يعد الأدب والنتاج الأدبي – في كل عصر من العصور – بمثابة النوافذ والأيقونات في برامج الحاسب الآلي التي نطل منها – بضغطة سليمة – على عوالم وتفاصيل قد تكون ساحرة ممتعة، لكنها في جميع الأحوال مادة ثرية لفهم المجتمعات وتقاليدها، وطباعها، وقيمها، وانحرافاتها، ومخاوفها، وآمالها، ومكنونات صدورها إلى حد بعيد. ولذا نتبع أهمية دراسته وتحليله وفحصه بعين باحثة مدققة مقارنة، فالأدب يعكس في نهاية الأمر هوية الإنسان المفروضة عليه عند الميلاد، ولكنه يعكس بشكل أكثر التصاقا الانتماء، ولذا نتبع أهمية دراسة نماذج مختارة من أدب الجار القابع شمال شرق، خصوصا وأن سلوكه يصنفه بامتياز على أنه جار سوء يجب رصد وتحليل توجهاته دوما بكل حرص، بل وتقديم خريطة معرفية متكاملة متجددة عنه للرأي العام المصري قبل صانع القرار.
وفي كتابه “الأدب العبري المعاصر.. شاهد على قبر السلام” لمؤلفه د. أحمد فؤاد أنور، حرص أن يختار بعناية نماذج لكتاب مؤثرين في المجتمع الإسرائيلي وحققت كتبهم نسبة مبيعات كبيرة، فاختار لكاتب شهير جدا، وله مواقف سياسية أيضًا قصة “تمرد” التي ربط بينها وبين ثورتي يوليو 1952 وثورة يناير 2011.
وقد اختار الكاتب عملا أدبيا تحت مسمى “الرواية المصرية” لإسرائيلية شابة من أصل مصري، فضلا عن نماذج لأدب الأطفال حسبما قدمته صحافة الأطفال في إسرائيل، ولم يغفل الشعر، وركز على القصائد المغناة لأنها الأكثر رواجا، وركز جهده على تلك التي تناولت مصر بشكل مباشر، وفي هذا المضمار رصد توجهات مهاجرة من أصول إيرانية كنموذج على قضايا المرأة.
أيضا تم اختيار منهج المواطنة في الثانوية العامة كنموذج على توجهات التعليم نحونا بهدف تقييم محاولة صهر الطوائف المختلفة والثقافات المتباينة في بوتقة واحدة.
وقد تمت ترجمة تلك النماذج للقارئ، فقدم لها رؤية نقدية عربية مشفوعة بمراجع بالعربية وبالإنجليزية والعبرية يمكن من خلالها الاستزادة أو المراجعة، سواء بنفسه أو من خلال مترجم.
أسئلة مشروعة
ويتساءل المؤلف: هل إذا استجاب “جار السوء” القابع شمال شرق لنداء “السلام الحقيقي”، أو بالأحرى استسلم لـ “هجوم السلام” المصري وأعاد الحقوق الفلسطينية، وكف أذاه عن محيطه العربي، هل سيكون المجتمع المصري والعربي ورجال الأعمال والأوساط الثقافية، بل والرياضية والفنية والإعلامية والمؤسسات الأكاديمية مهيئين للتعامل مع الآخر، ورصد نقاط القوة والضعف، وفرز مجرم الحرب على الأقل تطرفا؟ وهل المجتمع الإسرائيلي نفسه يؤهل أجياله القادمة للسلام؟ وهل يمكن أن تندلع حرب أهلية في إسرائيل إذا ما حل السلام وزال الخطر الخارجي الذي يوحد الصهاينة؟ وهل الإشكالية التي عبر عنها أحد قادة الصهيونية بقوله: “كنا شعبًا بلا دولة، والآن يحدق بنا خطر أن نصبح دولة بلا شعب”.
وإذا كان جل اهتمام المراقبين العرب وبالتالي القراء ينصب على معرفة ما يدور في رأس من يتحكمون في القرار في الجانب الآخر، فإنه من الأهمية بمكان أن نتابع بقدر من التفصيل دقائق المجتمع ذاته بأجياله المختلفة وصور التعبير المنفصلة، وبما يتسق مع الجذور والخلفيات المتباينة، فهذا المجتمع هو الذي يحسم الصراع ويجبر الساسة على تنفيذ إرادته وإلا رحلوا وتمت الاستعانة بغيرهم الأكثر تعبيرا عن هوى الشارع اليوم وغدا، نسعى في الصفحات القادمة لرصد وتحليل توجهات المجتمع الإسرائيلي حتى نضع رد الفعل الإسرائيلي على دعوات السلام العربية المتكررة، ومن أعلى المستويات من 2002 وحتى ربيع 2016 في سياقها الصحيح، بهدف أن نؤثر في المشهد بشكل أفضل، ونقيم ردود الأفعال على بوادر حسن النية بشكل أنجع، حتى لا تداهمنا الأحداث، أدواتنا في البحث هي إلقاء الضوء على بعض الظواهر في الأدب شعرًا ونثرًا متضمنا أدب الأطفال وصحافة الأطفال، وفي التعليم الإسرائيلي خصوصا في مرحلة إنهاء الدراسة الثانوية التي تسبق الانضمام للجيش مباشرة، فضلا عن أعمال تتناول صورة مصر في الأدب العبري الحديث والمعاصر.
