الروائي الليبي صلاح الحداد: يكفّر المتطرفون الفن لأنه يهدد إمبراطورتيهم
>
حوار: خلود الفلاح
.
صلاح الحداد كاتب ليبي مقيم في المهجر، صدر له هذا العام عن دار الغاوون رواية “ألسنة اللهب” التي تناول بالنقد حركة الإخوان المسلمين الليبيين من خلال “شبه سيرة ذاتية” كما يقول الحداد حكاية “حسن” الذي قرر الانفصال عن جماعة الإخوان بعد عشر سنوات من العمل، ليكتشف مدى التناقض بين الفكر والتطبيق، وانه لا عدالة ولا حرية ولا ديمقراطية في مناهجهم.
والحداد كتب الرواية لأنها “ملجأ للبوح وملهى للتسلية والعبث وغار لتلقي الوحي ومرآة أعكس فيها نفسي والمجتمع والناس من حولي، وأرشيف للذاكرة تعود إليه الشعوب العربية كلما استدعت الضرورة، نظرا لما تتميز به من قصر في الذاكرة”، وأضاف”.. يمكن أن تقارني كتابتي للرواية بعمل المؤرخ، غير أن التاريخ يكتبه المنتصرون، والرواية يكتبها المنهزمون. وهنا لا يسعني إلا أن أتقدم إليكِ بجزيل الشكر لكونك تحاوري واحدا من المنهزمين”.
* عبدالله شنابو، فرحات سليم، علي التومي، مايكل اوبرين، مقبرة الهاني، طريق الشط، فندق الودان، مدرسة الفاتح العظيم. هذه التسميات متضمنة روايتك” ألسنة اللهب” هل تكتب سيرتك الذاتية من خلال هذه التفاصيل؟
– لا أعتقد ذلك، فلسيرتي الذاتية مكان آخر.. تستطيعين القول إنها شبه سيرة ذاتية لما تحتويه من شخصيات مخترعة وأحداث خيالية لا يمكن أن تجديها إلا على شاشات 3D العملاقة.
*العلاقة بين كريمة زوجة حسن ووالدها علي التومي الناطق باسم الجماعة علاقة شائكة لاحظنها خلال أحداث الرواية. ماذا تقول عن ذلك؟
– نعم، إنها علاقة سيكوباتية تعكس إلى حد ما علاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الذكوري من علو ووصاية وعدوانية ونرجسية. فالتومي من أكثر الشخصيات تعقيدا في الرواية من جهة تقلده منصب الناطق الرسمي في جماعة الإخوان، وهي الوظيفة التي تتطلب إجادة تمثيل دور الإنسان الرسولي الخاشع الصادق المنيب. أما الجهة الثانية فهي جهة الإنسان المنفلت من كل الأخلاق والقوانين الذي يسعى للهيمنة على الآخرين والتلاعب بهم والتلذذ بإلحاق الأذى بمن حوله، لا سيما زوجته وبناته وأولاده وأقاربه، ويكون أكثر ضراوة وعنفا للأشخاص الذين يعتقد أنهم يهددون منصبه أو منزلته الاجتماعية أو وظيفته وسمعته، وهو ما حصل بالفعل مع حسن. وللعلم أن إنجلترا كانت قد سنت قانونا مؤخرا يقضي باحتجاز كل من تثبت عليه أعراض مرض السيكوباتية لدفع ضرره عن المجتمع، وأعتقد أنه ساري المفعول في معظم الدول الأوروبية. تخيلي ماذا سيحدث لو طبق في ليبيا!
*الرواية تتناول حركة الإخوان المسلمين بالنقد من خلال أحداث حقيقية عاشها حسن لذلك قرر تركها هل بسبب الاختلاف في الأفكار أم أن الموضوع يتعلق بالتناقض بين الفكر والتطبيق؟
– نعم. تستطيعي أن تقولي الأمران معا، فرغم محاولات الإخوان من بناء أسوار عالية على منتسبي الجماعة، تحجر عليهم اختراق جدار “برلين”، فإن حسن تمكن من ثقب هذا الجدار الخرساني عند أول إطلالة له على العالم الحر، وأقصد هنا العالم الغربي بفلسفته وديمقراطيته وحضارته، الأمر الذي أدى به في نهاية المطاف وعبر المستشرق البروفيسور جونسون المشرف على رسالته للماجستير إلى الخروج من الجماعة. هذا علاوة على ما عثر عليه حسن من وثائق وخطط سرية خطيرة، تكشف علاقة التنظيم تاريخيا بحركة الحشاشين الشهيرة، وتواطؤهم في عمليات اغتيال وغسيل أموال وتهريب أسلحة وتخزينها في أنفاق تحت الأرض، والأخطر من ذلك تآمرهم على تحويل ليبيا إلى دولة إخوانية بحلول عام 2028 ، وهو الذكرى المئوية لتأسيس الجماعة.. حسن كان بطلا استثنائيا في الرواية حيث خاطر بعائلته وأولاده ومستقبله فضلا عن حياته من أجل كشف الحقيقة وإنقاذ ليبيا.
* اعتقد أن روايتك تنبأت بما يحدث في العالم العربي الآن من سيطرة جماعات الإخوان المسلمين على مقاليد الحكم في مصر وتونس؟
– أليس الروائي نبيا؟ بيد أن المفاجأة ستكون أكبر في ليبيا.
* يكفر بعض المتطرفين الإسلاميين الفن.. فما تفسيرك لذلك؟
– لأن الفن فيه مسحة من مسحات النبوة، وهم لا يريدون أن ينافسهم أحد في هذا المجد؛ لأنه ببساطة يعني نهاية وسقوط إمبراطوريتهم.
* حسن هو جزء من مجتمع متباين في الرؤى، الواقع المعيشي، حميمية الأسرة، كل تلك الأشياء ربما دفعت به للانتماء لحركة الإخوان ليكتشف بعد ذلك الحقيقة. مارايك؟
– أجل، ما أوقع حسن في شرك الإخوان عوامل عدة، من أهمها الأمية الثقافية التي حرص القذافي على إرسائها في المجتمع الليبي، إذ لم يكن ثمة حصانة فلسفية في المدارس والجامعات تردع الشباب عن اعتناق الأفكار الظلامية، ناهيك عن الكوارث الاجتماعية التي تعرض لها إبان صغره عندما فقد أباه وأمه وأخاه نزار في حوادث أليمة؛ ليقع في فخ اليتم والحرمان والضياع والفقر والبؤس. كل هذه الظروف دفعت به للبحث عن الخلاص والحقيقة والجنة، التي وجدها فيما بعد مجتمعة عند التنظيم السري. بيد أنه سرعان ما تحول الخلاص إلى وهم، وتحولت الجنة إلى جهنم. لم يكن حسن مدركا أن الوهم سيقوده إلى الحقيقة وأن جهنم ستقوده إلى الجنة، وهي واحدة من مفاجآت الرواية.
* ما أسباب انشقاقك عن جماعة الإخوان الليبيين؟ وهل لك علاقة بجماعة مماثلة كالمصرية مثلاً؟
– قدمت استقالتي منها منذ عشر سنوات مضت عندما اكتشفت أنها دكان للحشاشين وأنه لا عدالة ولا ديمقراطية ولا حرية ولا هم يحزنون، ولا علاقة لي بالتنظيمات الظلامية منذ أن أفقت من غيبوبة الحشاش حسن الصباح بقلعة الموت. إنني أقضي حياتي الآن صحبة رسل حقيقيين في جنة لا خمر فيها ولا عسل.
*الرواية تعم بالمعلومات التاريخية عن تاريخ الحركة. هل كتبت هذه المعلومات من واقع التجربة؟ وكم سنة عملت مع الجماعة؟
– هذه الرواية هي عبارة عن مشروع لثلاثية روائية، أي ملحمة حول أكثر الجماعات سرية وأخطرها في التاريخ الإسلامي، وأنا بالفعل كنت قد شرعت في كتابة الجزء الثاني الذي سيكون بعنوان “لسعة العقرب”، وآمل أن يرى النور نهاية العام المقبل.. مكثت في التنظيم السري عشر سنوات، ارتقيت فيها شيئا فشيئا حتى وصلت إلى عضو في مجلس الشورى.
