استطلاع: محمد القذافي مسعود
هيمنت الرواية على المشهد واخذت جل اهتمام النقاد والناشرين والقراء
لابد من وجود الرداءة والغباء والقباحة مقابل الأصالة والذكاء والجمال
معظم الذين كتبوا كتبوها كسيرة ذاتية لأجل الخوض في هذا الجنس الادبي
العالم يميل نحو مشهدية تشخيصية ترتبط بالمتخيل الإبداعي سواء في الفنون التصويرية مثل الفن الفوتوغرافي، والرسم الإلكتروني، والفن السينمائي
هيمنت الرواية على سوق الكتاب وتصدرت أعلى الأرقام في مبيعات الكتب المعروضة في معارض الكتاب والمكتبات ودور النشر وصارت محجة الكتاب وحتى الشعراء للانتشار وجذب انظار النقاد والناشرين والمخرجين والمنتجين في عالم الدراما والفن وصولا إلى الجوائز التي صارت تعلن في اشتاء الانحاء للاحتفاء بالرواية والروائيين حيث تجري السباقات الحامية نحوها بكل قوة والصراعات من أجلها تضرب في الأعماق بين الكتاب والمؤسسات والصحافة فهل بهذه الكثرة من الأسماء والاصدارات الروائية التي تملئ رفوف المكتبات كل اسبوع تحولت كتابة الرواية إلى موضة حتى صار الكل يسعى لأن يكون روائيا سؤال واجهنا به عدد من الكتاب والروائيين والروائيات العرب في هذا الاستطلاع .
أمين العصري / شاعر من السعودية
هل تحولت كتابة الرواية إلى موضة ؟ -مما لا شك فيه أن الرواية حاضرة بشكل قوي جدا هذه الأيام بسبب أن استيعاب المتلقي للرواية أكثر سهولة من تلقيه للشعر وخصوصا الحديث وباعتبارها توثيق تاريخي واجتماعي لمراحل وأماكن معينة . ، ومحدد ذلك حجم المبيعات لدى دور النشر وإحصائيات معارض الكتاب لكن للأسف الشديد أصبح الغالب يكتب الرواية فتجد شعراء وكتاب قصة قد تحولوا لروائيين وهم لا يمتلكون ولو القليل من مقومات الكتابة، وكم ندمت على قراءة الكثير من الروايات على اعتبار أنها أكبر الأجناس القصصية من حيث الحجم وتعدد الشخصيات وتنوع الأحداث فهي تأخذ وقتا كبيرا جدا لقراءتها وهي لا تساوي قيمة الورق المطبوعة عليه، مجرد ثرثرة وخواء وعقم وإفساد للذائقة وافتقار لعناصر البناء والمقومات الفنية … باستثناء القليل جدا من الكتاب في عالمنا العربي ممن يجيدون هذا الجنس الأدبي الهام ومن لديهم تجربة حياتية وأدبية غنية وكبيرة وثقافة واسعة وموهبة حقيقية فنجد لديهم متعة السرد والتخيل والإيهام والتشويق والإثارة ومختلف أنواع المتعة الشعورية .. وأنا هنا لا أسمي الإقبال على كتابة الرواية موضة بل أسميها تجارة تعتمد على العرض والطلب، وما تقوم به الكثير من دور النشر هذه الأيام من الامتناع عن استقبال أي جنس أدبي باستثناء الرواية لتحقيق مكاسب مادية وحجم مبيعات تؤكد أن الأمر لا يتعلق بالموضة بل بثقافة السوق والعرض والطلب للأسف .
صالح خلفاوي / كاتب من العراق
جنس الرواية من الاجناس الادبية الصعبة لكن لوحظ في الفترة الاخيرة كثرة كتاب الرواية من ادباء وشعراء وغيرهم من الذين ادلوا بدلوهم في هذا الفن الصعب والجميل وقد يكون من استسهال هذه العملية ان معظم الذين كتبوا كتبوها كسيرة ذاتية لأجل الخوض في هذا الجنس الادبي لأجل تسليط الاضواء او من باب التغيير في نمطية الاداء حتى اصبح الامر يشبه التوجه نحو موضة ادبية مربكة لكثرة روادها وايضا الطمع في احدى الجوائز المخصصة لهذا الجنس الادبي وايضا ان حجم الروايات المكتوبة اختلف عما كان في الرواية الكلاسيكية اذ يكفي ان يكتب 100 صفحة اشبه بسرد حكاية حتى يضع على غلافها عنوان رواية ربما متطلبات العصر تفترض هذا الحجم لكن هذا لا يعفي من التأكيد على الخوض في تقنيات الرواية وافكارها المطروحة لا يكفي ان يكون الكاتب بطل الرواية وما تعنيه من تداعيات متلاحقة حتى يظن انه اصبح روائيا هناك الان تقنيات جديدة في الكتابة الروائية لم يسعفنا احد بها بسبب ما وصفناه في استسهال العمل الروائي على اعتباره جزء من حكايات ماضوية تتجلى بطولها المفتعل فتأتي الكتابة منسجمة مع انعكاسات داخلية متشظية لدى الكاتب تعطي شخصنة يراد لها التعميم وهنا يقع اشكال الموضة التي اريد لها شكلا روائيا انه بعد احادي يراد له التعميم
لينا هويان الحسن / روائية من سوريا
الساحة شاسعة وتتسع للكل، فليجرب كلٌ حظه، خاصة إذا كان الكاتب يملك شبكة علاقات عامة واسعة لكن ذلك لن ينقذ نصا رديئا من سلة المهملات، ولابد من وجود الرداءة والغباء والقباحة مقابل الأصالة والذكاء والجمال، هكذا هي الحياة، والبقاء للأقوى. وكل أديب معني بأن يكون “عنيدا” في حضوره ومثلما للنباتات المتواضعة عنادها أيضا للنخيل عناده، والزمن بارع الذكاء سيقرر دون تملق ويحسم الأمر، ويفرز “نخيله الشاهق”. وأحيلك إلى سؤال مثلا: لماذا محمود درويش لم يكتب الرواية؟ المسألة متعلقة بمدى ثقة الكاتب بقدراته الإبداعية.
منصور بوشناف / كاتب وناقد من ليبيا
تداخل فنون النثر وتلاقحها ,كان احد ملامح تطور هذه الفنون فمن الملحمة ولدت المسرحية وفيها الكثير من ملامح الملحمة وكذلك ولدت الرواية وظل حلم الشعر وحميمته واختزاله للذات والكون حلم كل الفنون .في سبعينيات القرن العشرين هيمن الشعر على المشهد الادبي , حلم كل الموهوبين بكتابة الشعر ومن الصعب ان تجد كاتبا واحدا لم يحاول كتابة الشعر ,ثم ظهرت اشكال نثرية تحاول التقرب من الشعر وتختبيء تحت عباءته ,ولعل برز تلك التجارب في ليبيا “تجربة القصة القصيدة ” التي حاول كتابتها عمر الككلي وجمعه بوكليب وهي قصة قصيرة تقترب في مناخاتها وايقاعاتها من الشعر كثيرا ,وكذلك كانت تجربة المسرحية الشعرية وهي عودة لأشكال المسرحية الاولى وكتبها في ليبيا عبدالعظيم شلوف وعبدالحميد بطاو وغيرهم ,بل ان المناخات الشعرية واللغة الغنائية اجتاحت الرواية وتبدو روايات احمد ابراهيم الفقيه النموذج الامثل لذلك في ليبيا ..
كذلك تلاقح المسرح والرواية فخرجت “المسرواية ” وهو شكل فني كتبه برنارد شو في :العودة الى ميتوشالح ” واحاول الان كتابته في مسرحيتي الجديدة “الطريق الى عدن “
في السنوات الاخيرة هيمنت الرواية على المشهد واخذت جل اهتمام النقاد والناشرين والقراء وبدت للجميع الاكثر قدرة على تقديم رؤى الكاتب للكون والحياة والفن , الى جانب شكلها الاكثر شعبية وسهولة .لذا نجد الجميع يحاول كتابة الرواية ,الشعراء وكتاب المقالة والنقاد والسياسيون كل ذلك بعد ما سماه البعض بتراجع الشعر والقصة القصيرة , ان الرواية “فن السرد” الاهم الان يهيمن على المشهد ويحاول الجميع عبره كتابة عصرهم وتساهم الجوائز الدولية الادبية في ترسيخ ذلك فغالبية الجوائز الادبية تذهب للرواية ,كذلك الترجمة حيث تسهل ترجمة الرواية مقارنة بالشعر والقصة القصيرة المكثفة .بالطبع لا يعني كل ذلك ان سيادة الرواية ستستمر بل ان التفاعل بين والتلاقح بين الاشكال الفنية لن يتوقف عن الجريان وتقديم اشكالا اخرى .
سهير المصادفة / روائية من مصر
بل أيضاً السياسى ورئيس الجمهورية والملك والصحفي، ولا أستغرب هذا على الإطلاق فالرواية أصبحت كتاب المكتبة وعمودها كما يُطلق عليها في الغرب وهى تأخذ رويداً رويداً مكانة التاريخ التقليدي المتعارف عليه، فلماذا لا يحاول الجميع المساهمة بشريحة ما في كتابته، كما أن البعض يظن أن كتابة الرواية أمر هين بل شديد السهولة ولكن عند اكتمال العمل ونشره يجدون أنهم خدعوا فيوقفون عن الكتابة على الفور بعد أن يجدوا أن عشرات الروايات قد تم نشرها وسرعان ما تم حذفها وكأنها لم تكن حتى يتعسر على المتابعين تذكر عنوان واحد من عناوينها ولا يتبقى إلا القليل من العناوين التي تنتمى إلى جنس الرواية، ولكنني أرى أنها ظاهرة صحية وصحيحة أن يطمح الجميع لكتابة رواية طالما أن الزمن سيمسح من غرباله ذي الفتحات الضيقة للغاية بمرور الروايات التي تستحق البقاء وتستطيع تجاوز حدود الخلود البالغة الصعوبة بعد قرون .
سليمة نور سلطان / كاتبة وباحثة من العراق
تحول كتابة الرواية الى موضة علي اولا ان اتبع المنهج الذي تمكن ان يكون سيدا علي بحكم ما ضاع من زمني لأصل اليه فاحلل كل كلمة في السؤال التحول التغيير من الى اي ان الكاتب العربي او المشتغل في الابداع الادبي والكتابي قد تحول الى كتابة الرواية الى الحد الذي عده بعض النقاد والمشتغلين بالأدب الى موضة ادبية واذا كنا قد اتفقنا ضمنا مع رولان بارت بغلبة موضة ادبية ما في عصر ما على باقي الاجناس الابداعية كما حصل مع الشعر جنسا ابداعيا له القدح المعلى في المنجز الابداعي العربي او غلبة ظاهرة ابداعية على باقي الظواهر كما حصل مع امروء القيس المتنبي مثلا او نزار قباني او غيرهم وغلبة الرواية حتى عدها بعض من النقاد موضة مع بقاء الاجناس الابداعية الاخرى ولكن اضحت ظاهرة متمكنة في الابداع العربي ولنعد الى السؤال مرة اخرى الذي يعطي انطباعا بان السائل يرى ان هناك كما من الكتابات بصورة جلية تستدعي طرح السؤال وان هذا الكم ليس بالمستوى المطلوب ولم يبلغ النضوج الكامل الذي يتوجب ان يبلغه كاتب الروايات المطروحة الان للتلقي والقراءة واضافة مفردة موضة كانت تعطي معنى الجاهزية للإنتاج والتلقي وايضا تعطي معنى التقليد والانسياق خلف الرائج والسائد وقد يكون محقا الى حد ما ربما نستشهد بكثرة الشعراء بعد ابتكار شعر التفعيلة الذي ضاع من بين سطوره التفعيلة وجاءت قصيدة النثر لنجد ان الكل اضحى شعراء دون ان يعرفوا تقنيات قصيدة النثر ومستوجبات انتاجها وربما حصل هذا الامر مع الاجناس الابداعية الاخرى القصة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا وجدا وجدا وربما حصل من الخطابة والمقالة حين اضحى العالم الوهمي النت يحمل سفاحا بالكتاب والادباء والمفكرين وكل ما يخطر على البال او لا يخطر ولكل هذا سببا ونحن بصدد البحث عن الرواية التي لم تلاقِ حظا طيبا مع النت فبقت اسيرة دفتي كتاب لان الذائقة لا تحتمل ان تتابع الرواية الا فيما ندر على النت وربما هذا هو سر القوة لا الضعف فنحن ما يزال يبهرنا الكتاب ونؤمن بالتوثيق من خلاله هذا فضلا عن الشهرة التي يمكن ان تحققها الرواية لكاتبها اضف الى هذا طول الرواية وتعدد احداثها مما يفسح المجال واسعا امام الكاتب للتعبير والخداع احيانا حين يتمكن من اخفاء ضعف تقنياته في موضع معين يمكن ان يغطي عليه تمكنه في موضع اخر طول النص الروائي يفسح مدى اوسع للتعبير والانفعال وجود احتفاء اعلامي ونقدي بالرواية وكتابها وجوائز عالمية مثل نوبل التي للرواية نصيب وافر ولكتاب الرواية حصة الاسد من الجائزة العالمية الشهيرة والمجزية والبوكر وغيرها من الجوائز ذات السمعة العالية والمجزية ماديا هذا فضلا عن وجود منافذ ابداعية للرواية السينما المسرح الدراما مما يفتح افق اوسع للشهرة والكسب المادي والمعرفي ايضا حين تكون هناك احتكاك وتماس مع المشتغلين بالإبداع السينمائي والدرامي لإعادة تأليف النص من خلال انتاجه سينمائيا او دراميا وقد يلعب التلقي والذائقة الادبية دورا وذلك لان الجمهور المتلقي واقصد الجمهور العربي قد تحول من الاجناس الادبية الاخرى مثل الشعر والقصة والفنون الكتابية الاخرى الى الرواية في النهاية يمكن ان نعدها ظاهرة صحية ستترك لنا ارثا ابداعيا ضخما فيه الغث والسمين فيه العمل الرصين والهزيل فيه المميز والرديء فيه النسج الابداعي المبهر وفيه الحشو السمج ولكن قد نحصل على انتاج مميز ولو بنسبة ضئيلة يكفي نسبة عشرة بالمئة وبهذا يمكن ان تكون لنا مجموعة من الاعمال الابداعية التي تدخل تاريخ الابداع العالمي
عادل ضرغام / باحث وناقد اكاديمي من مصر
لا أتخيل أن تتحول كتابة الرواية إلى موضة، وإنما أظن أنها جزء من صراع يحدث كل فترة زمنية، يرتبط بالنماذج الفاعلة في كل مجتمع ومدى تأثيرها في توجيه النظر نحو ذلك الفن أو غيره.ويرتبط أكثر ببنيات اجتماعية صامتة، عاشت صامتة أو أجبرت على أن تكون صامتة، ثم أتاحت له الوسائل الحديثة أن تكتب وأن تنطق، وأن تجرب، وأن تقدم في ذلك الإطار فنا أو خربشات قد لا تكون مرتبطة بالفن الروائي، أو القصصي في تجليه التقليدي، ومن هنا كان المصطلح الأكثر شيوعا في ظل سيادة نظريات ما بعد الحداثة هما(نص)، أو(كتابة) وهما مصطلحان بعيدان كل البعد عن التحديد الإجناسي المعهود.
أما شيوع الرواية بوصفها فنا له سيطرة آنية، من خلال تحول بعض الشعراء المعروفين إلى كتابتها فيمكن تبرير ذلك بطبيعة السائد المركزي لفكرة التسويق، الذي أصبح سائدا إلى حد كبير في عالمنا العربي . ومن جهة أخرى يمكن تبريره في إطار محاولة بعض المبدعين انطلاقا من أن جذوة الفن واحدة أو عجينة يمكن أن تستخدم أو يمكن تشكيلها في أشكال عديدة يحاولون التعاظم على جزئية الاختصاص بفن واحد، وكأن الشاعر –أو الفنان في التلقي الخاص لديهم- يمكنه أن يكتب في أي فن من الفنون، ومن هنا نرى ذلك السيل الكبير الذي يعود جزء كبير منه إلى حدود هذا التفكير.
أما انتشار الرواية في بعض المجتمعات التي ما تزال من حيث المنجز اقل من المراكز الثقافية المؤسسة فهذا من وجهة نظري يعود إلى خلخلة وإعادة ترتيب لهذه المراكز وفقا للموجود آنيا، ويعود أيضا إلى شعور الممثلين لهذه المراكز –وهذا شيء مشروع وطبيعي-بإمكانية الاقتراب من الأب، بل وبإمكانية التغلب عليه وتجاوزه.
نرمين خنسا / روائية من لبنان
الفن الروائي في عصرنا المشهود، أصبح كما هو معروف، من الفنون الأكثر رواجا في العالم، وذلك يعود للتطور الذي لحق بآليات البنى الفنية والسردية للكتابة الروائية، وللمنظومات الإنسانية والهواجسية والفكرية التي وظفها الروائيون المعاصرون في الغرب والشرق، بالاستناد إلى مقومات المخزون العلمي- الثقافي- السياسي- الإجتماعي- الاقتصادي- الفني والجمالي في آن معا.
انطلاقا من هذه القاعدة المترامية الأطراف في التطوير الذي شهدته الرواية المعاصرة، انجذبت الجماهير العريضة الى العالم الروائي، ووجد فيه السواد الأعظم من الناس، ضالتهم في الاطلاع على خفايا الروي والأحداث والتحولات، من جهة، وفي الإستمتاع بمؤثرات الحب والجمال والغزل والمآسي والجرائم، من جهة ثانية. وذلك وفق الأنواع الروائية المتوافرة في سوق الكتاب.
ولأن الرواية في بلادنا العربية تسعى منذ أوائل القرن العشرين الفائت، الى مكانة وهوية ذات صيغة ودمغة عالمية، فقد شقت هي الأخرى طريقها عبر بعض الأعمال الروائية، التي ازدهرت وتتطورت في أواخر القرن العشرين، لتشهد مطلع هذا القرن، انتشارا واسعا ، ونتاجا في الكمّ كبيرا، سواء في لبنان أم مصر أم سوريا أم ليبيا أم المملكة العربية السعودية،، فضلا عن دول المغرب العربي. وباتت الرواية في أيامنا الراهنة ” موضة” عالم النشر والكتابة، ودينامو سوق العرض والطلب.
لكنّ معنى “الموضة” في هذا المضمار، لا يشبه اطلاقا معناه في عالم الأزياء أو المقتنيات كافة. بل هو يصب في حركة الرواج الكبير للعمل الروائي. إذ باتت الرواية عمل أدبي مطلوب بالدرجة الأولى، من قبل الناشر والقاريء والبائع معا. وفي هذا الإطار يمكن التحذير من فخ تأثير كلمة الموضة على الناشر والكاتب في آن. بحيث ينبغي عدم التراخي في شروط العمل الروائي القائم بمواصفات فنية وتقنية وجمالية ولغوية عالية. فالمعترك الروائي لا يمكنه أن يستقبل مدعيّ الكتابة الروائية من أجل تلبية سوق الطلب على الروايات. وكذلك لا يمكن للروائي الأصيل، أن يستعجل كتابة عمل جديد له، كي يؤمن المزيد من نسبة حركة النشر والبيع.
إن الرواية التي تشهد رواجا سائدا بقوة في العالم، بعامة، وفي البلاد العربية، بخاصة، مطالبة بالمزيد من التطوير و الإرتكاز على معايير وظيفية-ان صحت العبارة- تعمل على محاكاة الإنسانية تلك المحاكاة العصرية البناءة الجاذبة النافعة. فالفن الروائي أولا واخيرا هو محاكاة الحياة بطرق أدبية وجدانية تصويرية راقية. وهو محاكاة الإنسان بأهداف بنائية تحسّن الذائقة وتكشف المساوىء بضمير. وإلا ما نفع العمل الروائي ان لم يكن يجمع في فصوله كل هذه الغايات؟ إنّ كلمة الموضة في عالم الرواية اليوم، هي كلمة ذات حديّن. خصوصا وأن الرواية باتت تتمتع بسلطة مؤثرة على ذهنية القراء، وعلى نمط الوجدان الاجتماعي في بيئات غنية ومتوسطة. سيّما في بيئات فقيرة تعاني شظف العيش، وتواجه نوعا من شرذمة المباديء والسلوكيات .لذلك حريّ بالناشرين أن يجاروا موضة الفن الروائي مجاراة ثقافية، لا تجارية بحتة. وهنا يكمن دور النقاد في غربلة أي طفيليات تنمو على حساب الرواج الروائي في دنيا النشر.
لا شك في أن القارئ العربي اليوم، بات يجد غايته في الروايات، وبات يبحث في العمل الروائي عن ضالته الحكائية السردية التنويرية. إذ ما جدوى الرواية ان لم تحمل اضاءة فاعلة في عتمة الأحداث والمخاطر التي تحدق ببلادنا من مختلف الجهات؟ وما جدواها ان لم تحمل هوى بيئاتنا، و أثر قضايانا، و صوت همومنا ،وألوان رمالنا، ورائحة مبادئنا؟
وبين معنى الموضة، و معنى واقعها على أرض الرويّ . علينا الإدراك أن الرواية اليوم هي إرث لشعوبنا غدا. وهي مرآة لأيادينا نحن الروائيين. فلننظر الى عمق ما نكتبه، والى صدق ما نقصده. خصوصا بعدما أضحت الرواية ” موضة” العصر. فذلك يضاعف مسؤولياتنا بكتابة الرواية ذات الصوت العالي المملوء بالحقائق، و ذات المكانة الأدبية، الأكثر رقيّاً.
