صدر عن دار نينوى للدراسات و الأبحاث و النشر-دمشق- في الفترة القريبة الماضية رواية جديدة بعنوان (بين بابين) للكاتب و الروائي اليمني بدر أحمد، هذا الكاتب الذي عاش وجدانيا فترة طويلة من الزمن في ليببا و عاصر أبناء جيله و الأجيال التي سبقته فاعتصر خلاصة مشاهدته و لطالما قدمها في قالب قصصي و روائي مشوق.
تعد الرواية امتدادا لسابقتها على الترتيب (أمطار سوداء) التي انتهى الكاتب من كتابة تفاصيل أحداثها عام 2011 و استمد رؤيتها من ثورات الربيع العربي حيث تدور موضوعاتها حول الحرب و آثارها على الانسان و العمران و ما خلفته من آثار اجتماعية و نفسية كما تعرض جانبا كبيرا من وحشية الحرب و التي هي كما يراها الكاتب أقرب إلى جماعات الجريمة المنظمة منها إلى الجماعات الثورية، حيث يلخص عنوانها طبيعة الخيارات التي تمنحها لنا الحياة و ما هذه المنحة الإلهية في واقعها إلا عبارة عن سجن للمؤمن فهي حينما تسلط علينا جبروت الظروف القاهرة فإنها بهذا تلزمنا على تقبل الحياة بين بابين اثنين لا ثالث لهما، حيث تتحدث الرواية كما يلخصها الكاتب عن سجين في زنزانة فهو بهذا كما يراه قابع بين بابين باب السجن و باب الحرية، باب الحياة الدنيا و باب الآخرة، باب الحاضر الافتراضي و الماضي الواقعي، هذا السجين لا يعرف أين هو و لماذا هو يقبع وحيدا في تلك الزنزانة المظلمة، كما أنه لا يتذكر أي شيء من حياته السابقة و التي عرضها هنا في سياق الرواية كقصص عبر حقب و أزمنة مختلفة.
كل الذكريات التي تباغت السجين في زنزانته تزيد من حيرته و من رغبته في معرفة أسباب وجوده في هذه الزنزانة البائسة التي أنسته ماضيه بمجرد أن وطأت قدميه بابها، و لقد عمد الكاتب إلى جعل شخصية البطل مبهمة ليتيح للقارئ فرصة لتقمص الشخصية و محاولة إلباسها لباسه الخاص بمعزل عن المكان.
الرواية في مجملها تحمل بعدا فلسفيا عميقا تضمنته أحداثها، سيكتشفه القارئ في خضم الأحداث التي تقدمها الرواية و لعل أبرز ما يميز بين بابين هو أنها تلعب على وتر مميز من النفس الحساسة حيث تلامس تفاصيلها روح الإنسان العربي حين قدم شخوصها كلوحة اجتماعية بسيطة دون البحث عن جانب محدد في تلك الشخصيات حيث أنه اعتمد على إذهال و مفاجأة القارئ إذ يمارس نوعا من التعليق لنزعة عدم التصديق من أجل أن يتفاعل مع الأدب الذي يفترض أن يدرك أنه و إن كان واقعيا فهو غير حقيقي.