*تقول الرواية أن خطة التنظيم الدولي السري وقع اختيارها على ليبيا لتكون الدولة الاخوانية. لماذا؟ هل ترى ان ليبيا بعد الأحداث الأخيرة يمكن ان تتحول إلى دولة اخوانية خاصة بعد تسريب بعض المعلومات التي تقول ان حركة الإخوان خارج ليبيا كان لها دور في تسليح 17 فبراير؟
– الأسباب مذكورة في الرواية،_قرأت ذلك_ وترقبي صدور “لسعة العقرب” الجزء الثاني؛ لتري حقائق ومفاجآت مذهلة أخرى آمل أن تكون خيالية.. تدور أحداث الجزء الثاني حول ملاحقة نزار لاسترجاع شفرة برج الساعة، من قبل “سنان” أشرس حشاش قاتل في الجهاز الخاص. تقع أحداث الرواية في عدة بلدان، منها ليبيا، وتتناول ثورة 17 فبراير من جوانب تخص موضوع الرواية، لا سيما الإخوان وجهازهم العسكري. أما إمكانية تحول ليبيا إلى دولة إخوانية فهو أمر وارد والاستعدادات لـ2028 على قدم وساق. ألم تفهمي سر تأخير تأسيس الجيش الليبي؟ طالما أنكر الإخوان وجود جناح عسكري خاص جملة وتفصيلا ، لكن انظري اليوم إلى كتيبة 17 فبراير المدججة بكافة أنواع الأسلحة وهي تجوب شوارع بنغازي. عين الإخوان الآن على الجيش والداخلية؛ لأنه بالسيطرة عليهما تتم السيطرة على البلاد.
* بسبب الوثائق السرية التي يمتلكها حسن أم بسبب انفصاله عن الحركة. تم الاتفاق على ضرورة التخلص منه؟
– الوثائق السرية هي من قرر ضرورة التخلص من حسن.
* أنت مدون.. برأيك كيف أصبح عالم المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا هاما في تحريك الرأي العام؟
– يكفي أنها أطاحت بالفراعنة الأربعة: بن علي ومبارك والقذافي وصالح في أقل من عام. أمر لا يكاد يصدق. وبصراحة لا أستطيع تخيل ما سيصير إليه العالم مستقبلا من هول سرعة عالم الآي تي.
*هناك الحركة الماسونية والحشاشين والإخوان. فيما تتفق وتختلف من وجهة نظرك؟
– يتفقون على كل شيء فالقانون الذي يجمعهم منذ الأزل يقول: لا حقيقة في الوجود وكل شيء مباح.
*متى تحكم الجماعة على منتمي إليها بالكفر؟
– عندما تحين ساعة الصفر.
* مكث في سجن أبو سليم 13 عاما.. حدثني عن تلك المرحلة؟
– معلومة غير صحيحة وردت من تعليقات القراء على صفحة “جيل ليبيا”، ألا تكفي يا خلود عن تسريب الشائعات؟. حاضر.
* كتبت القصة القصيرة والرواية.. أيهما منحك أفقا أرحب للتعبير؟
– لا أستطيع أن أفاضل بين الاثنين؛ لأن لكل منهما مجاله وتقنياته. أحيانا لا أجد إلا القصة القصيرة كمنفذ للتعبير المكثف والاختصار والتشفير. إنها كرسائل sms على الموبايل، وهذه الوظيفة لا يمكن أن تؤديها الرواية. وعندما تطول القصة وتتعقد وتكثر شخصياتها وأمكنتها فلا تجد إلا الرواية كمسرح تطل به على جمهورك.
*هل أنت قارئ للأدب الليبي. وما رأيك في النتاج الروائي الليبي على وجه الخصوص؟
– الشعر الليبي نعم، ولدي كتاب حوله.. أما الإنتاج الروائي فقراءتي له قليلة نظرا لفقر مكتبتي وهو أمر لا يجوز. لكن بشكل عام فإني أتابع أخبار الرواية والروائيين الليبيين عن قرب، ولدي انطباع يقول إنه إذا ما توفرت أجواء من الحرية الفكرية والثقافية في ليبيا ما بعد القذافي، فسيكون للرواية الليبية شأن كبير وعظيم.
تعليق واحد
جماعة من الاوغاد القذرين الجهلة المتخلفون انهم الاخوان المسلمين