عبد السلام دخان / أستاذ في الجماليات من المغرب
الإنسان مولع بالمحكي مند أن برهنت أشكال هذا المحكي عن جاذبية سحر الكلام السردي. أستحضر في هذا السياق مقامات بديع الزمان الهمداني، وألف ليلة وليلة وغيرها كثير. وظل الشعر القول الأصعب لكثافته، وقوته التصويرية فضلا عن طاقته البلاغية والإيقاعية. وتحول جل الشعراء وكتاب القصة القصيرة نحو كعبة الرواية في سباق نحو تشييد سرديات ترتبط بالتحولات الاجتماعية والفكرية. الأمر قد يفهم منه سيرا على نهج الموضة، واستجابة لمتطلبات سوق القراءة مادامت الرواية -اليوم- هي ديوان العرب .، كما يحب البعض تسميتها. وفي اعتقادي فإن أسباب هذه الهجرة المكثفة نحو الرواية ترتبط بجملة من التحولات التي عرفها مجتمع الفرجة، وميله نحو الأشكال التصويرية بمختلف أنواعها، وابتعاده التدريجي عن أشكال الترميز المكثف.
إن مسألة الذهاب والإياب بين الأجناس الأدبية تعكس رغبة المبدع في تجريب أنماط أخرى للقول الإبداعي تكون مخالفة لأفق انتظار القارئ، لأنها تنشد الجديد والجدة، ونشير هنا على سبيل الذكر لا الحصر إلى روبرت بن ورن Robert Pen Warren 1900-1973. الذي يعد من كبار أدباء أمريكا البارعين في عدة أجناس أدبية، فهو شاعر، و روائي، وأكاديمي رصين. حاز على جائزة بوليتزر في جنس الرواية وحصل على الجائزة نفسها في جنس الشعر مرتين الأولى سنة 1958، والثانية 1979.
العالم يميل نحو مشهدية تشخيصية ترتبط بالمتخيل الإبداعي سواء في الفنون التصويرية مثل الفن الفوتوغرافي، والرسم الإلكتروني، والفن السينمائي، ودرجات التخييل المرتبطة بهذه الفنون التصويرية محدودة بفعل التمثل الأحادي للمعنى الفني، لكن الرواية بطاقتها التعبيرية، وببلاغتها ومشهديتها وقدراتها التخييلية تتيح إمكانية أكبر لخلق عوالم متباينة لم ترسخ بشكل عميق في تربة الإبداع العربي، في ظل محدودية التلقي النقدي للوظائف التصويرية وللإبدال الدلالي لما يمكن وصفه بيقظة إبداعية عربية في مجال السرديات. ومن ثمة فالانفتاح على جنس الرواية هو انتصار لكل الأجناس الأدبية، واستفادة من سياقاتها المخصوصة. فكل الأجناس الأدبية تقدم متعة للقارئ، قد تكون ممزوجة بحرقة الأسئلة كما هو الحال في عدد من الروايات العربية، وقد تكون معبرة عن تحولات سياسية ونفسية. ومن ثمة فكتابة الرواية لدى المبدعين الأصلاء تتجاوز سياق البحث عن الكتابة الموضة، نحو الكتابة الحاملة للكينونة ولأسئلة الهوية. عبر توظيف دقيق للتفاصيل الصغيرة، وللتمثلات المباشرة، ولدرامية الصراع المرير مع اليومي، وتحولات القيم، وأشكال التواصل اليومي، وتوظيف تنوع الخطاب في التعبير عن النزعة السلطوية، وتجليات التشظي لدى إنسان القرن الجديد.
سامية بن دريس / كاتبة من الجزائر
ــ صحيح يبدو أن الرواية قد تحولت إلى موضة إذ كل الحقول والروافد المعرفية تصب في بحر الرواية وصار الجميع يمارس هذا الفعل الإبداعي ، ولا أرى في ذلك أي عيب طالما أن العصر هو عصر الرواية وهذا لا يعني إقصاء بقية الفنون الأخرى، لأن ثمة تنوع وتعدد وتراكم في كل شيء ، ومن ثم فالعبرة لمن يستطيع الإضافة والابتكار، ولعل خير مثال على ذلك ما قدمه في السنوات الماضية أمبرتو إيكو في رائعته: “اسم الوردة”. إذن فليس جرما أن يكتب الشاعر أو الناقد أو المفكر الرواية في عصر تتداخل فيه الأفكار والمعارف وأنماط الحياة بشكل متسارع شرط أن يشكل ذلك إضافة فكرية وجمالية.