نتائج وتوصيات
وقد توصل الباحث – بحسب رأيه – إلى مجموعة من النتائج يذكر منها: حيث يعبر تغيير المحتوى في المقرر عن انتكاسة للتوجه نحو المقررات الموحدة وعودة لأسلوب «التيارات» الذي استمر حتى منتصف الخمسينيات، وإن كان يتم حاليا على طريقة المناوبة، حيث يفرض كل معسكر سياسي توجهاته فور أن يتولى الأغلبية في الكنيست.
كذلك لا يتم المقرر على الإطلاق مبادئ التوجه للسلام الحقيقي الشامل والعادي لكونه لا يعترف بوجود ثقافات مختلفة ولا يحترم حق الغير وخصوصيته، فالولاء للدولة اليهودية له الأولوية، وفكرة أساسية في المقرر، وفي سبيله لتعزيز فكرة الولاء للمجتمع الصهيوني الذي يتجاهل المقرر في قيم السلام والديمقراطية وقبول الآخر والصدق.
ويمكن القول إن صانع القرار الإسرائيلي اختار أن ينهي المرحلة الإلزامية – بمقرر إجباري – يحث على تهميش (الأقلية) وتزوير تاريخها، ويحذف من المقرر ما يجد أنه قد يشكك أو يبدو أنه محايد إزاء جدارة إسرائيل، وحقها في الوجود ولو على حساب التاريخ والديمقراطية والقيم، ولذا يعد المقرر خطوة بالغة الخطورة في تجهيز نهائي للطلبة الذين سينضمون بعد أشهر من التخرج للجيش الإسرائيلي.
وجاء الفصل الثاني على رأس الفصول التي تحظى بدرجة اهتمام أكبر داخل المقرر ويتم توجيه عدد أكبر من الدرجات لها؛ وهو يتناول الحديث عن النظام البرلماني، والقوانين الأساسية، ودور المستشار القانوني للحكومة، وأنواع الحصانة لأعضاء الكنيست، ويدل هذا على أن الفصول التي من المفترض أن تقدم حلولا أو تقاربا وتذيب الخلافات هي نفسها محل خلاف وتأتي بعد الفصول التي تتناول نصوصا قانونية ثابتة، حيث تطل علينا من المقرر – في معظم فصوله – غريزة اصطناعية، حيث يرفض آراء الآخر حتى ولو تحول لأغلبية، كما أنه يشيد هذه الغريزة على حقائق مغلوطة ويتجاهل جرائم ثابتة، وبهذا يكون مجندا للترويج لأفكار لا ترتكز على القيم النقية النبيلة، والمقرر يدعو للشوفينية والتطرف وليس المواطنة والسلام والعدل.
أيضا يقسم المقرر الأقليات قومية وأقليات دينية لزيادة التفتيت والتشرذم بين فلسطيني الـ 48 ويكشف المقرر أن القيم التي يرغب صانع القرار أن يرسخها في الشعب الإسرائيلي قيم مجموعة من البشر يتجاهلون قيما سماوية نقية تسعى لتحقيق العدل. ويعترف المقرر بأن وثيقة استقلال ليست لها غطاء قانوني يفعل على أرض الواقع حقوق العرب السياسية والثقافية والحق في السكن أو حتى الحصول على الجنسية للزواج.
واتسم المقرر في بعض نصوصه بقيم وأخلاق نبيلة ونوه لبعض القضايا بموضوعية وهو ما آثار غضبة شديدة تجاه فقرات بعينها، وتم حذفها بالفعل، ولم يتم إضافة ما يعزز قيم المساواة والاعتراف بالحقائق. وما يتم ذكره عن حقائق واعتراف بجرائم لا يتم تنبيها، بل يتم الاكتفاء بذكرها باقتضاب شديد، أو عرضها كوجهة نظر عدد من أنصار اليسار الهاشميين غير المؤثرين في رسم سياسات المجتمع الإسرائيلي. وهذا يدل على أن الإقرار بالحقائق يتم بأيد مرتعشة خوفا من غضبة المتطرفين.
والملاحظ أن المقرر لا يساعد على ضبط سلوك الأجيال القادمة في إسرائيل تجاه العدوان المستمر على حقوق الفلسطينيين، ولا تساعد توجهات المقرر على تقبل أفكار الآخرين وآرائهم بما يقف حائلا بين الجيل القادم والحياة الطبيعية، ويتناقض محتوى المقرر مع القيم التي تبعد الدارس عن الشر وتحثه على عمل الخير ولا يدعم المقرر قيم الشجاعة الأدبية والاعتراف بالذنب، ومعاقبة المذنب لا إثابة. أيضا يتعمد المقرر تجاهل حقائق من بينها الدوافع البراجماتية لهجرة يهود الاتحاد السوفيتي لإسرائيل، وطبيعة اليمين الإسرائيلي إزاء حقوق الفلسطينين.
يذكر أن كتاب “الأدب العبري المعاصر.. شاهد على قبر السلام” صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .