استطلاعات

يوم الأرض احتفال أم دعوة للتوعية ؟

الطيوب : استطلاع / مهنّد سليمان

يوم الأرض العالمي

يتزامن تاريخ اليوم 22 إبريل مع الاحتفال بيوم الأرض العالمي الذي تم الاحتفال به للمرة الأولى بتاريخ 21 مارس من عام 1970 بعد مبادرة تقدم بها ناشط السلام المعروف “جون مكونيل” أثناء انعقاد مؤتمر لليونسكو عام 1969م في ولاية سان فرانسسيكو بالولايات المتحدة الامريكية، انطلاقا من قضية تكريم الأرض وتعزيزا لمفهوم السلام مع أمنا الأرض، وعوض الاكتفاء بالمظاهر الكرنفالية والاحتفائية لعلها تكون سانحة مؤاتية في هذا اليوم لنشر التوعية بضرورة الحفاظ على البيئة ومكوناتها وإقامة الفعاليات لدعم ثقافة البيئة النظافة وذلك باستخدام الوسائل التي من شأنها أن تكون صديقة للبيئة والأرض للحد من العوامل المساهمة في معدلات التلوث وتداعياتها السلبية على الحياة فوق سطح كوكبنا، وقد إرتأينا في هذا الاستطلاع أن نتوجه ببعض الأسئلة لثلة من الكتاب والمثقفين الليبيين والعرب حول الدور المنوط بالنخب المثقفة للمساهمة في حماية البيئة ؟ وكيف نُحول الاحتفال بيوم الأرض إلى أنشطة فاعلة تحول دون التجاوزات السلبية في حق الأرض ؟

الشاعر والكاتب الفلسطيني “إبراهيم جابر إبراهيم”

ترف سؤال المناخ والبيئة

وفي هذا الصدد يحدثنا الشاعر والكاتب الفلسطيني إبراهيم جابر إبراهيم فيقول مستطردا : دعني بداية أقول لك ان الأولويات تختلف من تجمع بشري إلى آخر.
فالحفاظ على البيئة، وحماية الأرض من التجاوزات، يقتضي أولاً تحقق شرطين أساسيين: حماية البشر القاطنين على هذه الأرض، وصيانة حقوقهم الإنسانية. وثانياً وجود الأرض!
ويضيف بأن سؤال المناخ والبيئة بالنسبة له يعد ترفاً أصارحك القول أنني لا أستطيع التعاطي معه. فأنا كلاجىء منذ 56 عاماً، خارج أرضي، وأعيش متنقلاً في المنافي، لا تبدو لي حماية الأرض أولوية، بقدر ما هي حديث عن جلد الدبّ قبل اصطياده !
نحن مجاميع اللاجئين الذين نطالب منذ اكثر من نصف قرن بحقنا في أرضنا، وباستعادة بيوتنا، لا نستطيع ان نأخذ على محمل الجدّ حديثكم عن الحفاظ على الأرض والبيئة والمناخ، فيما دخان الحروب يتصاعد في سماواتنا منذ حوالي مئة عام من الاحتلال والمعارك.
البيئة النظيفة تعني لنا بلادنا النظيفة من الاحتلال أولاً. ومن الدم الذي يملأ الشارع.
ويختتم مشاركته نعدكم، اننا حين نحصل على بلادنا المستقلة، سنعمل ما بوسعنا لتنظيف كل شوارع هذه المنطقة من المخلَّفات البيئية ومن الكراهية.

الكاتب الصحفي الليبي “محمد القرج”

توظيف الخطاب الإعلامي لخدمة جهود التوعية

كما يرى الكاتب الصحفي الليبي محمد القرج أن دور النخبة المثقفة ابقاء قضية حماية البيئة جزء أصيل من أي حديث أو مشروع أو خطاب اعلامي أو خطبة جمعة ، كتوعية من جهة ومن جهة أخرى بحيث يتم ادماج خطط حماية البيئة في مجالاتهم المختلفة ” تشريعاً وتنفيذياً اقتصادياً وسياسياً ودينياً ” .
ويوضح كما ذكرت يمكن التعاون مع مختلف الجهات ذات العلاقة بإستثمار هذا اليوم في مختلف المجالات للتوعية بالتجاوزات السلبية في حق الكوكب . كل حسب الجمهور أو السلطة التي يتمتع بها .

