 2016، بدأت بعض النشطات الثقافية والأدبية بالظهور، من خلال جمعيات وملتقيات أهلية، تركزت بشكل خاص في كل من طرابلس، وبنغازي، وبعض الأنشطة المتفرقة في بعض المدن الليبية، والمستمرة في نشاطها حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

وبشكل عام، لامس الكاتب والأديب الليبي، وجع الناس، وجعه، وسعيهم للحرية، خاصة وإن 17 فبراير 2011، حملت الأمل بالخروج من بوتقة حكم الفرد، الذي اختصر البلاد في كينونته، ورهنها ببقائه. 
الأديب الليبي، أطلق صوته، وصدح مطالباً بالتغيير، وبحقه في التعبير عن رأيه، وعن فكره، والحصول على حقه في النشر، وإصدار المطبوعات، وألا يكون تابعاً للسلطة أو بوقاً لها. ومن خلال متابعتي، كان السبق للشعر والقصة، بشكل أو بآخر، في رصد هذا الحراك، وتتبع لحظاته والهتاف للحرية. وربما بسبب إمكانية الشعر للرصد اللحظي، الآني، اليومي، كان هو أكثر صور التعبير انتشاراً، خاصة مع دخول أكثر الأدباء والتواصل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص الفيسبوك، ولقد رصدت أكثر من كاتب يمارس الكتابة الشعرية، من خلال تقنية النص، أو النص المفتوح كأحد أساليب التعبير.
الرواية جاءت من خلال مجموعة من الأسماء، التي كان أغلب كتابها خارج ليبيا، بالتالي كانت هذه الروايات رصداً للحظاتهم الشخصية، والتي ترصد تجربتهم من نظام القذافي سابقاً.
المسرح، قدم بعد التجارب التي القليلة وربما السبب هو حاجة المسرح للإمكانيات، لكن هذا لم يمنع إقامة بعض العروض في مدن؛ طرابلس، بنغازي، مصراتة، هون، اجدابيا.

كما تعرض الكاتبة نعمة الفيتوري من خلال نافذة الجديد الثقافية ,أن النساء الشاعرات أتقنته وسبحن فيه بجدارة وأثبتن قدرة وتميز بدرجة كبيرة ..قد تأخر كثيرا صدور أول ديوان للشاعرة فوزي شلابي في عام 1984 بالرغم من ان الحركة الأدبية النسائية قد عرفت الكثيرات من الكاتبات خلال فترة الستينيات ولعل أبرزهن السيدة خديجة الجهمي وزعيمة الباروني وخديجة صدقي عبد القادر ..

فقد برزت الشاعرات في مختلف أجناس الشعر مثل الشعر الشعبي والفصحى والنثري ..والسرد التعبيري حديثا.. وهناك الكثير من الأسماء التي أثرت الساحة الأدبية في ليبيا وأصبح من غير المنصف تجاهل مكانة الشاعرات في ليبيا ..فإنه برغم صعوبة طبيعة المجتمع الليبي ومروره بالكثير من الأزمات والفترات التي عانت من التغييب الثقافي وإهمال هذا الجانب إلا أن الكاتبات اثبتن أنهن قادرات على تجاوز كل المحن والمعوقات وكان لإنتاجهن الأدبي تأثيره الملحوظ على تنشيط هذا الجانب وإحيائه من جديد ..كان الشعر متأثرا بما تمر به البلاد من أحوال اجتماعية وسياسية ..وأيضا شعرا أنثويا يعبر عن المرأة ومكنوناتها ..كتبت الشاعرات عن الوطن والحب والحياة بشكل عام وغيرت شكل المشهد الثقافي الليبي بهذا الاقتحام الايجابي وإثبات القدرة على منح المشهد شكلا يدل على أن النساء استطعن الانتشار عن طريق الأمسيات والإصدارات والمهرجانات الدولية والمحلية . وكذلك في مجال كتابة الرواية كانت السيدة مرضية النعاس أول روائية ليبية وتوالت الأسماء البارزة ومن بعض . بعض أسماء شاعرات وروائيات ليبية تهاني فرحات دربي حنان محفوظ . حواء القمودي سميرة البوزيدي . عائشة إبراهيم عائشة الأصفر . فريدة المصري فوزية شلابي . وأول روائية مرضية النعاس مريم سلامة . انتصار بوراوي خديجة الصادق بسيكري . رجاء المغربي رحاب شنيب . رزان نعيم المغربي سعاد سالم . سكينة بن عامر عائشة إدريس المغربي . عزة كامل المقهور عويشة الخريف . غزالة الحريزي فاطمة سالم الحاجي . فاطمة عبدالله غندور فريـــال بشير الدالي . مبروكة بن قارح نجوى بن شتوان . نهلة العربي ليلى النيهوم . وفاء البوعيسي غادة البشاري ..غادة البشتي عفاف عبد المحسن.. خلود الفلاح نورا ابراهيم.. سناء يونس هنية الكاديكي ..نعمة الفيتوري وغيرهن ممن رفعن راية الأدب والكتابة النسوية عاليا ببلد تحكمه الأعرف القبيلة ….