الشاعرة والكاتبة اللبنانية” مريم جنجلو “

إشكالية دور النخبة المثقفة

وتسلط الشاعرة والكاتبة اللبنانية “مريم جنجلو” الضوء على إشكالِيَة دَور النُّخبَةِ المُثَقَّفَةِ في حِمايَةِ الأرض فتوضح قائلة: يَعني مُصطَلَحُ الثّقافَة بِحَسبِ عالِمِ الاجتماع الأمريكي بول هنري لانديس (1901- 1985): “ذلكَ الكُلُّ المُرَكَّبُ وَالمُعَقَّدُ الذي يَشتَمِلُ على المَعرِفَةِ وَالعَقائدِ وَالفُنونِ وَالقِيَمِ وَالقانونِ وَالعاداتِ التي يَكتَسِبُها الإنسانُ كَعُضوٍ في المُجتَمع بِشِقّيهِ المادّيِّ وَغَيرِ المادّيّ”
وَلَمّا كانَ المُثَقَّفُ الحَقيقيّ، أَقول: المُثَقَّفُ الحَقيقِيّ، إنساناً يُمَيِّزُهُ اتِّصالُهُ الذِهنيّ وَفي الغالِبِ تَفاعُلُهُ الحِسّيُّ المُكَثَّفُ مَع الأفكارِ وَالمَشاعِر، كَذا المَوجوداتِ وّالعَناصِرِ حَوله، وَالنّاتِج عَن كّمِّ اطِّلاعِهِ على فَيضٍ مِنَ المعلوماتِ وَالرّؤى مِن مُتونِ القِراءاتِ ذاتِ المَشارِبِ العَقلِيَّةِ وَالفَنّيّةِ المُتَنَوِّعَةِ. هذا الاتّصالُ الذي يَهضِمُ الفِكرَةَ وَيُقَيِّمُها مِن مَنظورٍ مُتَجَرِّدٍ تماماً مِن أثقالِ التَحَكُّمِ وَالقَولَبَةِ البَشَرِيّةِ الصّارِمَةِ المُنقادَةِ وَراءَ تَوَجُّهٍ ما، وَهذا إذا أمعَنّا النَّظَرَ، هوَ تماماً ما يُسَمّى بِشَرَف الاكتسابِ المَعرِفيِّ الخالِص دونَما أيِّ احتِكامٍ إلى سُلطَةِ اللهاثِ نَحوَ التَّلقينِ الأجوَفِ الذي تَفرِضُهُ سُرعَةُ العَجَلَة علىَ فَأرِ الهامستر الجائع أو بِمَعنى أصَحّ: إمّا وقوعُ العَقلِ في حُبِّ النَّهلِ الثقافيِّ مَدفوعاً بالرّغبة في تَكوينٍ هوِيّةٍ ثقافِيَّةٍ وَفِكرِيَّةٍ مُتَجَدِّدَة، أو تَعَطُّشُهُ إلى تَكديسِ المعلوماتِ وَاجتِرارِها وَاستِعراضِها على المَلَإ دونَما أيَّةِ إضافَةٍ إنسانِيَّةٍ تُذكَر!
مضيفة :هُنا تَحديداً، يختبئ الكَمينُ بَينَ عَقلٍ مُدرِكٍ لِمَحدودِيَّتِهِ وَحاجَتِه المُستَمِرَّةِ إلى التّأَمُّلِ وَالتَّعَلُّمِ، وَآخَرَ مُتَمَركِزٍ حَولَ ضَرورَةِ أن يَكونَ مُعَلِّماً يَعتَلي مِنبَرَ الظُّهورِ إلى العامّة! المُثَقَفُ الحَقيقِيُّ هُوَ دائماً تِلميذ، تِلكَ هِيَ الميزَةُ وَالقاعِدَةُ لِتَكونَ مُثَقَّفاً حَقيقياً!
وَمَن أَحَقُّ بِأن نُسَمّيهِ المُعَلِّمَ الأكبَرَ سِوى أُمِّنا الأرض! هذهِ الكُرَةُ المُلَوَّنَةُ المُستَديرَةُ على نَفسِها مِثلَ رَحِمٍ جامِع لِكُلِّ الأعراقِ وَالانتِماءات، الصِّراعاتِ وَالتّحالُفات، الألوانِ وَاللغاتِ وَالجنسِيّات.. هِيَ بَيتُنا جميعاً، نَتقاتَلُ بينَ جُدرانِه لَيلاً، وَفي الصّباحِ نُغَني وَنَركُضُ في شَوارِعِ وَأزِقَّتِه! نَحنُ جَميعاً أطفالُ الأرض، وَالأطفالُ أنواعٌ كَما نَعرِفُ، مِنهُم العاصي وَمنهُم الرَّضِيّ، لكِنَّ مَحَبَّتَهُم جَميعاً في قَلبِ الأُمِّ، سَواسِيَة!
بالنّسبَةِ لي، هكذا أرى الأَرضَ بِوَصفِها بُقعَتَنا الكَونِيَّة، صابِرَةً عَلَينا نَحنُ بَنو البَشَر! تَتَلَقَّفُ نِفاياتِنا، تَتَنَشَّقُ مُخَلِّفاتِ أسلِحَة الدّمارِ الشامِلِ التي اختَرَعناها وَاستَخدمناها ضِدَّ بَعضِنا! تَمتَصُّ غبارَ الدّواليبِ المَطّاطِيّةِ في سيّاراتِنا، تَستَنشِقُ دُخانَ سجائِرِنا، وَمَع هذا تَلُمُّنا حينَ نَموتُ وَنَستَحيلُ جُثَثاً، تُذيبُ بصَمتٍ عِظامَنا وَشُعورَنا وَأظافِرَنا، تَحتَسي على مَهلٍ دِماءَنا في جَوفِها بِصَمتٍ وتُغَذّي بِها دَورَةَ الحَياةِ بحِكمَةٍ!
نعم، الأرضُ أذكى وأكثَرُ صِدقاً وَرَحمَةً مِنَ الإنسان! لِماذا؟ لِأنّها لا تَتعَمَّدُ إبادَتَه إلّا حينَما يَنتَهي وُجودُه المادّيّ على الأرض، فيما هُوَ وَعلى النّقيضِ تماماً، يَستَهلِكُ المَوارِدَ الطّبيعيّةَ دونَ رَحمَةٍ أو حتى تَفكير! أمّا عَن الكَوارِثِ الطّبيعيّة، مِن تَصَحُّرٍ وَبراكين، زلازِلَ وَفَيَضانات، وَغيرُها.. فَهِيَ لا تَعدو كَونَها رُدودَ أفعالٍ بيولوجِيةٍ على شُرورِ الإنسان وَصَنائِعِ العَقلِ البَشَريِّ الهَمَجِيَّة ضدّ الطبيعة الخضراء.
وَلنَكونَ أكثرَ دِقّةً في تَبيانِ دَورِ المُثَقَّفِ في حِمايَةِ أرضِنا الأُمّ، فَإنَّهُ لا مَناصَ مِنَ الجَزمِ بِأنّ الثقافةَ وَالهَمَجِيَّةَ لا يُمكِنُ لَهُما الاجتِماعُ في شَخصٍ واحِد! إمّا أن تَكونَ مُثَقَّفاً أو هَمَجِيّاً، الخيارُ لَكَ وَحدَك! المُثَقَّفُ الحَقيقِيُّ لَيسَ وَسِخاً لا مِنَ الداخِلِ وَلا مِنَ الخارِج، المُثَقَّفُ الحَقيقِيُّ لا يُمكِنَ أن يَكونَ قاتِلاً، يَستَحيلُ أن يَكونَ مادّيَّ النّزعَةِ مُحِبّاً للتّظاهُرِ وَالتَّفاخُرِ بِما يَملك، عِوضاً عَنِ الاعتِزازِ بِما يُحِسُّ وَيُصَدِّرُ مِن أفكارٍ وَأفعالٍ إنسانيّة.
وتختتم مشاركتها بالتأكيد على أن المُمارَساتُ المفتاحِيَّةُ لِنُصرَةِ الأرض إذن: الحُبّ اللامَشروط لِلمَوجوداتِ وَالكائنات، الرِّفق بِها، المُرورُ بِمُحاذاتِها دونَما أذِيَّةٍ أو عدوان! هِيَ جَميلَةٌ كَما هِيَ، لِذا نَتَأَمَّلُها، نَرسُمُها، نَكتُبُ عَنها، وَنَبتَسِمُ مَلِيّاً إذا ما قَرَأنا عَنها في الكُتُبِ، تِلكَ هِيَ ثَقافَةُ الاكتِسابِ مِمّا حَولَنا دونَما مَساسٍ بِطبيعَتِهِ البِكرِ التي جَعَلَتهُ جَميلاً في عُيونِنا.
فَقَط حينَ نَتَعَلَّمُ مُشاهَدَةِ رَوعَة الإبداعِ الرّبّانيّ بِجَلالٍ وَبإخلاصٍ وَالتفاعُلَ مَعَهُ بِأمانَةٍ وَرِقّة وَعَدَمَ تَعكيرِ جَمالِهِ بِعُنف وَشَراسَة، يَحِقُّ لَنا ساعَتَها الاحتِفاءُ بِيَومِ الأرض كَضُيوفٍ، لا كَغُزاة.

الكاتب والباحث الليبي “حسام الدين الثني”

مسؤولية الإنسان تجاه الأرض

من جانبه يشير الكاتب والباحث الليبي حسام الدين الثني أنه على رغم المساعي الحثيثة التي يقودها كثير من المفكرين والنشطاء في المجال البيئي؛ إلا أن النتائج المرجوة ما تزال بعيدة المنال، إذ يصعب الفكاك من دولاب الثورة الصناعية. غير أن النشاط التوعوي، لا سيما الاحتفالات المكثّفة في يوم الأرض العالمي، من شأنه الحد من تفاقم الوضع، والواقع أن يوم الأرض العالمي ليس – بالضبط – احتفالا؛ بقدر ما هو يوم لإظهار الدعم للحياة البيئية، والتذكير بمسؤولية البشر تجاه الأزمات التي يشهدها كوب الأرض من تغير مُناخي واحتباس حراري وموجات انقراض جماعية، ولفت الانتباه إلى تلوث الهواء والتربة والمحيطات والغلاف الجوي، وانبعاث المواد المشعة، وتراكم البلاستيك وحرائق الغابات وغيرها من مظاهر تخريب كوكب الأرض الناجمة عن النشاط الإنساني غير المنضبط. وعلى رغم أن الأضرار البيئية الأكثر خطورة ناتجة عن سياسات تجيء على مستوى الأنظمة الحاكمة والشركات العملاقة، وهي بهذا صاحبة الحل والربط؛ إلا أن دور النشطاء البيئيين والمثقفين والفئات الأكثر وعيا، قد تكون فاعلة إلى حد معقول إذا ما كُثِّفَت الجهود في نقد تلك السياسات واقتراح سياسات بيئية بديلة أكثر نجاعة، والضغط على السلطات المختلفة من أجل اعتماد التدابير اللازمة للحد من تفاقم الوضع والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة المتجددة، بالإضافة إلى توعية المجتمعات بمسؤولياتها، باستعمال الفنون والوسائل التقنية المختلفة واغتنام يوم الأرض العالمي لتكثيف النشاط التوعوي.

مقالات ذات علاقة

قضايا تحت الأضواء .. الفن التشكيلي الليبي .. قصص معاناة لا تنتهي!

سليمة الخفيفي

التدوين الليبي كإعلام بديل – 2 (المدونة لمياء الأمير)

رامز رمضان النويصري

يوم الشجرة العالمي ما بين الاحتفاء والرثاء

مهند سليمان

اترك تعليق