أما الكتابة الشعرية فيعود كاتبنا المهندس رامز رمضان النويصري بأحد المواقع ليقول:

“ما ينقصني هو الشعور بالاستقرار. فإن كان الشعر هو فن الالتقاط، وشحن اللحظة، واقتناصها، إلا إنه في ذات الوقت يحتاج إلى حالة من الاستقرار لنمو التجربة بشكل صحيح، بعيداً عن التشويش، والاضطراب” ويقول كذالك الشاعر مفتاح العماري بنفس الموقع “الآن تحديدا، أعني في اللحظة الراهنة بكل توتراتها، أصبحت القصيدةً أكثر متنفسا، كملاذ آمن أتقي من خلاله قبح الواقع وتشوهاته، فقط يكفي أن أثابر على مزاولة قصيدتي كما لو كنتُ أحلُم..”…

أما عن الكتابة الشبابية الحديثة فيقول الناقد أحمد الفيتوري في دراسته المعنونة بـ”كتابات شابة لا كُتاب شَباب”، أن هذه المختارات ليست المختارات الليبية الوحيدة، فقد سبقتها عدة كتب، وإن كانت لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. وأضاف “هذه المختارات قائمة على مسح للحالة الإبداعية الليبية للشباب الذين نشروا نتاجهم في الفترة ما بعد 17 فبراير 2011، والملاحظ على كُتاب هذه المختارات أنهم عاشوا تجربة السفر الطويل والمهجر وهذا ملمح جديد في الإبداع الليبي، لأن الكُتاب الليبيين جلهم فيما سبق عاشوا في البلاد، ومن خرج منهم كان في عمر متقدم”.

أما عن أزمة النشر فهي أزمة عميقة لا تعاني منها بلدنا الغالية ليبيا فقط بل تتعدى كل الأقطار العربية وخصوصا من هي تحت ويلات الحرب فيتفرق نتاج المبدعين الليبيين بأقطار مختلفة ولهذا يصعب حصرها تماما …

وفي الأخير ما يسعنا أن نقول إلا أن الكتابة فعلٌ لا ينفرط خرزه من عقد العيش المجتمعي وحكايات الناس ولزاما يجب أن يعانق استقرارا سياسيا واجتماعيا ليرى النور ,ومن مبدعينا الليبيين من لاح عمله في الأفق القريب فهو أدب اللحظة الحارقة التي تمر بها كل الأمم التي تسكنها الحروب …

مقالات ذات علاقة

يوم الأرض احتفال أم دعوة للتوعية ؟

مهند سليمان

القدس في وجدان ووعي الكاتب العربي

مهند سليمان

هل تحولت كتابة الرواية إلى موضة؟

المشرف العام

اترك تعليق